هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في السادس من شهر كانون الثاني/ يناير ٢٠٢١ انتهى المسلسل الأمريكي المثير "ترامب رئيساً" الذي استمر أربع سنوات، بعد تصديق مجلسي الكونغرس على فوز جو بايدن في سباق الرئاسة ليكون الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية وتكون كمالا هارئيس نائبة له. وقد كان مسلسلاً هوليوودياً بامتياز، تتناوب حلقاتُه بين المأساة والملهاة السوداء والمَهزَلة الرخيصة "الفارس"، وتخللته مشاهد كاريكاتورية وأخرى استعراضية فضائحية كثيرة، واختُتم بحلقة زَخِرَت بالفوضى والعنف والإرهاب دارت في مبنى "الكابيتول هيل"، قدس أقداس الديمقراطية الأمريكية كما يقول الأمريكيون.
دونالد ترامب.. البطل المطلق
البطولة المطلقة في هذا المُسلسل كانت لدونالد ترامب بطبيعة الحال.. الشخص الذي أعلن أنه يريد أن يستعيد عظمة الولايات المتحدة الأمريكية فأثبت بجدارة أنه بلطَجي جاهل وصل إلى قمة هرم السلطة في أعظم دولة من دول العالم، تملك القوة العسكرية والاقتصاد والتقنية والنفوذ وتعتز بمكانتها وبديمقراطيتها.. فأفقدها الكثير مما كان لها من مكانة وهيبة، وتبين أنه لم يكن مؤهَّلاً أصلاً لمنصب رئيس في ميكرونيزيا أو في أية جزيرة نائية لا صلة لها بما يجري في أرض البشر.
في الحلقات التي استمرَّ عرضُها أربع سنوات، قدَّم لنا ترامب من خلال إدارته وسياساته وممارساته واستعراضاته و"تغريداته".. دولة تجافي الأخلاق والقيم والعدالة والقانون، وتستهين بالمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات التي تبرمها، وبالهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية، دولة عنصرية عُصابية تشكل خطراً على العلاقات الدولية وعلى السلم والأمن الدوليين.. الأمر الذي ألحق ضرراً فادحاً بهيبتها ومكانتها ودورها وقيادتها ووحدة شعبها، فظهرت خارجة على القانون الدولي والقيم الإنسانية، فاقدة للمصداقية تنشر الكراهية وتحتقر أمماً وشعوباً فتزداد عزلة وتناقض ما تدعو إليه.. دولة تخلق بؤر التوتر وتستثمر في الإرهاب والفِتن الطائفية والمذهبية والعرقية وفي الصراعات الدامية والحروب وتثير الذعر وتُفسِد لتبتز وتنهب.. وتَنْغَل بالعنصرية في الداخل وتمارسها ضد الأقليات الدينية والعرقية والملونين من الأمريكيين وسواهم، وضد الأفارقة والإسلام والمسلمين.
وقد تفاقمت مخاطر هذه الإدارة ـ الدولة على الداخل والخارج بسبب تهور ترامب المفرط ونرجسيته وجنون العظَمَة الذي تملكه، وجنوحه العنصري ـ الصهيوني، وجهله واستباحته لكل الأساليب ليكسب المال ويبقى في السلطة ويخدم فئات وشركات وشخصيات مقربة منه على حساب الفقراء في بلاده ودول وشعوب في العالم.. فتفوق وإدارته بالغوغائية والعدوانية والعنصرية على معظم الإدارات الأمريكية السابقة، باستثناء إدارة جورج W بوش التي ضربت الرقم القياسي بالعدوان والوحشية والإجرام والنزوع العنصري ـ الصهيوني ـ الصليبي في عدوانها على العراق وتدميره.
لقد وظَّف ترامب القوة الأمريكية "العسكرية والاقتصادية والأمنية" الهائلة لأغراض هدَّامة ولخدمة الصهيونية وكيانها العنصري الإرهابي "إسرائيل"، فقدم لها ما لا يملك وما لا يجوز له المس به من أملاك وحقوق دول وشعوب "سوريا والشعب الفلسطيني أنموذجاً"، ليضمن مساعدة الصهاينة له في قضاياه وتطلعاته ومصالحه وأغراضه الشخصية التي منها: "تشبُّثه بالسلطة التي أساء استخدامها، واستماتته للفوز برئاسة ثانية مستخدماً أسلوب البلطجة والإرهاب الداخلي وتمزيق النسيج الاجتماعي لبلاده وإطلاق الأكاذيب وتوجيه التهم لكل من لا يخدمه ولا يتفق معه، وإثارته للشغب ومحاولة الإنقلاب في الدولة، وسعيه للتخلَّص من قضايا رُفعت عليه أمام المحاكم ستعرضه للمساءلة بعد انتهاء ولايته، متبادلاً الدعم مع صنوه العنصري الفاسد المأزوم بيبي نتنياهو الذي يريد هو الآخر أن يتملَّص من المحاكمة في قضايا أربع مرفوعة ضده بتهم إساءة الأمانة والرشوة واستغلال السلطة والفساد و..".
لقد وظَّف ترامب القوة الأمريكية "العسكرية والاقتصادية والأمنية" الهائلة لأغراض هدَّامة ولخدمة الصهيونية وكيانها العنصري الإرهابي "إسرائيل"، فقدم لها ما لا يملك وما لا يجوز له المس به من أملاك وحقوق دول وشعوب "سوريا والشعب الفلسطيني أنموذجاً"، ليضمن مساعدة الصهاينة له
إرهاب أمريكي
لقد اعترف الأمريكيون أخيراً، وبعد الذي جرى في قاعات الكونغرس من انتهاك وعدوان وتدمير وسرقة.. اعترفوا بإرهاب داخلي قام به أمريكيون بتحريض ورعاية من رئيس دولتهم، وأعلنت عمدةُ العاصمة واشنطن وقائد الشرطة فيها وبعدهما الرئيس جو بايدن عن إرهابيين أمريكيين يمينيين عنصريين متطرفين محسوبين على الرئيس مارسوا الإرهاب المنظم في العاصمة واشنطن وفي قاعات " الكابتول هيل" بتحريض منه، وتم اعتقال ٦٨ منهم.. وقرر الأف بي آي فتح تحقيق وملاحقة الإرهابيين الآخرين ووزع صورهم ليتم القبض عليهم.. وأدان من لديهم عقل وضمير واحترام للقانون وللديمقراطية من الأميركيين، أدانوا هذا العمل الإجرامي ومن يقف وراءه، وأعلنوا عن خجلهم من ذلك وعمّا لحقهم من عار جراءه أمام العالم كله..
هذا شيء جيد، فقد أحبطوا انقلاباً على السلطة، وانتصروا لديمقراطيتهم، ولاحقوا الإرهابيين ليقدموهم للعدالة، ورفعت المدعي العام في نيوورك دعوى لمحاكمة ترامب بالإرهاب، ونبذ كثيرون راعي الإرهاب والمحرض عليه والساعي إلى الشر والفتنة في داخل بلادهم "ترامب".. فهل يتابعون الصحو من كابوس ترامب ومن حُمّى العنصرية وينصرون الحق ويقيمون العدل ويعملون بالحكمة والأخلاق والقيم، ويفعِّلون دور ضمائرهم بوعي ومسؤولية وإنسانية فيلاحقون أمريكيين عنصريين أسسوا للإرهاب ومارسوه واستثمروا فيه ووظفوه لخدمة مصالحهم في بلدان وضد شعوب على رأسها بلدان عربية وشعوب إسلامية، اتهموها واتهموا عقيدتها / الإسلام / بالإرهاب وحاولوا تشويه صورتها ونضالها المشروع دفاعاً عن النفس والحق، وافتروا عليها بما لا يجوز السكوت عليه ولا استمراره، وكان على رأس أولئك الأمريكيين دونالد ترامب ومَن هم على شاكلته وبإمرته ممن تجب ملاحقتهم وتقديمهم للعدالة لتستعيد الولايات المتحدة الأمريكية عافيتها ومكانتها ومصداقيتها واحترامها وعظمتها؟!
هل يُلغون كل ما قام به ترامب من قرارات مخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ولقرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، لا سيما ما يتصل من ذلك بالقدس والجولان والضفة الغربية وبالاحتلال والاستيطان وما يُسمَّى صفقة القرن وبالتطبيع المفروض بالقوة والابتزاز؟!
هل يتابعون الصحو من كابوس ترامب ومن حُمّى العنصرية وينصرون الحق ويقيمون العدل ويعملون بالحكمة والأخلاق والقيم، ويفعِّلون دور ضمائرهم بوعي ومسؤولية وإنسانية فيلاحقون أمريكيين عنصريين أسسوا للإرهاب ومارسوه واستثمروا فيه ووظفوه لخدمة مصالحهم في بلدان وضد شعوب على رأسها بلدان عربية وشعوب إسلامية، اتهموها واتهموا عقيدتها / الإسلام / بالإرهاب وحاولوا تشويه صورتها ونضالها المشروع دفاعاً عن النفس والحق؟
هل يُلغون قرارات ترامب الكارثية المتصلة بالبيئة "اتفاق باريس للمناخ"، ويعودون للاتفاق النووي مع إيران، اتفاق "٥+١"، ويتراجعون عن كل القرارات والتصرفات المتصلة بالهيئات الدولية كافة ومنها الأونروا، وينصرون القضايا العادلة للشعوب، ويمسحون من تاريخهم تركة ترامب الكريهة ويصححون ما أساء به للولايات المتحدة الأمريكية وهيبتها ومكانتها ومصداقيتها في العالم ولغيرها من الدول والشعوب..
إنهم إن فعلوا هذا واتبعوا سياسة حكيمة غير منحازة وقاموا بدور إيجابي في العالم وقادوه نحو الخير والسلم والعدل، استعادوا فعلاً "عظَمة أمريكا" وعززوا تلك العظَمة.. إنهم بهذا يفعلون ذلك وليس بأسلوب ترامب وممارساته وغوغائيته وعنصريته ونرجسيته وعدوانيته، وباستخدامه الإرهاب والحصار والتهديد والوعيد وسائل لقهر الشعوب وابتزاز الدول.