هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ أن اكتشف الفيروس والإعلام مشغول بنقل الأخبار وتتبع الإجراءات وطرح الأسئلة. في كل ما يقال ويثار وتتداوله الصحف والمواقع والشاشات، لا شيء يبعث على الأمل ولا التفاؤل. الحظر والعزل والحجر والكمامة والتباعد والإصابة والموت والعناية الحثيثة والمخالطة والعدوى، هي المصطلحات الأكثر تداولا.
إلى جانب الخوف والهلع اللذين يستوليان على الفقراء والأغنياء، أصبحت الغرامات والمخالفات والإغلاقات، الوسائل الأكثر استخداما لتحقيق الردع ودفع الناس للامتثال. الأجواء التي يعيشها الناس كئيبة وموحشة، بالرغم من إمكانية إيجاد نوافذ للتفاؤل والأمل بالسعي لقراءة المشهد بطرق أخرى غير التي تورطنا فيها.
لا أحد ينكر غرابة الوضع الذي تعايشه الإنسانية اليوم ولا حجم القلق والمخاوف التي تتزايد مع أخبار انتشار الوباء وتوالد السلالات والتحورات الجديدة له. لم يكن في حسابات أحد أن يعيش ليرى الانقلاب في المعايير والقواعد وتتبدل فيه القيم والمعاني. فللمرة الأولى في حياة الكثيرين منا يصبح التباعد مطلبا والاقتراب من الآخرين مصدرا للخوف والتهديد وربما الموت. العادات والأنشطة التي اعتدنا عليها أصبحت ممنوعة وغير صحية، فلا الزيارات محمودة ولا التقبيل والمصافحة مسموح بهما، والدعوات للأفراح مخالفات يعاقب عليها القانون، والمشاركة في الاحتفالات ومراسم الدفن والمجالس العلمية والندوات، قد تكون أفعالا يعاقب عليها القانون.
الموت يفقد هالته ومهابته، فهو يتكرر ويفتك بالعشرات ممن نعرفهم أو يقيمون في محيطنا يوميا. القرارات المتخذة للتخفيف من هول الجائحة لا تجدي كثيرا، فهي في تزايد والخبراء يلملمون ما يقال ويكتب على صفحات المواقع والمجلات وينشر في الأبحاث، ويعيدونه على مسامعنا بلا فلترة أو تمحيص. الاجتهادات والخلافات وتعدد وجهات النظر تطفو على سطح الخطاب الإعلامي، فتزيدنا خوفا وتوترا وقلقا.
لهذه الأسباب، أصبح المزاج العام أقل اطمئنانا يستولي عليه الخوف والهلع ويفتقر إلى ما يبعث في النفس الرجاء والأمل. الجميع يخشون أن يصابوا بالمرض ويخافون على أحبائهم الكبار والمرضى، ولا يعرف أحدهم متى ومن سيكون الضحية المقبلة لهذا الوباء الشرس. في كل الوسائط وعبر كل الوسائل والقنوات الإعلامية، تتركز الأحاديث والأخبار حول الموت والمرض والإصابات والتعافي والمطاعيم وفتح القطاعات وإغلاقها، الأمر الذي يعمق أزمة الأفراد ويكرس مخاوفهم ومعاناتهم.
بالرغم من كل ما تقوم به المؤسسات من جهد وعناء للحفاظ على الصحة والسلامة، إلا أن الجميع يهملون جانبا مهما وقضية يصعب التعافي المجتمعي من دونها، الأولوية التي ينبغي على الجميع الالتفات لها تتعلق ببث الطمأنينة وبناء الروح المعنوية للناس، فمن غير المعقول ولا المفيد أن يبقى المواطن والإنسان تحت وابل التهديدات ورسائل التخويف والهلع. في كل يوم يطل على الناس رجال متجهمون يتلون عليهم أرقام الإصابات وأعداد الوفيات وتوزيع الحالات على محافظات المملكة، دون أي إشارة الى الإيجابيات التي حصلت في الجهود والاختراعات العالمية والاكتشافات الطبية التي يمكن أن تبعث الأمل في نفوس المتلقين. من الممكن البدء بإنتاج رسائل وبيانات ومعلومات تساعد على بث الإيجابية، وتحسين المناعة وتشجيع الناس على اتباع الإرشادات بالترغيب لا بالتخويف والترهيب.
الحقيقة التي ينبغي ألا تنسى أن الدنيا ما تزال بخير، فبالرغم من استمرار تفشي الوباء وفقدنا الكثير من الأعزاء والمعارف الذين أحببنا وجودهم وقربهم، إلا أننا ما نزال محاطين بالكثير من الأهل والأحبة والأصدقاء. لقد نجح العالم أخيرا في الحد من الأخطار التي مثلتها الجائحة، فصنعت المطاعيم وانخفضت نسب الانتشار في الكثير من البلدان. وفي جميع الأحوال، ما يزال بإمكاننا حماية أنفسنا وأحبتنا، فالإصابات بالرغم من أن أخبارها محدودة نسبيا، لم تتجاوز الـ4% من سكان الأرض، والوفيات محدودة إذا ما قورنت بأعداد المصابين؛ حيث ما تزال نسبة الوفيات أقل من 2 % ممن أصيبوا بالوباء.
(عن صحيفة الغد الأردنية)