هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ألقى التطبيع المغربي مع الاحتلال الصهيوني ظلاله على حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية، وذلك بسبب توقيع أمينه العام سعد الدين العثماني الذي هو في ذات الوقت رئيس الحكومة المغربية على اتفاق التطبيع مع ممثل الاحتلال الإسرائيلي، في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2020.
قيادي في الحزب رأى أن "العدالة والتنمية" قادر
على حسم الاختلافات على مستوى المؤسسات والخروج موحد الصفوف.
فيما اعتبر خبير في العلوم السياسية أن الأزمة العميقة للحزب
تعكس وجود عطب في العقل النظري الاستباقي لديه.
التطبيع يشق صفوف الحزب
في 18 كانون الثاني/ يناير الجاري، أعلن المفكر والنائب البرلماني
البارز عن "العدالة والتنمية"، المقرئ الإدريسي أبوزيد، قرار تجميد عضويته
في الحزب، احتجاجا على موقفه من التطبيع.
واستأنفت الرباط، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، علاقاتها
الرسمية مع تل أبيب، تزامنا مع إعلان واشنطن اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء
المتنازع عليه بين المملكة وجبهة "البوليساريو".
وواجه الحزب انتقادات حادة لكون أدبياته -منذ تأسيسه عام
1967- تقوم على رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وعقد الحزب السبت والأحد 23 و24 كانون الثاني/ يناير الجاري،
دورة عادية لمجلسه الوطني (برلمان الحزب) ناقش موضوع التطبيع.
وخلال دورة المجلس، قال العثماني، إن توقيعه على اتفاق تطبيع
العلاقات أملته عليه المسؤولية التي يشغلها (بصفته رئيسا للحكومة).
وشدد أن موقف حزبه "لم يتغير، ولا نقبل المساومة في
أي من القضيتين (إقليم الصحراء وفلسطين)، ولسنا مستعدين للتفريط في أي منهما".
وتقول الرباط إن الأمر ليس تطبيعا مع الاحتلال، وإنما استئناف
لعلاقات رسمية بدأت عام 1993 وتم تجميدها في 2002.
وبرعاية أمريكية، أصبح المغرب رابع دولة عربية توافق على
التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي خلال 2020، بعد الإمارات والبحرين والسودان.
أزمة داخلية قديمة
لم يكن موضوع التطبيع وراء تصدع البيت الداخلي للعدالة والتنمية،
فالحزب عاش أزمة داخلية منذ إعفاء أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران.
ففي آذار/ مارس 2017، عين العاهل المغربي محمد السادس، العثماني
(61 عاما) رئيسا للحكومة، خلفا لـ"بنكيران" (63 عاما)، وضمت الحكومة أحزابا
كان الأخير يرفض مشاركتها ويعتبرها سبب "إفشال" تشكيل الحكومة بقيادته.
ومنذ تشكيل الحكومة يعاني الحزب من خلافات حادة بين قيادته،
لا سيما مع رفض برلمان الحزب في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 مقترحا لتعديل نظامه
الداخلي، بما يسمح بترشح بنكيران لولاية ثالثة على رأس الحزب.
ولم ينجح الحوار الداخلي الذي انطلق في 30 حزيران/ يونيو
2018، وحاول مقاربة الوضع العام في المغرب وقراءة المسار الذي سارت فيه المملكة منذ
2012 (تشكيل أول حكومة للحزب) وأداء الحزب السياسي بذلك المسار، في تجاوز الخلاف.
وغاب بنكيران عن قائمة المشاركين في ذلك الحوار الداخلي الذي
تميز بعقد أربع ندوات وطنية فضلا عن 16 ندوة جهوية و57 ندوة إقليمية.
تباين وجهات النظر بين أعضاء الحزب
عضو الأمانة العامة للحزب، رضا بوكمازي، قال: "الحزب
منذ أن كان وهو يعيش حالة تباين وتعدد في وجهات النظر، وعرف الكثير من التحديات".
وأضاف: "كما عاش بعض الاختلافات بين أعضائه خاصة على
مستوى القيادة، وصلت حدتها أحيانا لمستويات عالية، لكن كان دائما يحسمها على مستوى
المؤسسات ويخرج موحدا بعدها".
وأردف: "أبناء العدالة والتنمية مؤمنون بأهمية هذا الحزب
في العملية الإصلاحية ودوره الأساسي للوطن وبأن وحدته مقدمة على أي شيء آخر".
وتابع: "الصعوبات الحالية للحزب، المتعلقة بتوقيع الأمين
العام بصفته رئيسا للحكومة على الإعلان الثلاثي، الذي أقرن المصلحة الوطنية المتمثلة
في تعزيز مسار إنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية بإعادة فتح العلاقات مع الكيان
الصهيوني، فهو بكل تأكيد أمر صعب".
واستطرد: "ليس لأن الحزب قد يكون تراجع عن مبادئه ولكنه
إزاء حالة مفاضلة بين اختيارين أحدهما حلو يهم القضية الوطنية والثاني مر يهم ارتباط
الحزب بالقضية الفلسطينية، وما قد يشكله إعادة فتح العلاقات من تأثير على مسار القضية".
واستدرك: "لكن العثماني اضطلع بدوره كرئيس للحكومة بما
يخدم القضية الوطنية ووراءه الحزب في ذلك، وفي نفس الوقت لا زال الحزب وفيا لمبادئه
في الدفاع عن القضية الفلسطينية".
وحول تأثير خطوة التطبيع على الصف الداخلي للحزب، قال بوكمازي:
"هناك فعلا نقاش قوي ومهم داخل الحزب بهذا الشأن والذي سيتجاوزه بإذن الله ويخرج
منه أكثر قوة ووحدة".
عطب في العقل النظري
بدوره، ذكر الأكاديمي سلمان بونعمان أن "الحزب يعيش
منذ فترة أزمة كبيرة وعميقة على مستوى العلاقة مع المرجعية والهوية وعلى مستوى فعالية
الفكرة الإصلاحية، وأيضا على مستوى تدبير الملفات المتوترة والحرجة".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة "سيدي محمد بن عبد
الله" (حكومية) بفاس (شمال)، أن "ما يعيشه الحزب يعكس وجود عطب في العقل
النظري الاستباقي، لأن جذور الأزمة بدأت منذ البلوكاج الذي أعقب انتخابات 7 تشرين الثاني/
أكتوبر 2016".
والبلوكاج (فرملة أو انسداد) هي حالة أطلقها الشارع السياسي
المغربي على تعثر ولادة حكومة عبد الإله بن كيران، الأمين العام للعدالة والتنمية آنذاك.
واستدرك: "لكن العقل المفكر أو التفكير الجماعي انخرط
في علاجات مؤقتة وموضعية تعالج أعراض المرض ولا تنفذ إلى عمق الأزمة".
ولفت إلى أن "الحوار الداخلي كان محدود الأثر وأثبت
أنه لم ينفذ إلى عمق المشكل الحقيقي، خاصة أن عددا من قيادات الحزب قاطعته بما فيها
عبد الإله ابن كيران".
وتابع: "يجب أن يتوقف العقل التبريري ويشتغل العقل النظري
الاستراتيجي".
واستطرد: "المشكل أن قيادات الحزب عادة ما تتعامل مع
موضوع التجديد الفكري والسياسي بفكرة دعها تقع، حيث لا تتجه مباشرة إلى إعلان اجتهادات،
وإنما تلجأ إلى نوع من التكيف البراغماتي مع الواقع".
وختم: "التكيّف الإيجابي والتقدير المصلحي والاجتهاد
المقصدي وفقه المآلات، لا يعني السقوط في السيولة التبريرية، والشيخوخة النضالية، والخوف
المرضي من كلفة التجديد".
الحاجة لبلورة أطروحة
جديدة
ورأى نبيل الأندلسي، عضو مجلس المستشارين (الغرفة الثانية
للبرلمان) عن "العدالة والتنمية"، أن "الحزب يمر من منعطف مفصلي يحتاج
بلورة أطروحة جديدة للحفاظ على وحدته".
وأضاف الأندلسي أن "الحزب يمر في الوقت الراهن من منعطف
مفصلي، ويحتاج إلى جواب واضح عن دوره في الحياة السياسية المغربية وعوائق المشاركة
والإشكاليات التي يطرحها التدبير على مختلف الأصعدة وعلاقته بباقي الفاعلين".
وأوضح أن "حزب العدالة والتنمية يحتاج إلى تقييم لمدى
مساهمته في تكريس الانتقال الديمقراطي والدفاع عن الحقوق والحريات بالبلاد".
واستدرك: "الحزب يحتاج لأطروحة جديدة تبلور جوابا جماعيا
عن معطيات الوضعية الحالية، للحفاظ على وحدته والمساهمة الإيجابية في الحياة السياسية،
رغم إكراهات الواقع ومحدودية أدوار الأحزاب السياسية في النسق السياسي المغربي".
وتابع: "إذا كنا انتقلنا من أطروحة النضال الديمقراطي
إلى أطروحة البناء الديمقراطي، واليوم أي أطروحة تصلح للمرحلة القادمة".
واعتبر أن "الحزب تنظيم بشري يعتريه ما يعتري جميع التنظيمات
والأحزاب من حالات القوة والضعف حسب السياقات والظروف والمعطيات الذاتية والموضوعية،
وكيفية تعامل التنظيم معها".
وقد عادت حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية للحزب مرة أخرى لتؤكد رفضها القاطع لكل أشكال التطبيع، فضلا عن موقف العثماني نفسه في الاجتماعات الداخلية للحزب، والتي أكد فيها أنه وقع على اتفاقيات التطبيع بوصفه رئيسا للحكومة.