ملفات وتقارير

MEE: المسيحيون الإنجيليون يغذون الفوضى في فلسطين

لقطة من فيلم فيلم "ليأت ملكوتك" الذي يناقش العلاقة بين اليمين الإسرائيلي والمسيحيين الإنجيليين الأمريكيين
لقطة من فيلم فيلم "ليأت ملكوتك" الذي يناقش العلاقة بين اليمين الإسرائيلي والمسيحيين الإنجيليين الأمريكيين

سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على العلاقة بين المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

وتناول الموقع في تقرير له ترجمته "عربي21" الفيلم الوثائقي "ليأت ملكوتك" الذي يتطرق إلى العلاقة غير المفهومة، والتي يقع تجاهلها في كثير من الأحيان بين اليمين الإسرائيلي والمسيحيين الإنجيليين الأمريكيين.

 

وفي ما يلي نص التقرير:

 

في كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم، يجلس القس منذر إسحاق على مقعد إلى جانب القس بويد بينغهام الرابع، وهو قس مسيحي إنجيلي من بلدة أمريكية صغيرة، لمناقشة الدور الذي يضطلع به المسيحيون الإنجيليون في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

في هذا السياق، أوضح إسحاق، وهو فلسطيني مسيحي، لبينغهام، وهو مسيحي صهيوني متشدد من كنيسة بينغهامتاون المعمدانية في ميدلسبورو بكنتاكي: "لقد ساهم الإنجيليون بشكل سلبي للغاية في هذا الصراع، لأنهم مهووسون بالنبوة". وتابع قائلا: "ما لا أفهمه لدى العديد من الإنجيليين الأمريكيين، الذين وفقا للسيناريو الخاص بهم، سيتم تحويل اليهود إلى المسيحية يومًا ما، وسيتم ذبح أولئك الذين لن يحزنوا على مصير إخوانهم - هو هذا الفهم النبوي. بطريقة ما، يُعتبر هذا الأمر تفسيرا لاهوتيا يهدف إلى دعم الشعب اليهودي".

أضاف إسحاق، وهو ينظر إلى بينغهام: "بالنسبة لي، تعدّ فكرة أن الله سيعيد اليهود إلى أرضهم غير منطقية، حيث توجد حلقة مفقودة في هذه القصة وهي الوجود الفلسطيني. يبدو الأمر كما لو كنت تتحدث عن أرض فارغة. لقد كنا متلقين لعلم لاهوت يخبرنا بأننا لا ننتمي إلى هذه الأرض، حتى أنه أخبرنا بأننا مواطنون من الدرجة الثانية في وطننا".

تندرج محادثة القسين الفلسطيني والأمريكي ضمن سلسلة من المشاهد الثاقبة في فيلم وثائقي جديد يعرف باسم "ليأت ملكوتك" الذي يتطرق إلى العلاقة غير المفهومة، والتي يقع تجاهلها في كثير من الأحيان بين اليمين الإسرائيلي والمسيحيين الإنجيليين الأمريكيين.

هذا الفيلم الوثائقي، من إخراج مايا زينشتاين، المخرجة الإسرائيلية الحائزة على جائزة "إيمي"، عبارة عن رحلة شاهد عيان في العالم المتعصب للحركة المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة التي برزت بشكل واضح خلال رئاسة دونالد ترامب.

القاعدة المسيحية الصهيونية

يشكل الإنجيليون المسيحيون ربع الناخبين الأمريكيين، وحوالي ثلاثة أرباع إجمالي السكان الإنجيليين من البيض. كثير منهم من المسيحيين الصهاينة، الذين يؤمنون حرفيا بأن إسرائيل هي مظهر من مظاهر نبوءات الكتاب المقدس وأنه ينبغي دعم اليهود للعودة إلى أرضهم الموعودة.

وفقًا للحركة اللاهوتية، بمجرد أن يجتمعوا في إسرائيل، سيعود يسوع وسينفذ التحول الجماعي لبعض اليهود إلى المسيحية في حين سيموت البقية.

مع انتخاب ترامب في أواخر سنة 2016 وروح الانتصار التي عرفتها قاعدته الإنجيلية المسيحية في البيت الأبيض، قالت زينشتاين إنها شعرت بأن الوقت مناسب لاستكشاف قصة يبدو أن قلة في إسرائيل يفهمونها أو يهتمون بها، ومن المتوقع أنها ستمارس نفوذًا هائلاً على المنطقة.
 
في هذا الصدد، قالت المخرجة لموقع "ميدل إيست آي": "عندما بدأت النظر في هذه القضية، أدركت أن هناك قوة هائلة أثرت في حياتي، وحياة الفلسطينيين الذين يعيشون بجواري. لذلك أردت تسليط الضوء عليها". خلال الفيلم الوثائقي، تستكشف زينشتاين وفريقها المجتمع الإنجيلي الصغير في ميدلسبورو، كنتاكي، الذي يمثل صورة مصغرة للمجتمع الإنجيلي المسيحي الأكبر في الولايات المتحدة. وقد قضت وقتًا مع بينغهام لتعرض كيف يتم غسل أدمغة الصغار والكبار على حد سواء للاعتقاد بأن دعم إسرائيل سيحسن مصيرهم في الحياة.

"مصير هذه الكنيسة"


تعد مدينة ميدلسبورو جزءا من حزام مدن الفحم السابقة التي تشكل بعض أفقر المناطق في الولايات المتحدة. على الرغم من أن 40 بالمئة من سكانها يعيشون في فقر، إلا أن المجتمع هو من بين أكبر المساهمين في جمعية الزمالة الدولية غير الربحية للمسيحيين واليهود. في هذا الإطار، قالت رئيسة هذه الجمعية يائيل إيكشتاين، أمام كنيسة مكتظة في ميدلسبورو، بعد تلقيها شيكًا بقيمة 25000 دولار إن "مصير الشعب اليهودي هو قدر هذه الكنيسة ومصير هذه الكنيسة هو مصير الشعب اليهودي".

يتمتع فيلم "ليأت ملكوتك" بوصول غير محدود إلى بعض الأماكن الأكثر خصوصية في العالم الإنجيلي المسيحي الأمريكي. في لوس أنجلوس، شاركت كل من زينشتاين وإيكشتاين في إحدى الفعاليات المخصصة لجمع التبرعات للجيش الإسرائيلي، حيث يتباهى مشاهير الصف الأول في هوليوود مثل جيرارد بتلر بشخصيات مثل الراحل شيلدون أديلسون، الملياردير الراعي لترامب وداعم إسرائيل. في وقت لاحق، شوهد بتلر وهو يلتقط صورة سيلفي مع جنود إسرائيليين بينما كانت بجانبه نجمة المسلسل التلفزيوني الإسرائيلي الناجح "فوضى" رونا لي شمعون. في شأن ذي صلة، ذكرت زينشتاين أن "هذه المسألة تتعلق بالإيمان والمال والتأثير السياسي".

إن التعرض للمناورات الداخلية لهذه العلاقة التي تعود إلى عقود من الزمن هو ما يجعل الفيلم مستقطبا.

كما تعتبر زينشتاين من الروائيات البارعات، حيث تسمح لشخصياتها بحكاية القصة من خلال كلماتهم وتعبيراتهم، لدرجة أن ذلك يشكل تحديا للأبطال الرئيسيين. وعندما أخبر بينغهام زينشتاين أمام الكاميرا أنه "لا يوجد شيء اسمه فلسطيني"، بعد محادثة شاقة في الكنيسة في بيت لحم مع إسحاق لم يكن لدى الجمهور أدنى شك بشأن التهديد الذي يشكله المشروع الإنجيلي. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال المحادثة، لم تتدخل زينشتاين سوى لطرح الأسئلة.

قصة غير مكتملة

قالت زينشتاين إنّ الفيلم كان يهدف في جزء كبير منه إلى تمرير رسالة للسياسيين الإسرائيليين مفادها أنّه: "عندما توقّع إسرائيل اتفاقا مع الإنجيليين، فإنهم يوقعون على "أجندتها الكاملة". وتشمل هذه الأجندة حقوق مناهضة الإجهاض، وحقوق مناهضة مجتمع الميم، وهذه المسائل لا تهمّ الإنجيليين كثيرا." بل هم يسلطون اهتمامهم على العلاقة المشرقة بين الحكومة الإسرائيلية واليمين المسيحي.

تعقيبا على تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" حين قال إن الإنجيليين الأمريكيين هم "أفضل أصدقاء لإسرائيل"، تذكر زينشتاين: "هذا ضرب من الجنون. كإسرائيلية، يخيفني هذا التصريح حقا".

لكنّ هذا السياق بالذات سيصبح نقطة الضعف المركزية للفيلم. فلم تتطرق زينشتاين أو شخصياتها في الفيلم إلى إسرائيل باعتبارها مشروعًا استيطانيًا يشرّد بشكل منهجي الفلسطينيين، ويقتل الأرواح ويحتل الأراضي، حتى قبل ربط علاقات مع الإنجيليين.

على الرغم من الجهود المبذولة في الفيلم لرواية قصة كاملة، إلا أن التركيز على المخاوف والشواغل الإسرائيلية وعلى صورة إسرائيل البائسة المثقلة بحركة عملاقة جامحة ومعادية للسامية ليس فقط أمرا مؤسفا، وإنما هو كذلك صورة منقوصة عن الحكاية.

على الرغم من أن الإنجيليين المسيحيين يعدون "خطة" لليهود، إلا أن مشروعهم يظل لاهوتيًا، بناءً على تفسيرهم للكتاب المقدس، المرتبط بإيمانهم. ولئن أحسّ بعض الإسرائيليين بشيء من القلق وعدم الراحة إزاء رغبة الإنجيليين في إقامة مذبحة ضدّ اليهود، إلا أن معظم الإسرائيليين لا يأخذون هذه النوايا على محمل الجد.

تتملك الفلسطينيين مخاوف وجودية أكثر عمقًا. فداخليا، طردت إسرائيل مئات الآلاف من الفلسطينيين، وبنت جدارًا بطول 700 كيلومتر عبر الضفة الغربية المحتلة، ونصبت نفسها كهيئة مراقبة أمريكية في المنطقة. أمّا في الخارج، فقد تحالفت إسرائيل منذ فترة طويلة مع الحكومات اليمينية والعنصرية، سواء كان ذلك في جنوب إفريقيا، أو المجلس العسكري في ميانمار، كما وضعت اليد في اليد مؤخرًا، مع الأنظمة الاستبدادية المعادية للأجانب في البرازيل والهند.

لكن بالنسبة للفلسطينيين الذين تحملوا وطأة هذا التعصّب لعقود، وبالنسبة لأولئك اليهود الذين حاولوا تسليط الضوء على الطموحات الاستيطانية لإسرائيل، فإن هذه الرابطة المتعصّبة تمثل خواء الصهيونية نفسها.

في هذا الشأن، قالت زينشتاين: "أعتقد حقًا أنني أعرض الجوانب الرئيسية لكيفية تأثير هذه الرابطة على هذه المسألة (الصراع). ويمكن أن نخلص إلى أن الإنجيليين المسيحيين يعتقدون أن كل الأرض التي وعد الله بها إبراهيم هي ملك للشعب اليهودي. هذا يعني أن أي شخص (يتنازل) عن هذه الأرض، يعدّ مرتكبا لخطيئة. فعندما نجعل هؤلاء الأشخاص أفضل أصدقائنا، كيف يفترض بنا أن نحل هذا الصراع بالضبط؟ أعتقد أنّ مسألة مصيرنا (الجماعي) في هذا المكان مطروحة في كامل الفيلم".

القضية تاريخية بالأساس

على الرغم من أن الفيلم يوضح أن الصهيونية المسيحية ليست ظاهرة حديثة، إلا أنه يوضح في المقابل أن التودد بين المسيحية الصهيونية واليمين الإسرائيلي كان مشروعًا طويل الأمد، اتبعته إسرائيل نفسها في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي تحت قيادة رئيس الوزراء السابق مناحيم بيغن.

كتب دانييل هاميل في كتاب "أخوة العهد: الإنجيليون واليهود والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية": "تعزز تكوين تحالف بيغن بتقرير وزارة الخارجية الذي اعتبر الإنجيليين قوة انتخابية حيوية في السياسة الأمريكية. أصبح المسيحيون الصهاينة تحت قيادة بيغن جزءًا أساسيًا من علاقة إسرائيل الدبلوماسية مع الولايات المتحدة".

يُظهر رفض الرئيس جو بايدن إبطال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أو رفض إدارته لقرار المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق مع إسرائيل (والجماعات الفلسطينية) في جرائم حرب والتردد في رفع العقوبات عن مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية -وهي جميعها قرارات اتخذت في عهد ترامب- أن إسرائيل ما زالت المسألة السياسية الوحيدة التي يمكن للديمقراطيين والجمهوريين أن يتوصلوا إلى إجماع بشأنها.

لا يمكن أن تغطي زينشتاين، كل هذا في الفيلم حيث تعمد شخصياتها إلى تشكيل الحكاية، ويستكشف فيلم "ليأت ملكوتك" جانبًا واحدًا من هذه العلاقة. أضافت زينشتاين: "أعتقد أن الفيلم يظهر بوضوح أن القيادة الإسرائيلية اليوم -وأنتم تعلمون أننا كنا تحت نفس القيادة على مدى السنوات العشر الماضية على الأقل- قررت أن يكون الإنجيليون المسيحيون هم أفضل أصدقائنا. إنهم لا يهتمون بما سيحدث بعد ذلك".

كما تابعت: "بدلاً من أن نقول إننا ندعم المستوطنات، وندعم أجندة يمينية، يقول (الإنجيليون المسيحيون) إننا ندعم إسرائيل بأكملها. وعندما تكون إسرائيليًا، فلن تقول لا لدعم إسرائيل".

محو الفلسطينيين

مع ذلك، فإن الفشل في الكشف عن كيفية تعاون إسرائيل مع ما يعتبر مفارقة العمل مع المتعصبين المسيحيين -أو، إظهار كيفية توظيف الدولة التأثير الهائل للمسيحيين الإنجيليين في أمريكا للمساعدة على تحقيق بعض أهدافها على غرار التوسع الاستيطاني وضم الشعب الفلسطيني ومحوه- يسمح للفيلم بالإشارة إلى أن مصير إسرائيل قد سيطر عليه المتعصبون.

إنّ فيلم "ليأت ملكوتك" لا يبدو اتهاما لليمين الإسرائيلي. إنه يثير -ربما بطريقة غير مباشرة- مجموعة مختلفة تمامًا من الأسئلة حول أنواع الأساطير التي تمسك بها الإسرائيليون حول بلدهم طوال هذه السنوات.

قد تتمثّل المفارقة الأكبر على الإطلاق في أن الأمر متعلّق بالعلاقة الغريبة التي ربطت الإسرائيليين بترامب للكشف عن المخالفات الجوهرية لإسرائيل.

التعليقات (0)