ملفات وتقارير

القرى "غير المعترف بها".. نكبة مستمرة لفلسطينيي 48 (شاهد)

نحو 150 ألف فلسطيني في الداخل المحتل يواجهون عقابا جماعيا- عربي21
نحو 150 ألف فلسطيني في الداخل المحتل يواجهون عقابا جماعيا- عربي21

يعيش الشيخ أسامة العقبي في قرية القرين بالنقب الفلسطيني المحتل عام 1948، لكنها ضمن عدد من القرى الفلسطينية التي لا تعترف بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.


ويصل عدد القرى البدوية غير المعترف بها في النقب إلى 55 قرية، ويقطنها ما يقارب 150 ألف نسمة، وتبلغ مساحتها أكثر من 180 ألف دونم، وتفتقر هذه القرى إلى بنية تحتية مناسبة، وتعاني من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية للأهالي.


ورغم ذلك، يصر العقبي، كما جميع سكان هذه القرى، على البقاء فيها، والصمود في وجه مخططات الاحتلال التي تسعى إلى ترحيلهم منها بشتى الوسائل لصالح مخططات تهويدية.


حياة قاسية

 

الشيخ العقبي، وهو عضو لجنة التوجيه في النقب المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية قال في حديث لـ"عربي21"، إن حياة الفلسطينيين في تلك القرى قاسية للغاية، ولا توجد فيها مقومات الحياة لأي إنسان يعيش في القرن الحادي والعشرين.


وأوضح أنه لا توجد فيها شبكات مياه ولا كهرباء، ولا طرق معبدة ولا خدمات صحية؛ ما يضاعف معاناة الأهالي أمام مرأى ومسمع أذرع الاحتلال التي تزيد حياتهم قسوة.

 


فبين الحين والآخر، يقتحم عناصر شرطة الاحتلال تلك القرى، معززة بالآليات العسكرية والجرافات، ويقومون بهدم مساكنها؛ بحجة أنها غير مرخصة، في حين ترفض الجهات المعنية ترخيص أي بناء فيها؛ بحجة أنه يقع ضمن قرى لا تعترف بها.


وفي ظل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، يعاني الأهالي في هذه القرى من الوضع الصحي المتردي، حيث لا يوجد أي تواصل مع الاحتلال من أجل تأمين اللقاحات المخصصة ضد الفيروس، ويعاني الأهالي من عدم وجود عيادات صحية قريبة.


وأشار العقبي إلى أنه حتى النساء في هذه القرى تضطر للولادة في المركبات بمنتصف الطريق في أثناء توجههن إلى تلك المراكز.


وأضاف أن الاحتلال "ينظر لنا كغزاة على أرضنا التي ورثناها كابرا عن كابر وورثناها من الآباء، بل يريد مصادرة أراضينا، وهدم بيوتنا، وحرث زرعنا؛ كي نتركها ونسكن في قرية معترف بها، كي تضعنا في أقل أرض مع أكثر أهل من النقب".


ويوصف التضييق على أهالي تلك القرى بأنه مخطط إسرائيلي ممنهج، حيث يسعى الاحتلال من خلال ذلك إلى إجبارهم على الرحيل من أراضيهم، ويتم استثناء هذه القرى من الخرائط الرسمية، وتحصل على القليل من الموارد الحكومية، ولا يوجد لديها دوائر حكم معترف بها رسميا ومنتخبة محليا، ويعيش معظم أهاليها في أكواخ أو خيم أو مبان غير ثابتة، مع القليل من الحماية من الظروف الصحراوية الصعبة.

 



 


أما الأطفال، فيجبرون على ظروف تعليم قاسية في هذه القرى، حيث لا تتوفر لهم المواصلات المناسبة للذهاب إلى المدارس التي تبعد بضع كيلومترات عنها، ويعانون في سبيل ذلك حر الصيف وبرد الشتاء.


ولفت العقبي إلى أن الحركة الإسلامية في الداخل المحتل كانت تقوم قبل حظرها على يد الاحتلال، بدعم صمود الأهالي في النقب، وتوفير أنابيب مياه ومولدات كهرباء، وتعبيد الطرق وزراعة أشجار الزيتون من خلال مؤسسة "النقب للأرض والإنسان"، ولكن الاحتلال قام بإنهاء كل ذلك بعد إصدار قرار الحظر.


ضائقة سكنية


ولا يكتفي الاحتلال بالتضييق معيشيا، وعدم الاعتراف بتلك القرى، إذ يقوم من وقت لآخر بتدمير المحاصيل الزراعية عبر تجريف الأراضي.

 

أما هدم المنازل، فبات يأخذ منحى تصاعديا متسارعا خلال السنوات الأخيرة، ما يجعل الحياة شبه مستحيلة، ولكن أهالي هذه القرى يواصلون الإصرار على البقاء فيها، ويرفضون تهويد أراضيهم.

 

وتمضي سلطات الاحتلال قدما في مخططاتها التهويدية على أراضي الفلسطينيين في النقب، حيث تنشئ المشاريع المختلفة لبناء بلدات يهودية كاملة الخدمات، ويعتبر مخطط "برافار" العنصري واحدا من المخططات الإسرائيلية التي تسعى للقضاء على الوجود الفلسطيني في النقب وسرقة أراضيهم.


سلمان أبو عبيد، مدير مؤسسة بنان للإعلام في النقب أكد أن عدم الاعتراف بالقرى الفلسطينية هناك يؤثر سلبا على حياة الناس، حيث تفتقر لأبسط الخدمات بلا مياه ولا كهرباء، ولا بنية تحتية ولا مدارس ولا شوارع.


وفي حديث لـ"عربي21"، قال أبو عبيد إن هذا الأمر يؤثر إلى حد كبير في تقديم الخدمات للسكان الذين يزيد عددهم على 150 ألف نسمة في القرى التي يزيد عددها على 55 قرية ومضربا وعشيرة ممتدة من منطقة الفالوجة شمالا إلى ديمونا وبير هداج جنوبا.


وأشار إلى أن هذا الحرمان من الخدمات يؤثر على حياة السكان، بحيث أصبح لديهم أقل تعليم وأقل فرص عمل، وتنتشر البطالة بشكل كبير في صفوفهم، وتبرز مخاطر صحية جمة؛ بسبب عدم توفر مراكز طبية ورعاية صحية في تلك القرى.

 



 


وأوضح أن هناك سبع قرى معترف بها في المنطقة، لكن قياسا مع القرى والتجمعات اليهودية فهناك فرق شاسع جدا بين الخدمات التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية للجانبين، حيث إن الوضع لا يختلف كثيرا عن القرى غير المعترف بها، بل أشد صعوبة، حيث إن هناك نقصا شديدا جدا في قسائم البناء، وتركيزا كبيرا جدا من الناس على مساحة صغيرة للغاية.


ولفت إلى أن حكومات الاحتلال المتعاقبة ترفض توسيع الخرائط الهيكلية في تلك القرى، فيجد الشباب ضائقة سكنية كبيرة، ما يؤدي لزيادة العنف والضنك والكثير من المشاكل التي يعيشها أصحاب تلك القرى، كما تفتقر لمصانع وأماكن عمل، فتتبوأ البطالة مكانة كبيرة بين تلك المناطق، وأكبرها رهط وكسيفة وعرعرة النقب وشقيب السلام واللقية وحورة.


وأكد أن الذي يعيش في المناطق المعترف بها يعيش ضائقة سكنية مع قلة الخدمات، وأن أصحاب القرى غير المعترف بها يجدون فيها نموذجا سيئا، ويرفضون الانتقال لها أو إقامة قرى مثلها معترف بها.


ورأى أبو عبيد أن الحكومة الإسرائيلية تنظر للنقب كبعد استراتيجي، حيث لدى اليسار واليمين الإسرائيلي برنامج متفق عليه، يريدون بطبيعة الحال من خلاله أكثر نسبة من السكان على أقل رقعة من الأرض.


وأشار إلى أن هناك العديد من المخططات ضدهم، مثل تجريف وإبادة المحاصيل الزراعية، وهدم المنازل، حيث زادت في العام الماضي إلى أكثر من 1100 منزل تم هدمه في النقب، وهناك خطط جديدة تستخدمها الحكومة على اعتبار أنها تمعن في إلحاق الأذى بأصحاب تلك القرى، وتلزم أصحاب المنازل غير المرخصة؛ فمن بنى منزله سيتم إخطاره وإجباره على هدم البيت، أو دفع تكاليف باهظة تصل إلى 100 ألف شيكل.


وأضاف: "كل السياسات مجتمعة هدفها التضييق على الناس في المدى البعيد والقريب، والتضييق على شريحة الشباب؛ حتى يتخلوا عن الأرض، وينتقلوا إلى أماكن أخرى".


واعتبر أبو عبيد أن مخطط برافار إن كان قد توقف باسمه مغيبا عن الإعلام، لكنه قائم خلف الكواليس، فهناك عدة أذرع لحوكمة الاحتلال تقوم بالهدف ذاته، وتتنافس فيما بينها على إصدار أوامر الهدم؛ حتى لا يستطيع المواطن التقدم لمحاكم الاحتلال، وهي قوانين تعطي كامل الصلاحية لهذه الأذرع أن تقوم بالهدم دون أن تنظر لحقوق الناس وحالهم، أو حتى إعطاء فرصة للاستئناف في المحاكم، مشددا على أن المخطط سار، ولكن بوجه آخر أشد نكاية على فلسطينيي النقب.


وتابع: "ليس لأهل النقب، وتحديدا في القرى مسلوبة الاعتراف، سوى التمسك بالأرض، والمزيد من الصمود والصبر والثبات، والرباط في القرى المرابطة، وما يثلج الصبر أنه رغم المعاناة من هدم بيوت، وتجريف محاصيل زراعية، وإلحاق الأذى بأصحاب هذه القرى، إلا أنهم يزدادون تمسكا بأرضهم، حيث راهن الاحتلال على الأجيال الشابة، لكنها تتمسك أكثر بأرضها، فلا خيار لها سوى المزيد من الصبر والثبات، وهم بأمس الحاجة لدعمهم، والوقوف إلى جانبهم بكافة الوسائل الممكنة؛ لتعزيز صمودهم وثباتهم".


التعليقات (0)