هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الأنباء، أن بنيامين نتنياهو أمر بغلق المجال الجوي الإسرائيلي، أمام الطائرات الأردنية، في ردة فعل انفعالية، على ما اعتبره «صفعة» أردنية وجهت له شخصياً، حين قررت وعطلت عمان مرور طائرته عبر أجوائها في طريقه إلى الإمارات.. ولولا تدخل جهات إسرائيلية نافذة، لما تم وقف العمل بالقرار قبل دقائق من دخوله حيز التنفيذ، ولربما خرجت «الزوبعة» من فنجانها.
رئيس الحكومة الإسرائيلية، المتغطرس، الذي يحرص دوماً على «نفش» ريش الطاووس من حوله، لم يدرك، لفرط استعلائه، مغزى ما قارفت يداه.. يحسب الرجل، أن بمقدوره أن يفعل ما يشاء، وقتما يشاء، وكيفما شاء، من دون انتظار رد فعل مماثل.. وهذا سلوك، لا يمكن تفسيره فقط، بـ «فائض قوة» تستشعره إسرائيل، ولا بـ «فائض ضعف» في المحيط العربي، بل بحالة نفسية مَرَضية، تستوطن عقل الرجل ومداركه وتتحكم بسلوكه.
في «الشخصي»، نتنياهو يكره الأردن، ولقد أظهر ذلك مراراً وتكراراً، منذ كتابه «مكان تحت الشمس»، وحتى تعطيل زيارة الأمير الحسين، مروراً بسجل لم يتوقف من الانتهاكات والتعديات على السيادة والكرامة الأردنيتين.. ومن نافل القول، أن ليس بينه وبين الملك، «كيمياء» من أي نوع.
لكن نتنياهو، ليس وحده من يكره الأردن، هناك قادة إسرائيليون يشاطرونه المشاعر ذاتها، بيد أنهم أقل نزقاً منه، عند التعبير عمّا يجول بدواخلهم، كيف لا، وهو المرشح الأول في تاريخ إسرائيل، لتشكيل حكومته السادسة.
في «السياسي»، من السذاجة اختصار دورات التأزم المتعاقبة في العلاقة الأردنية الإسرائيلية، بنزوات نتنياهو وسلوكه الشاذ.. نتنياهو صاحب مشروع يميني – قومي، يقف خلفه «تيار مركزي» في إسرائيل، لا يعتزم إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولا يؤمن بـ»تقسيم» القدس، ولا يحترم «الوصاية الهاشمية» على المسجد الأقصى، طالما أنها تشكل مظهراً يُذكّر القاصي والداني، بأن هذه أرض فلسطينية محتلة، وأنها كانت جزءاً من السيادة الأردنية، وأنها ممتدة في عمر الزمن، بما يفوق عمر دولة الاحتلال.
هنا الوردة، فلنرقص هنا.. فالعراقيل الإسرائيلية في وجه زيارة ولي العهد، سياسية بامتياز، ولو كانت «فنية» أو «إجرائية» لأمكن حلها باتصال هاتفي لا تزيد مدته عن دقيقتين، كما قلنا في مقام آخر.. ثم أن نتنياهو الذي يراقب التحرك الدبلوماسي الأردني الأكثر نشاطاً، والهادف تعبيد الطريق أمام جو بايدن وحل الدولتين، لا يكتفي بوضع يديه وقدميه في ماء باردة، فكل ما يذكّر إسرائيل باحتلالها ووجوب إنهائه، وحقوق الفلسطينيين ومركزية قضيتهم، هو «عدو قومي وشخصي» لرئيس الحكومة الإسرائيلية.
إيال زيسر، الباحث والمستشرق الإسرائيلي، رأى الأزمة الأخيرة بين عمان وتل أبيب «زوبعة في فنجان»، وسخر من تداعيات سلبية محتملة لتأجيل زيارة نتنياهو لأبو ظبي للمرة الرابعة، مستدلاً بقرار الأخيرة تخصيص مبلغ عشرة مليارات دولار للاستثمار في إسرائيل، بعيد تأجيل الزيارة إياها.. ومن أسفٍ، يبدو أن زيسر كان محقاً في تقديره الأول، حتى الآن على الأقل، ومحقاً أكثر في تقديره الثاني.. فلا الأردن بوارد رفع قفاز التحدي في وجه إسرائيل أكثر مما فعل، أملاً باستنفاد «فرصة بايدن» و»حل الدولتين» من ضمن اعتبارات وحسابات أخرى، ولا الإمارات بصدد التراجع عن مسارات «التطبيع» أو حتى إبطائها.
وإذا كان من المرجح أن يجد الأردن نفسه مُكرهاً على التعامل مع نتنياهو، وربما لسنوات عدة قادمة، فإن من غير المستبعد، أن تُفضي عمليات «التعرض» و»التحرش» الإسرائيلية المستمرة بالأردن و»الوصاية الهاشمية»، إلى نتائج تعكّر على زيسر صفو طمأنينته، فحماقات نتنياهو تتجاوز حدود الاحتمال، وقديماً قيل: «لكل داءٍ دواءٌ يُسْتَطَبُّ بهِ.. إلاّ الحماقَةَ أَعيتْ من يُداويها».
عن الدستور الأردنية