هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت التعديلات القضائية والقانونية الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قبيل المصادقة على المراسيم الرئاسية لمواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، تساؤلات عدة حول أسبابها وأهدافها وتأثيرها على العملية الانتخابية المرتقبة.
وعلى صعيد القضاء، أصدر عباس قرارات تتعلق
بتشكيل محاكم نظامية جديدة، وقانون بإنشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، وقانون
ثالث يتعلق بإدخال تعديلات على قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، إلى جانب
ترقية عدد من قضاة البداية إلى قضاة استئناف، وإحالة ستة قضاة إلى التقاعد المبكر،
بناء على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.
وفي 11 كانون الثاني/ يناير الجاري،
أصدر عباس القانون رقم 1 لسنة 2021 بشأن تعديل قرار بقانون رقم 1 لسنة 2007 بشأن
الانتخابات العامة، شملت مسمى "السلطة الفلسطينية" لتصبح "دولة
فلسطين"، والفترات التي تعقد فيها الانتخابات التشريعية والرئاسية، والمؤهلين
للترشح لسباق الانتخابات.
ووفقا لقرار قانون الانتخابات، فإن
محكمة الانتخابات (تتشكل من تسعة قضاة) يتم تشكيلها بقرار صادر عن عباس، وتنسيب صادر
من مجلس القضاء الأعلى.
ورأى مختصون قانونيون وسياسيون أن
الرئيس الفلسطيني قد تعدى بتغييراته القضائية على مبدأ سيادة القانون، وتجاوز أيضا
النظام الأساسي في إجرائه للتعديلات القانونية الخاصة بقانون الانتخابات في ظل
غياب المجلس التشريعي.
عباس أحكم قبضته على مفاصل القضاء قبل الانتخابات
وقال رئيس الهيئة الدولية لحقوق
الشعب الفلسطيني "حشد" صلاح عبد العاطي، في حديثه لـ"عربي21"،
إن عباس أصدر جملة من التعديلات على قوانين السلطة القضائية، حيث أصدر ثلاثة
مراسيم بقرارات قوانين تعدل قوانينها، ليحكم قبضته بالكامل هو والسلطة التنفيذية،
على السلطة القضائية وينزع منها كل ضمانات استقلالها.
وأوضح أن عباس أجاز لنفسه ولمجلس
القضاء ورئيسه الذي عينه حق إقالة أي قاض بأي وقت، وإحالته للاستدعاء أو التقاعد
المبكر.
وأشار إلى أن جملة التغييرات تذكر
بتشكيل المحكمة الدستورية، من إقرار قانون للقضاء الإداري يسمح فيه الرئيس بتعيين
رئيس المحكمة وقضاتها ونائب الرئيس، وهذا يعني سيطرته على مرافق القضاء بالكامل.
اقرأ أيضا: جدل ومطالبة بتنحي رئيس مجلس القضاء الفلسطيني الجديد (شاهد)
وتابع: "نحن أمام تعديلات
قضائية الهدف منها مزيد من الضوابط لتشكيل مسرح سياسي بالكامل، ومهيأ لعباس
قانونيا وقضائيا وسياسيا ليذهب الجميع إلى ملعب، النتائج فيه محددة مسبقا".
ولفت إلى أنه وفقا لقانون الانتخابات
المعدل، فسيقوم رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي عينه عباس بخلاف التوافق والقانون
بتنسيب قضاة المحكمة، وعليه فستكون محكمة الانتخابات تحت سيطرة الرئيس عباس.
وأضاف أن المطلوب هو إجراء تعديلات
للحصول على ضمانات تعديلات قضائية تحصن المحكمة الانتخابية بقضاة مستقلين ومتوافق
عليهم وطنيا، وتحصن أحكامها من الطعن أمام أي جهات قضائية أخرى بما فيها المحكمة
الدستورية أو أي قضاء في غزة أو الضفة في ظل غياب ضمانات الاستقلالية، وإلا سيتم
الدخول في سلسلة من الطعون في نزاهة وعدالة المحكمة.
وشدد على ضرورة إقرار محكمة من
المستقلين يتم التوافق عليهم وطنيا على أن تعقد في مقرين في غزة والضفة الغربية
المحتلة، وعدم قصرها على الضفة، مع تحييد عمل محكمة الانتخابات عن رقابة أي محكمة
أخرى بما فيها المحكمة الدستورية، وإلا فنحن أمام احتمالية تشكيك في نتائجها ما
يمهد العودة لمربع الاقتتال بدلا من إنهاء حالة الانقسام.
هيمنة عبر المحكمة الدستورية
بدوره، قال المستشار القانوني، نافذ
المدهون، إن اختصاصات المحكمة الدستورية أنها تعطي اختصاصات وصلت إلى حق حل المجلس
التشريعي.
وأضاف في حديثه
لـ"عربي21"، أن إعطاء مثل هذه الصلاحية للمحكمة الدستورية والتغيرات
التي أجراها عباس في السلطة القضائية، تعني أنها سعي للهيمنة من السلطة التنفيذية
على السلطة القضائية، حتى تكون أداة من أدواتها في الهجوم على السلطة التشريعية إذا
كانت تابعة لبرنامج يختلف عن البرنامج الذي تسيطر عليه السلطة التنفيذية.
وأوضح أن قرار عباس بشأن السلطة
القضائية خطير للغاية، فلا يجوز أن تصبح قضايا وحقوق المواطن الفلسطيني رهينة في يد فصيل فلسطيني واحد أو
فئة من فئات الشعب الفلسطيني.
وتابع بأن المطلوب هو تشكيل محكمة
دستورية تضم قضاة متوافقا عليهم حتى يأخذ القضاء الفلسطيني الدور الحقيقي في
الاستقلال بمنظومة العدالة الفلسطينية.
تعديلات خطيرة طالت قانون الانتخابات
وحول التعديلات التي طالت قانون
الانتخابات الفلسطيني، أوضح المدهون، أن هناك تعديلات جاءت في إطار التعديلات
الإجرائية، لا خلاف سياسيا أو قانونيا عليها، وأخرى متعلقة بالأشخاص الذين يحق لهم
الترشح في سباق الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستقالة من وظائفهم أو العودة
إليها، إلى جانب المقاعد الممنوحة للقوائم النسائية في البرلمان.
واستدرك بأن الخطورة تكمن بشأن
التعديلات المتعلقة بشروط الترشح، فقد استجاب عباس حول شروط الترشح للمجلس
التشريعي لكنه أبقاها بشأن الشروط الخاصة للترشح للرئاسة كما هي.
وأوضح أن المطلوب من مرشح الرئاسة
الالتزام ببرنامج منظمة التحرير ووثيقة الاستقلال عام 88، والقانون الأساسي المعدل
للسلطة الفلسطينية لسنة 2003، ما يعني أن التعديل حسم بأن من سيترشح للرئاسة يكون
ضمن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ومن حركة فتح حصرا.
وأشار إلى أن حركتي حماس والجهاد
الإسلامي لا يمكنهما تقديم مرشحين لهما لخوض سباق الرئاسة بسبب التعديل الذي طال
قانون الانتخابات المتعلق بالرئاسة، وهذا التعديل يمس أحكام القانون الأساسي
وتكافؤ الفرص.
وأكد أن هذه المخالفة الدستورية قد
تتسبب في طعون أمام محكمة الانتخابات تمس بنتائج الانتخابات، ما قد يدخل في جدل
جديد من الطعون والمحاكم الانتخابية، ويقود إلى صراع سياسي جديد قد يتطور إلى أسوأ من
حالة الانقسام الحالية.
وتابع بأن التعديل الآخر، يتعلق
بشروط المرشح لعضوية المجلس التشريعي، والذي ينص على ضرورة الالتزام بأحكام
القانون الأسياسي وتعديلاته، وهذا يعني الالتزام بمنظمة التحرير واتفاقية أوسلو
وهذه نقطة خلاف ما بين الفصائل الفلسطينية.
اقرأ أيضا: هل يسمح الاحتلال بإجراء انتخابات للفلسطينيين داخل القدس؟
ولفت إلى أن الرئيس الفلسطيني لم
يتناول بشأن آلية جديدة ما يتعلق بالمحكمة الدستورية التي استند إليها في مرسومه
الرئاسي، أي يعني أن حماس والجهاد الإسلامي عليهما الإقرار بمشروعية هذه المحكمة.
وأضاف أن هناك عائقا متعلقا بالمحكمة
الدستورية التي تم تشكيلها خلافا لأحكام القانون الأساسي، واعترض عليها كافة
الحقوقيين والمؤسسات الحقوقية، بالإضافة إلى تشكيلة محكمة الانتخابات المختصة بالنظر
للطعون الانتخابية، وبالتالي فإنه إذا لم تكن في الإطار التوافقي فستكون محطة من محطات
الخلاف بين الفصائل بطعن في نتائج الانتخابات وقرارات المحكمة التي شكلت بناء على
اللون الواحد.
وأكد على ضرورة أن يتم إجراء
التعديلات اللازمة المتعلقة بأحكام قانون الانتخابات والسلطة القضائية، بتوافق
وطني، وإلا فإن الشعب الفلسطيني ذاهب إلى حالة أسوأ من حالة الانقسام الحالية.
لماذا أصر عباس على إجراء انتخابات رئاسية بعد التشريعية؟
ورأى المدهون أن المجتمع العربي
والدولي يتدخل في الخارطة الانتخابية، ولذلك فإنها إذا لم تعط نتائج الانتخابات التشريعية
مؤشرات بفوز اتجاه أو برنامج سياسي معين، فإن المطلوب قراءة تبعاتها على انتخابات
الرئاسة أو المجلس الوطني التي تليها.
من جانبه، قال الحقوقي عبد العاطي،
إن إصرار عباس على إجراء انتخابات متتالية على خلاف القانون الأساسي، هو لتدارك
أي نتائج انتخابية لا تتوافق بالمطلق مع انتخابه رئيسا مجددا أو فوز مشروعه
السياسي.
وأوضح أنه في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن نتائج مخالفة لرغبة عباس، فإنه قد لا يجري انتخابات رئاسية أو انتخابات مجلس
وطني، وقد يطلب من الحكمة الدستورية أو القضاء تعطيل عمل المجلس التشريعي تحت أي
حجج.
هل هناك توافق؟
من جهته، رأى الكاتب ومدير عام مركز
عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق، ناهض زقوت، أن التعديلات جاءت باتفاق بين حركتي فتح وحماس في اللقاءات التي أجريت في إسطنبول، وما تبعها من تواصل بينهم.
ورأى أن "هذه التعديلات لا تعيق
مسار الانتخابات لأن الطرف المشارك "حماس" لم ينتقدها بل توافق معها، بدليل شرط
الاعتراف بمنظمة التحرير واستبداله بالقانون الأساسي" وفق قوله.
وأشار
إلى أن التعديلات سواء تم الاتفاق أو الاختلاف معها، هي قابلة للقراءة القانونية
والسياسية وفق المصلحة الوطنية الفلسطينية.