هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
هناك رأي يزداد الاجماع حوله. لولا النظام السياسي العربي الذي سيطر على الدولة، واستفرد بالثروة والقرار والاقتصاد، وتلاعب بالمكونات والهويات الصغرى ثم قلص المساحات الحرة والحقوقية، مما عظم الفساد لما انتهى العالم العربي خاضعاً أمام القوى الخارجية كما هو الحال اليوم.
فالدولة في معظم البلدان العربية لم تقم بواجباتها كدولة ذات سيادة تجاه المواطنين، فهي لم تكن فعالة في التنمية والإدارة والحوكمة (إلا ضمن استثناءات وفي مراحل محددة) ولم تكن فعالة في التعامل مع الخارج وفق مقتضيات السيادة، كما لم تكن فعالة في الوقت نفسه في تأمين الحريات والحقوق وسيادة القانون بعدالة. لهذا انتهى الأمر في الدولة العربية بإنضاج فعاليتها الأوسع من خلال ممارسة أحد وظائف الدولة بلا حدود: القمع والانتهاك باسم القانون.
بين النماذج تستمر النزاعات والصراعات، فالنظام السياسي السلطوي مستمر في العالم العربي، لكنه حتى الآن يعجز عن تقديم حلول ناجحة (كما هو حال الصين حيث أولوية الكفاءة ومشروع بناء الدولة). في المقابل فإن منطق الحقوق، الذي لا يزال الأضعف في التوازنات العربية، يصارع لتبوؤ مكانته في ثقافة رسمية عربية وضعته في آخر السلم.
لقد سعت العديد من الدول العربية ومنذ عقود عدة، كحل لأزمة الشرعية، إلى اللجوء إلى الديمقراطية الشكلية التي تتضمن نسبة من الانتخابات والدوائر والأصوات والتمثيل. لكنها في سعيها أبقت القوة والسلطة في يد فئة تنفيذية لا تخضع للانتخابات والمساءلة الحقة.
إن القضية الحقوقية والتنموية ومسألة العدالة ودور الدولة ستبقى تشغل النشطاء والإصلاحيين العرب إلى حين التوصل لعقد اجتماعي جديد يوازن بإبداع بين حقوق المواطنين من جهة وتنمية البلاد وتطوير الدولة وسلطة القانون العادل من جهة أخرى
إن ديمقراطية النخبة أفضل من عدمها، لكنها تقود، مع الوقت، لإفشال العملية السياسية كما والتنموية. فالديمقراطية الشكلية، وفق المقاييس الإقليمية العربية، لا تجري تعديلات في أسس الاقتصاد والسياسة وحالة التهميش والاستيعاب وعلاقة الغالبية بالأقلية، والقوي بالضعيف، والريف بالمدينة.
في الديمقراطية ذات المساحة المحدودة بإمكان السلطة التنفيذية تغيير قوانين الانتخاب بصورة منفردة، وبإمكانها تعيين الحكومة أو التأثير في تعيين الحكومة من دون الرجوع إلى الناخب او البرلمان، فهي تلعب اللعبة الديمقراطية دون أن تمارسها.
وقد أدى هذا النموذج إلى التنفيس السياسي، لكنه أدى أيضاً إلى تفضيل أهل الولاء على حساب أهل الكفاءة والخبرة. هذا النموذج ساهم في إفساد الدولة، كما أدى إلى تراجع كبير في الإدارة والإنتاج والتعليم والصحة والخدمات التي تقدمها الدولة.
وقلما تنجح الديمقراطية الشكلية في الانتقال نحو الديمقراطية الحقة من دون حراكات وصراعات سياسية واجتماعية وأحياناً انتفاضات حول الإصلاح.
إن تطور الديمقراطية في التاريخ جاء بهدف إيجاد طريقة سلمية لتغيير الحكومات والسياسات وتدوير صناع القرار في ظل مساحة واضحة للحقوق والحريات. الديمقراطية الشكلية تنتخب برلمانا يناقش ويشرع وهذا قد يحسن من وتيرة الحياة السياسية والمساءلة، لكن تأثير ذلك يبقى محدوداً إذا لم يقترن بالقدرة على صنع القرار الحكومي والتنفيذي. هذا جوهر مأزق الديمقراطية الشكلية.
ولا نبالغ إن القضية الحقوقية والتنموية ومسألة العدالة ودور الدولة ستبقى تشغل النشطاء والإصلاحيين العرب إلى حين التوصل لعقد اجتماعي جديد يوازن بإبداع بين حقوق المواطنين والشعوب وكراماتهم من جهة وتنمية البلاد وتطوير الدولة وسلطة القانون العادل من جهة أخرى. يبقى العالم العربي في لحظة انتقال. هذه اللحظة تتكون من سنوات طويلة وشاقة.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت