قضايا وآراء

قراءة في تصريح الأمين العام لجماعة العدل والإحسان حول التطبيع الصهيوني المغربي

محمد الحساني
1300x600
1300x600

مقدمة

لماذا يتطلب هذا التصريح وقفة متأنية ودراسة عميقة؟ هذا سؤال له أهميته من حيث وضع هذا التصريح في السياق الكلي الذي تتحرك فيه جماعة العدل والإحسان، فهو لحظة جزئية في ظرف خاص (التطبيع المغربي الصهيوني)، بل هو جزء من نسق عام في الفكر والرؤية والممارسة الإجرائية لمشروع العدل والإحسان.

من جهة أخرى، إن هذا التصريح هو في حقيقة الأمر وثيقة سياسية تساعد كل دارس أو متتبع لمسار العدل والإحسان أن يقف مع جزء من تصورها ومقترحاتها التي تراها حلا لخروج المغرب من وضعية الاستبداد التي يعيشها، والذي انعكست آثاره على كل المستويات التي تعيشها البلاد.

رسائل وتوضيحات مفصلية

 

في تصريحه أراد الأستاذ عبادي، أمين عام جماعة العدل والإحسان، أن يميط اللثام عن أي تشابك أو سوء فهم يحصل عندما يطرح السؤال التالي: من يتحمل المسؤولية المباشرة عن قرار التطبيع؟ من منطلق الوضوح الذي يعتبر أحد ركائز التصور العام للعدل والإحسان الذي يستحضر أمرا في غاية الأهمية، وه أن الأمر ليس ممارسة سياسية أو سياسوية يراد بها المزايدة أو المكسب السياسي، بل بالدرجة الأولى قيام بالشهادة بالقسط أمام الله تعالى قبل وبعد كل شيء. فالجماعة هي جماعة العدل والإحسان، وهما ركيزتان لا ينفصلان في كل ممارسة حتى ولو كانت تصريحا صحفيا.


من هنا الأمين العام خرج عن دائرة المصطلحات المتعددة المعاني ولكنه سمى الأشياء بمسمياتها الواضحة الصريحة البينة؛ لأنه كما قلت هي بالنسبة له شهادة أمام الله قبل أن تكون أي شيء آخر.

ولذلك فجوابه عن سؤال "من يتحمل المسؤولية المباشرة عن قرار التطبيع" كان مباشرا:

التطبيع قرار ملكي خالص. ولنقف عند كلمة خالص فهي منتقاة بشدة، لتحديد المسؤولية من وجهة نظر العدل والإحسان، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمبدأ تنادي العدل والإحسان على ضرورة إدراجه ضمن ممارسة تدبير الشأن العام في كل مستوياته، وإلا ستبقى هذه الممارسة عملا سائبا تضيع معه الحقائق.

إن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة تؤكد عليه العدل والإحسان تأكيدا متواصلا، دون أن يستثنى منه أحد بما في ذلك أعلى هرم في السلطة.

بهذا الجواب أراد الأمين العام للعدل والإحسان أن يحدد أين ينبغي أن تتجه بوصلة النقاش.

تحديد طبيعة النظام السياسي، ملكية مطلقة

حكومة شكلية وقرار ملكي خالص.. ليست هذه مجرد أوصاف، هذه مفاهيم ومسميات تفك دلالتها في مجال العلوم السياسية لأنها تحدد طبيعة النظام السياسي الذي يتم الحديث عنه. وقد أفرد السيد عبادي أمثلة منصوصا عليها بشكل واضح في الدستور المغربي، الذي هو كما يصفه السيد الأمين العام بأنه دستور ممنوح، أي موضوع بما يتطابق مع ما تريده المؤسسة الملكية لا كما تطالب الإرادة الشعبية. تلك الأمثلة تبرز أنك أمام سلطات لا متناهية للملك دون رقيب أو حسيب، كما أشرنا سابقا، فلذلك فإن تدقيق توصيف النظام السياسي يعتبر مدخلا أساسيا في عمل تغييري، وإلا كان السقوط في فخاخ السياسية الذي يمكن أن يكون ثمنها باهضا.

الكل مسؤول

 
المناهضون والرافضون للتطبيع مسؤولون بلزوم التعبير بالموقف الواضح الصريح المعبر عن رفض التطبيع، مهما كانت المبررات لأنها شرعيا وأخلاقيا وقانونيا غير مقبولة.

كذلك فالحكومة رغم شكليتها فإن ذلك لا يعفيها من مسؤوليتها وأنها شريكة في خطيئة التطبيع، وعلى رأسها السيد العثماني رئيس الحكومة. ولا مجال للتبرير أو الهروب، وهذا خط الشهادة بالقسط الذي تتبناه العدل والإحسان.

الإصلاح من الداخل وهْم وتعمية على الواقع السلطوي المغربي

هنا يضع الأمين العام الأستاذ عبادي إصبعه على نقطة غاية في الدقة كانت ولا زالت مثار نقاش طويل، لكن الأمين العام من البداية يشير إلى مقدمات مهمة ينبغي في الواقع أن يتداركها الكثيرون.

- ضعف الاطلاع على التجربة المغربية والمقصود بالضبط وضع السلطة في المغرب، أو بلغة أخرى بنية النظام السياسي المغربي. وهذا هو الذي سبب الكثير من سوء الفهم الذي شوش على الكثير من المتتبعين، والأمين العام يؤكد أن تقييم تجربة الإصلاح من الداخل هو مرتبط بالتجربة المغربية، فهو لا يقصد بأي حال من الأحوال تجارب الحركة الإسلامية خارج المغرب. وهذا جزء من تصور العدل والإحسان، فهي تميز بين توصيف تجربتها وتحليلها لعدم جدوى الإصلاح من الداخل داخل بنية النظام السياسي المغربي، وبين أن تدعو أحدا إلى تبني وجهة نظرها، وهذا ملمز مهم كان لا بد من الإشارة إليه، ليؤكد أنه في ظل السلطة السياسية كما هي في المغرب فالحديث عن الإصلاح من الداخل وهْم ومجرد تعمية على حقيقة الواقع المغربي.

التغيير الجوهري ومدخل الميثاق:

ليست المسألة بالنسبة للسيد عبادي وجماعة العدل والإحسان التعاطي مع قضية التطبيع المغربي الصهيوني فقط، بل الأمر أعمق بذلك بكثير ويتعلق تحقيق تغيير جوهري عميق داخل النظام السياسي المغربي، بالقطع مع الاستبداد والتفرد بالسلطة. بهذا الجواب أراد الأمين العام للعدل والإحسان أن يحدد أين ينبغي أن تتجه بوصلة النقاش.

تحديد طبيعة المشهد السياسي إلى مجرد ديكور لتزيين الصورة، فإن أي تحرك في أي قضية سيبقى جزئيا. من هنا فإن العدل والإحسان تطرح مبادرتها إلى ما يسمى بالميثاق الجامع يقوم على الأسس التالية:

- ضرورة صون القرار الوطني من التدخل الأجنبي.

- ضرورة استيعاب كافة الخلفيات الفكرية داخل البلد.

- العمل المشترك والتلاقي على أرضية مشتركة تركز على الأولويات والمتفق عليه.

- حوار وطني يفضي إلى ميثاق جامع.

- جمعية تأسيسية لوضع دستور ديمقراطي يعبر عن إرادة المغاربة.

- انتخابات حرة ونزيهة.

- مرحلة انتقالية وحكومة وحدة وطنية، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات لضمان الاستقرار اللازم لحساسية المرحلة.

- إعلام عمومي مسؤول وغير متحيز يعكس كافة التوجهات المجتمعي.

فهي رؤية واضحة لا تقوم على أي نوع من الإقصاء أو الانفراد بالرؤية، هدفها الوحيد هو التأسيس لوطن الكرامة وأن تصبح السلطة خادمة للشعب لا أن يكون الشعب خادما للسلطة كما هو اليوم، وكذا أن تصبح مؤسسات الدولة مؤسسات حقيقية تقوم بدورها المطلوب.

موقع جماعة العدل والإحسان في المشهد السياسي المغربي:

وهنا وضح الأمين العام أن جماعة العدل والإحسان هي جزء من الشعب المغربي لا تدعي لنفسها أنها الناطق الرسمي باسم الشعب المغربي، بل هي جزء مع الكثير من فضلاء البلد الذين يشتغلون على الغد الأفضل للمغرب، ولذلك فإن خياراتها في مواجهة التطبيع جزء لا يتجزأ من خيارات الشعب المغربي المتمثل في قواه المدنية والسياسية والعلمانية.

هي وسط الشعب ومع الشعب، فالجماعة تقترح مشروعها وتدعو إلى إخضاعه لامتحان التجربة. وهي جزء من الأمة كما قال السيد الأمين العام.

خلاصة جامعة

 
أعود إلى الإشارة التي ابتدأت بها هذه القراءة لتصريح الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد عبادي، أن هذا التصريح في حقيقة وثيقة ذات الأهمية الكبرى لكل متتبع لمسيرة الحركة الإسلامية في المغرب عامة وجماعة العدل والإحسان خاصة، لأن الحوار يمثل شبه خريطة لمعالم التصور العام للجماعة، باعتبار أن الحوار جاء في سياق محدد (التطبيع المغربي الصهيوني).

وهي قراءة لا يمكن الادعاء بأنها قد أحاطت بكل جزئيات الحوار، لكنها أرادت أن تشير إلى فكرة جوهرية تتميز بها جماعة العدل والإحسان، وهي نسقية الفكر، فتحرير فلسطين والتصدي لمؤامرة التطبيع لا ينفصل بأي حال من الأحوال بمعركة تحرير الأمة من الاستبداد، فدون ذلك ستبقى فلسطين سليبة في قبضة الصهاينة، دون أن ننسى أن الأس الإحساني التربوي الذي تعتبره العدل والإحسان لب عملها دون القفز أو إهمال أو تقزيم الجانب العدلي.

التعليقات (0)