هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بين مصائب دونالد ترامب
الشرق – أوسطية الكثيرة، صحا الرئيس الأمريكي جو بايدن على مأساة اليمن، وأن يصل
مبكرا، من عتبة وزارة الخارجية الأمريكية، خير من أن يتأخر أكثر؛ أو حتى يتخلف عن
تصحيح ميادين أخرى شهدت حصّة واسعة لأمريكا في تجويع اليمنيين وإراقة دمائهم. خير،
كذلك، أنه سارع إلى إبطال قسط غير قليل من القرار الأحمق الذي اتخذته الإدارة
السابقة بصدد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية؛ كما اختار دبلوماسيا مثل تيموثي
ليندركنغ، غير الغريب عن شؤون المنطقة وشجونها والمحارب القديم في إدارة ترامب،
فعيّنه مبعوثا خاصا إلى اليمن.
وتحت لافتة عريضة، هي أنّ «أمريكا تعود»
و»الدبلوماسية تعود إلى صدارة سياستنا الخارجية»، حسب تعبيره خلال الخطبة ذاتها،
استذكر بايدن أنّ «النزاع» في اليمن تسبب في مقتل 10,000 يمني، وشرّد ثمانية
ملايين، و»خلق كارثة إنسانية واستراتيجية»، و»لا بدّ لهذه الحرب من أن تنتهي».
وللتشديد على التزام إدارته بهذه الغاية أعلن إنهاء «جميع عمليات الدعم الهجومي
للحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة». وذلك، بالطبع، لا يعني
تخلّي الولايات المتحدة عن تزويد السعودية بالدعم الدفاعي ضدّ الهجمات بالصواريخ
والطائرات المسيّرة، ولا التوقف عن العمليات ضدّ «القاعدة» في الجزيرة العربية.
جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الجديد، لم
يغب عن المشهد فأطلّ عليه من زاوية تجمع بين التطمين والتوضيح وترسيم صيغة جديدة
للعلاقة مع الحلفاء، أو بعضهم على الأقلّ (إذْ ليس التعامل مع رئيس حكومة الاحتلال
بنيامين نتنياهو يماثل التعامل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان). وهكذا، حتى
قبيل إعلان رئيسه، قال إنّ الإدارة «تحدثت مع كبار المسؤولين في الإمارات العربية
المتحدة وكبار المسؤولين في السعودية»، إذْ أنّ الإدارة الجديدة «تتبع سياسة
انعدام المفاجآت حين يتصل الأمر بهذا النمط من الأفعال».
وتلك، كما يصحّ الترجيح، أفعال تتجاوز بكثير
ما أشار إليه بايدن من إعادة ترميم «القيادة الأخلاقية للولايات المتحدة في
العالم»، لأنها في واقع الأمر قد تنتهي مجددا إلى إحياء دور «الشرطي الكوني»؛ وكان
الكثير من المحللّين الأمريكيين المعترضين على هذه الوظيفة يفضّلون إحالتها إلى
وظيفة «الشريف»، سواء بمعناها الراهن أم بتمثيلاتها التقليدية كما عكستها أفلام
الوسترن (وهذا ما دفع أسبوعية الـ»إيكونوميست» العريقة، وليس أيّة جهة معادية
للولايات المتحدة، إلى التعليق على قرارات بايدن تحت عنوان «شريف جديد في البلدة»).
والحال أنّ آخر «شريف» أمريكي سبق بايدن في
اليمن لم يكن الرئيس السابق ترامب، بل كان الرئيس الأسبق باراك أوباما؛ الذي ساند
مغامرة بن سلمان لأسباب تتجاوز صفقات السلاح التي سوف تحرّك مساندة ترامب، بل على
سبيل مراضاة آل سعود بعد خيبة الأمل التي ألحقها بهم الاتفاق حول البرنامج النووي
الإيراني. وإلى جانب السلاح والعتاد والدعم الاستخباراتي واللوجستي، والكثير منه
سفك دماء آلاف اليمنيين وجوّعهم وشرّدهم، لم يتوقف «الشريف» أوباما عن إصدار
الأوامر إلى البنتاغون باقتفاء سياسة التصفيات الفردية في اليمن، عن طريق الطائرات
المسيّرة.
وليس بغير دلالة خاصة أنّ وليام هارتنغ، مدير
برنامج الأسلحة والأمن في «مركز السياسة العالمي» لا يرحب بقرار بايدن إلا من
زاوية المحذور القديم: الشيطان سيكون في التفاصيل! المطلوب وقف جميع مبيعات السلاح
إلى المملكة والإمارات، يتابع الرجل، بما في ذلك الصيانة والدعم اللوجستي؛ مقابل
زيادة المساعدات الإنسانية إلى اليمن.
فقد يحجب «الشريف» القنابل الذكية عن السعودية
والإمارات، ويواصل في المقابل توريد القذائف «الغبية»، وبالتالي فإنّ سفك الدماء
لن يتبدّل إلا من حيث الكيف، وليس الكمّ؛ وكذلك لن تلحق «الشريف» عاقبة صارخة، على
مستوى القيادة الشرطية للكون!
القدس العربي