هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتابع العالم عن كثب تفاصيل تعطل الملاحة في قناة السويس التي يمر منها 12 بالمئة من حركة التجارة الدولية، بسبب جنوح سفينة عملاقة وفشل محاولات وجهود تعويمها على مدار ثلاثة أيام متواصلة، دون جدوى.
وتسببت عاصفة ترابية، الثلاثاء الماضي، في جنوح ناقلة الحاويات العملاقة "ايفرغيفن"، في المجرى الجديد لقناة السويس حيث انحرفت بميل لتغلق بالعرض الجزء الجنوبي من القناة الذي يسمح بالمرور في اتجاه واحد فقط، وهو ما يعني أنه ليس بوسع سفن أخرى العبور.
وقالت هيئة قناة السويس في بيان إن جنوح السفينة "يعود بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظرا لمرور البلاد بعاصفة ترابية... مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها".
هل نجحت الحكومة المصرية في إدارة الأزمة؟
ورغم أن هذه إحدى أسوأ الأزمات التي تمر بالمجرى الملاحي العالمي، إلا أن الحكومة المصرية تتعامل معها وكأنها أزمة محلية، بدأت بالتجاهل ثم تضارب تصريحات المسؤولين ثم الإعلان عن انتهاء الأزمة وعودة حركة الملاحة بالقناة إلى طبيعتها، قبل أن تعلن هيئة قناة السويس رسميا الخميس تعطيل حركة الملاحة بشكل كامل.
ونتيجة لحالة الارتباك في إدارة الحكومة المصرية للأزمة، سادت حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بين ساخرين ومنتقدين من سوء إدارة الحكومة المصرية للأزمة وبين مبررين لأهمية التفريعة الجديدة للقناة التي افتتحها رئيس سلطة الانقلاب العسكري في عام 2015.
ووفقا لرويترز، كان الهدف من افتتاح التفريعة الجديدة للقناة، السماح بحركة مرور متزامنة في الاتجاهين على امتداد 35 كيلو مترا في القناة، لكن هذه التفريعة تقع شمالا بعد المنطقة التي تتسع فيها القناة لتصبح البحيرة المرة الكبرى، بينما وقع الحادث في الجزء الجنوبي من القناة الذي يسمح بالمرور في اتجاه واحد فقط.
وسمحت هيئة قناة السويس لقافلة سفن بدخول القناة من طرفها الشمالي في بورسعيد في 24 مارس /آذار على أمل أن يتم تعويم السفينة إيفر غيفن قريبا لكن السفن رست في منطقة انتظار البحيرة المرة الكبرى.
وفي إشارة للإيحاء بانتهاء أزمة جنوح السفينة العملاقة، أعلنت الهيئة العامة لقناة السويس، الأربعاء، عودة السفن في قناة السويس إلى المرور بشكل طبيعي، بعد قرابة 24 ساعة من التعطل بسبب جنوح إحدى السفن، لكنها عادت، الخميس، وأعلنت توقف حركة الملاحة.. فما الذي حدث؟
ما حدث هو أن هيئة قناة السويس سمحت لقافلة سفن بدخول القناة من طرفها الشمالي في بورسعيد بعد توقف يوم كامل نتيجة لجنوح السفينة العملاقة على أمل أن يتم تعويمها، لكن قافلة السفن توقفت في منطقة انتظار البحيرة المرة الكبرى.
كيف تناول الإعلام المصري الحدث؟
واحتفى الإعلام المصري، ببيان هيئة قناة السويس بعودة حركة الملاحة وادعى تعويم السفينة مرة أخرى، معززا ذلك بصور من الأقمار الصناعية، على الرغم من أن الصور تظهر عدم تحرك السفينة الجانحة من مكانها.
لكن ذلك التصريح تبعه تصريح آخر صباح اليوم- يكشف مدى التخبط في التعامل مع الحدث- إذ لا يزال الوضع على حاله بعد مرور ثلاثة أيام على جنوح سفينة الحاويات؛ الأمر الذي جعل هيئة قناة السويس تعلن تعليق حركة الملاحة بالقناة مؤقتا، في مؤشر على الصعوبات التي تواجه تعويم السفينة الجانحة.
وكان المركز الصحفي لهيئة قناة السويس قد نشر فيديو لمحاولات تعويم السفينة المتعثرة في القناة، بحضور رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع وعدد من المسؤولين.
وبطبيعة الحال، حاول الإعلام المصري، التقليل من حجم الأزمة، بالإشارة إلى احتمالية حدوث ذلك الحادث بأي ممر ملاحي آخر حول العالم، نتيجة سوء الأحوال الجوية أو الأعطال الفنية. وبرر أحد الإعلاميين المقربين من الأجهزة الأمنية، الاهتمام العالمي بأزمة جنوح السفينة في قناة السويس، بعدم وجود منافس لها على مستوى العالم.
كم يستغرق حل الأزمة؟
وفي المقابل، نقلت "CNN" عن مسؤول مصري بهيئة قناة السويس -رفض الكشف عن هويته- قوله إن إعادة تعويم سفينة الحاويات يعد عملا معقدا جدا من الناحية الفنية وقد يستغرق أياما.
وأوضح أن هيئة قناة السويس تمتلك بالفعل المعدات اللازمة لتعويم الناقلة، لكن الأمر لا يتعلق بامتلاكها من عدمه بل بكيفية استخدامها.
ووفقا للمسؤول المصري، إذا كانت جهود إعادة تعويم السفينة تجري بالطريقة الخاطئة فإن الأمر قد يستغرق أسبوعا، ولكن إذا تم إجراؤها بشكل صحيح فلن يستغرق الأمر أكثر من يومين.
وأضاف: "لو كانت جهود تعويم السفينة تحدث بشكل صحيح من البداية لكان من الممكن أن تنتهي الأزمة أمس".
وتابع: "بعد أن تنجح جهود إعادة تعويم السفينة بشكل كامل، من غير المرجح أن تتمكن الناقلة من مواصلة الإبحار بشكل طبيعي بسبب الأضرار التي قد تكون لحقت بها، حيث ستحتاج إلى أن يجري سحبها إلى أقرب مرسى في منطقة البحيرات المرة على بعد 30 كيلومترا اتجاه الشمال.
وقالت شركة إنقاذ إن تحرير سفينة حاويات عملاقة جانحة في قناة السويس قد يستغرق أسابيع في حين أوقف مسؤولون كل السفن المتجهة إلى الممر المائي اليوم الخميس في انتكاسة جديدة للتجارة العالمية، وفقا لرويترز.
ومن جهته، ذكر بيتر بيردوفسكي الرئيس التنفيذي لشركة بوسكاليس الهولندية التي تحاول تعويم السفينة أن من السابق لأوانه تحديد المدة التي قد تستغرقها المهمة. وقال بيردوفسكي لبرنامج يبثه التليفزيون الهولندي: "لا يمكننا استبعاد أن تستغرق المسألة أسابيع، حسب الوضع".
وأشارت بيانات لتعقب السفن إلى أن 206 سفن حاويات وناقلات نفط وغاز وسفن للمواد السائبة تتجمع عند طرفي القناة مما يخلق واحدة من أسوأ حوادث تكدس سفن الشحن منذ سنوات.
ما حجم الخسائر المتوقعة؟
وتشير حالة التخبط الإعلامي والتكتم المعلوماتي، حول حادث جنوح السفينة، إلى أن هيئة قناة السويس إما أنها لم تكن مستعدة لمثل تلك الوقائع، وبالتالي ليست على قدر الحدث، وإما أنها لا تدرك العواقب التي تنتظر الاقتصاد المصري، وكذلك الخسائر المتوقعة على قناة السويس. إذ أشارت وكالة بلومبيرغ الأمريكية إلى أن هناك حوالي 9.6 مليارات دولار من حركة المرور البحرية اليومية أوقفتها سفينة الحاويات الضخمة التي استقرت في قناة السويس، فضلا عن تعطل ناقلات نفط سعودية وروسية وعمانية وأمريكية تقف الآن مع أكثر من 300 سفينة أخرى بالقرب من المدخلين الجنوبي والشمالي لقناة السويس في انتظار إعادة فتح حركة الملاحة داخل القناة.
ووفق تقديرات صحيفة "لويدز ليست" المختصة بأخبار النقل البحري، فإن تكلفة الانسداد على مصر والعالم وقطاع الشحن البحري قد تبلغ نحو 400 مليون دولار في الساعة الواحدة، فيما تبلغ حركة الشحن البحري المتجهة غربا نحو 5.1 مليارات دولار في اليوم الواحد، وحركة الشحن البحري المتجهة شرقا نحو 4.5 مليارات دولار تقريبا.
لكن خبير النقل البحري المصري، حمدي برغوت، اعتبر ذلك "تقديرا متواضعا"، وقال لـ "مصراوي" إن "تكلفة تعويم السفينة الجانحة وحدها تربو عن 100 مليون دولار"، لافتا إلى أن زورق القطر أو القاطرة البحرية يكلّف في الساعة الواحدة 6 آلاف دولار، ومن ثم ستفوق الخسائر تقديرات بلومبيرغ السابقة.
ما أهمية تفريعة قناة السويس الجديدة؟
ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، خلال حديثه مع "عربي21"، أن هناك سوء تقدير وسوء إدارة في أزمة جنوح السفينة بقناة السويس منذ بدايتها وحتى الآن.
وقال: "تجلى سوء التقدير في تأخير أي بيانات إعلامية عن الأزمة لأكثر من 24 ساعة، رغم أن كل الصحف ووكالات الأنباء العالمية تابعت الحدث وتطوراته، كما أن البيان الأول الذي صدر عن هيئة القناة لم يكن على قدر المسؤولية فلم يحدد المشكلة، ولا وضع حلول، ولا معلومات كافية، كغيرها من البيانات التي تصدر للجماهير المصرية وليس لحدث يتابعه العالم كله".
وأشار ذكر الله إلى أن قناة السويس تشكل أهمية كبيرة للعالم، حيث يمر منها 12 بالمئة من حجم التجارة العالمي، وتوقف الملاحة في القناة يشكل أزمة كبرى.
وتابع: "كان لا بد من الاعتماد على بيوت خبرة منذ البداية لأزمة بهذا الحجم. خاصة وأن القناة تمثل موردا استراتيجيا وهاما لمصر يدر من 5 - 6 مليارات دولار سنويا في شريان الاقتصاد المصري".
وذكر الخبير الاقتصادي، أنه في الفترة الأخيرة تم تعيين عدد كبير جدا من لواءات البحرية المتقاعدين في هيئة الإرشاد للقناة، وبلغ عدد المرشدين البحريين 350 مرشدا رغم أن أقصى عدد يمكن أن تحتاجه الهيئة لا يزيد عن 120 مرشدا، هذا إلى جانب ضعف كفاءة هؤلاء اللواءات في مهنة الإرشاد.
وحين تدخل السفن مجرى قناة السويس يصعد مرشدون على متنها ويوجهونها في قوافل بمساعدة قاطرة واحدة أو اثنتين. وبين حين وآخر يحدث جنوح لسفينة ما لكن سرعان ما يتم إنهاؤه دون تأثير يُذكر على السفن الأخرى.
واعتبر ذكر الله أن تباهي بعض الإعلاميين المصريين بأن الحادث كشف أهمية الحاجة للتفريعة الجديدة للقناة، التي أرقت المصريين والاقتصاد المصري، مجرد "تدليس".
وقال ذكر الله: "نحن نقارن بين التكلفة والعائد، وما يهمنا هو الجدوى الاقتصادية للتفريعة أو التوسعة، وحجم الأرباح والإيرادات التي تدرها لدعم الاقتصاد المصري"، مؤكدا أن الإضافة التي حققتها التفريعة لإيرادات القناة محدودة جدا لا تكاد تذكر، وبالتالي فإن التفريعة بتكلفتها الاقتصادية على الاقتصاد المصري والمصريين لم يكن لها جدوى اقتصادية بصرف النظر عن عدد السفن التي تمر بها سواء سفينة واحدة أو حتى 10 سفن.
ما سر ارتباك مصر.. وهل أثر الحادث على مكانة قناة السويس العالمية؟
وعلى صعيد تقييمه لإدارة الحكومة المصرية لأزمة جنوح السفينة العملاقة بقناة السويس، قال الأكاديمي واستشاري الإدارة الإستراتيجية والتطوير، سمير الوسيمي، إنها تفتقر إلى أبسط معايير الشفافية والاحترافية في إدارة الأزمات والمخاطر.
وأضاف في حديث خاص مع "عربي21": "مع غياب الشفافية والاحترافية في التعامل مع الأزمة نتيجة المركزية المفرطة التي صنعها النظام العسكري الذي يحكم مصر منذ العام ١٩٥٢ وحتى الآن، بدا مرفق قناة السويس وكأنه ضعيف ومهلهل في حين أنه يمتلك كوادر فنية ومتخصصة".
وتابع: "لكن وجود متخصصين لن يفيد شيئا في ظل وجود مستبدين لديهم سياسات عامة سيئة تؤثر سلبا على أداء الإدارة العامة للدولة أو الإدارة التنفيذية".
وأوضح أن الارتباك الذي بدت عليه الحكومة المصرية في إدارة أزمة الجنوح الأخيرة، صنعته السياسة العامة السيئة الموجودة في يد مستبد صنعت مركزية عقيمة جدا أثرت على حالة الاحتراف في إدارة الأزمات، لا سيما عندما تتعلق بمرفق تاريخي بحجم قناة السويس وأهميته العالمية.
واستطرد: "أقل معايير الشفافية أن يعلم الشعب المصري والعالم ماذا يحدث داخل مرفق قناة السويس بغض النظر عن طبيعة المشكلة الفنية التي قد تحدث في أي مرفق عالمي آخر".