هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعبئة الرأي العام الأوروبي
إلى جانب اليهود كان لإضفاء شرعية تاريخية على احتلال فلسطين
آلة الدعاية الإسرائيلية في
أوروبا لا تثير أية قضية جزافا
اللوبيات الإسرائيلية في أوروبا تحشد الرأي
العام وراء الليكود
صناعة أحداث خيالية تخدم المصالح الإسرائيلية
وحدها
الرسالة المزيفة لا تتناسب مع مزاج أو شخصية
بونابرت!
حينما أعادت مجلة (هستوريا) التاريخية
الفرنسية لأذهان قرائها هذه الأيام قصة وعد نابليون الذي قدمه لليهود بإنشاء
دولتهم، أدركت أن السبب هو خطة اللوبيات الإسرائيلية في أوروبا لحشد الرأي العام
وراء الليكود، الذي لم ينجح في انتخابات 23 مارس الجاري في الفوز بأغلبية مريحة،
لأن آلة الدعاية الإسرائيلية في أوروبا لا تثير أية قضية جزافا، بل دائما لتحقيق
أهدافها، ونفهم إذن لماذا أعادت مجلة (هستوريا) الفرنسية نشر "بحث" يؤكد
نظرية كان قد درسها مؤرخ نمساوي من أصل يهودي هو (فرانز كوبلر) عندما نشر ما قدمه
كرسالة من الجنرال (بونابرت) إلى اليهود، وذلك في عدد سبتمبر 1940 من مجلة (ذي نيو
جيديا) اليهودية الصادرة في لندن حين كان يهود العالم آنذاك يستعدون للاستيلاء على
فلسطين!.
وتبدو مصداقية هذه الرسالة هشة
مهزوزة، بل إن أمرها شديد الغرابة، فالمؤرخ (كوبلر) نشر الرسالة باللغة الإنجليزية
مترجمة من الألمانية، سلمها له صديقه المؤرخ الألماني (فوجز) زاعما انه ترجمها من
أصلها الفرنسي. وادعى (كوبلر) أن أصل الرسالة مفقود لأن "الجيش الألماني
النازي عثر عليها في وثائق محجوزة يملكها (فوجز) وصادرها النازيون ثم
أحرقوها"، وبذلك لم يبق أي أثر لرسالة (بونابرت) ولا يمكن التحقيق في صحتها
ولا في نسبتها للجنرال بونابرت، ويفتح الباب على مصراعيه للتأليف والكذب وصناعة
أحداث خيالية تخدم المصالح الإسرائيلية وحدها، كما كانت تخدم مصلحة الجالية
اليهودية في ألمانيا وكل أوروبا عام 1940، حينما اشتد القمع النازي ضد اليهود وضد
الغجر وكل الشعوب غير الآرية. فقد كان (كوبلر) يهدف إلى تعبئة الرأي العام
الأوروبي إلى جانب اليهود في مجتمعاتهم، ولكن أيضا إضفاء شرعية تاريخية أوروبية
على مشروع احتلال فلسطين من قبل اليهود وإنشاء دولة إسرائيل، الذي تحقق مع القرار
181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين (قرار 29 نوفمبر1947).
ومن الواضح أن الادعاء بأن
بونابرت وعد اليهود بدولة، والذي اشتغل عليه مؤرخون يهود، يرمي إلى إشعار
الأوروبيين بديْن في رقابهم عليهم أن يسددوه لليهود، بما أن اليهود كانوا إلى جانب
بونابرت في حملته على مصر والشام، أي ضد العرب والمسلمين وان انتماءهم إلى ما
يسمونه الحضارة المسيحية اليهودية (أي الغربية بمفهوم اليوم) هو انتماء عريق وقديم
وأصيل، ونأتي إلى نص الرسالة المزيفة ونقرؤها، فهي تبدأ بلهجة حماسية لم يألفها
المؤرخون المتخصصون في تاريخ بونابرت، لأنها لا تتناسب مع مزاج أو شخصية بونابرت!.
وهذه هي الرسالة:
(من بونابرت القائد الأعلى لقوات الجمهورية
الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى الورثة الشرعيين لفلسطين، يا أبناء إسرائيل تلك
الأمة الفريدة التي اغتصب منها الغزاة أرضها ولكن بقي اسمها خالدا، لقد كُتب على
شعبكم أن يعود إلى صهيون في غمرة السعادة).
وإلى آخر الرسالة يستمر هذا النفس الصهيوني
الحماسي المنسوب إلى بونابرت، والذي لم يصدقه أي مؤرخ أمين، من ذلك أني سألت زميلي
بجامعة السربون المستشرق هنري لورنس صاحب كتاب (أسباب حملة نابليون على مصر
والشام) عن رأيه في صحة هذه الرسالة، وذلك الزعم فأجاب بضحكة عريضة لا غير وبالطبع
فمن الصعب تصور صدور نداء كهذا عن نابليون بكلمات هي من صميم الدعايات اليهودية في
أرض فلسطين، والأصح أن نابليون كانت له علاقات عدائية مع اليهود ولعل الأصدق أن
نابليون سبق (أدولف هتلر) في اضطهاد اليهود حسبما تدل وثائق اشتغل عليها مؤرخون
يهود أنفسهم، فالإمبراطور بونابرت كان جَدا أيديولوجيا لهتلر لا للورد بلفور فقد
عامل اليهود معاملة عنصرية قاسية إرضاء منه لموجة عداء أوروبية لليهود إلى درجة أن
نابليون اصدر قراراته المعروفة بقرارات 30 مايو، والتي تميز بينهم وبين بقية
الأعراق وجاء نصها كالآتي: (من واجبنا أن ننعش الشعور الأخلاقي والمدني لدى من
يدينون بالديانة اليهودية، حيث لاحظنا أن عددا من يهود فرنسا وأوروبا فقدوا هذا
الشعور تحت عامل السقوط في حضيض المادة فمارسوا الربا وجمعوا الثروات غير الشرعية
على ظهور الفلاحين والفقراء).
هذا ما وقع عليه الإمبراطور، وهو ليس من باب
مقاومة الثراء التي شاعت بعد قيام ثورة 1789 الفرنسية لكن من باب التمييز العرقي
ضد اليهود إذ هو يقرن الثراء بالربا، ويقرن الربا باليهود دون غيرهم من الأعراق،
ونذكر أن النازية الهتلرية لم تفعل سوى هذا وهو ما ترفّع عنه العرب في كل مراحل
تاريخهم مع اليهود، وما يفعله اليهود اليوم ضد شعب فلسطين وأصبح من أنظار محكمة
الجنايات الدولية في لاهاي منذ فبراير 2021.