هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
زادت شهية المستثمرين الإماراتيين والسعوديين تجاه أصول الرعاية الصحية في مصر، خلال السنوات الماضية، في ظل تزايد عدد السكان (103 ملايين نسمة) ونقص الخدمات الصحية التي توفرها الدولة لمواطنيها بسبب ضعف الإنفاق عليها.
ويصل الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي البالغ 73 مليار جنيه (نحو 4.6 مليار دولار)، إلى أدنى مستوى بعد استثناء الأجور والصيانة وفواتير المياه والكهرباء وغيرها.
ويخالف هذا الرقم دستور 2014 الذي نص على بلوغ الإنفاق الصحي في الموازنة نسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه ظل عند 1.2 في المئة فقط في العام 2019-2020.
في الأثناء، تعتزم مجموعة مستشفيات كليوباترا، أكبر مشغل للقطاع الطبي الخاص في مصر، الاندماج مع مجموعة "ألاميدا" للرعاية الصحية (الإماراتية)، في صفقة تعد الأكبر من نوعها في قطاع الرعاية الصحية بإفريقيا خلال 2020.
وكشفت شركة مستشفى كليوباترا، في بيان للبورصة الأحد، عن توقيعها اتفاقية مشروطة للاستحواذ على مجموعة شركة ألاميدا للرعاية الصحية، وستجمع الصفقة بين اثنين من أكبر مقدمي الخدمات الطبية الخاصة في مصر.
تحذير من الاستحواذ
تأتي تلك الخطوة رغم رفض جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية إتمام الصفقة، ومخاطبة وزارة الصحة، في شباط/ فبراير الماضي، لاستخدام صلاحيتها بمنع صفقة الاندماج المحتملة لتأثيرها السلبي على المنافسة في القطاع الصحي.
شركة "ألاميدا" يتبعها كل من مستشفيات السلام الدولي بالمعادي، والسلام الدولي بالقطامية، ومستشفى دار الفؤاد بمدينة 6 أكتوبر ومدينة نصر و معامل يوني لاب وإليكسرا للمناظير وطبيبي.
أما مجموعة مستشفيات كليوباترا، فهي استثمارات إماراتية تضم مستشفيات الكاتب والنيل بدراوي والقاهرة التخصصي والشروق، بقيمة بلغت 1.8 مليار جنيه في عام 2019. (الدولار يساوي 15.6 جنيه).
وتستحوذ مستشفيات القطاع الخاص على نحو 60% من إجمالي المستشفيات في الجمهورية؛ حيث تبلغ حصة القطاع الحكومي 691 مستشفى، مقابل 1157 للقطاع الخاص، وتصل حصة القطاع الحكومي من الأسرَّة إلى نحو 95 ألفاً و683 سريراً، مقابل 35 ألفاً و320 سريراً للقطاع الخاص، وفق بيان الجهاز المركزي المصري للإحصاء.
تنافس إماراتي سعودي
إلى جانب الإمارات، تمتلك مجموعة "علاج" السعودية 9 مستشفيات، من بينها: "الأمل بالجيزة، والإسكندرية الدولي، والعقاد في أسيوط، والمشرق في الدقي، وعلاج بمصر الجديدة، والعروبة في مصر الجديدة، وكايرو كلينك للأطفال".
وتنافس مجموعة أندلسية الطبية السعودية بقوة، وتمتلك مستشفى الأندلس بالمعادي وعيادات أندلسية التخصصية في مصر الجديدة، ومستشفى الأندلس بسموحة ومستشفى "الأندلس- الشلالات" بالإسكندرية، إضافة إلى مستشفيين في السادس من أكتوبر والتجمع الخامس.
وتعتزم مجموعة مستشفيات السعودي الألماني المالكة للمستشفى السعودي الألماني بالقاهرة، إنشاء 4 مستشفيات بالجيزة والإسماعيلية وأسيوط والقاهرة الجديدة، من خلال ضخ مليار جنيه كاستثمارات في قطاع الرعاية الصحية، بحسب موقع المجموعة على الإنترنت.
وفي مجال الأدوية، نقلت وكالة بلومبيرغ الأمريكية في حزيران/ يونيو الماضي عن مصادر، اعتزام صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة "القابضة"، المعروفة سابقاً باسم شركة أبوظبي للتنمية القابضة (من أكبر صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط) للاستحواذ على شركة "أمون للأدوية" بقيمة 700 مليون دولار.
وإذا كانت عمليات الاستحواذ كشفت عن تقديم خدمات جيدة، لكنها كشفت عن انفلات في أسعارها، وتجلى ذلك خلال ذروة تفشي فيروس كورونا في مصر في الموجة الأولى، حيث ارتفعت تكاليف استقبال مرضى الفيروس إلى أرقام فلكية وصفها رئيس الوزراء المصري بـ"العملية الجنونية".
وحددت وزارة الصحة تكاليف علاج مصابي فيروس كورونا، وتراوحت ما بين 1500 جنيه و3000 جنيه لمريض العزل في القسم الداخلي لليوم الواحد، و5000 إلى 7000 جنيه في الرعاية المركزة دون جهاز تنفس صناعي، و7000 إلى 10 آلاف في الرعاية المركزة مع جهاز تنفس صناعي.
إلا أن المستشفيات الخاصة رفضت تلك الأسعار، وطرحت أسعاراً بديلة تضاهي الأسعار التي وضعتها الدولة عدة مرات، حيث تراوح سعر العزل بالقسم الداخلي ما بين 7 و11 و18 ألف جنيه، وفي الرعاية المركزة تراوح سعر اليوم الواحد ما بين 10 و18 و25 ألف جنيه، بحسب صحيفة "البورصة" المصرية.
تحديان في قطاع الصحة
هناك تحديان يواجهان قطاع الصحة في مصر، وفق خبير إدارة الأزمات، مراد علي، "هما غياب منظومة صحية سليمة في مصر، والمفترض أن الدولة تضمن تقديم الخدمات الصحية لمواطنيها وتخلي الدولة عن دورها في تقديم الخدمة أو رقابتها أدى إلى تحول الأمر إلى احتكار لا استثمار".
وأضاف المدير الإقليمي السابق لأحد الشركات العالمية في مجال الأدوية، لـ"عربي21": "هناك تغول من بعض مستثمري الخليج كالإمارات والسعودية؛ لأن سوق الرعاية الصحية في مصر هو سوق واعد من ناحية، وعلى عكس ما يوجد في بلادهم يفتقد لأي نوع من الرقابة، وهو ما رأيناه في أزمة كوفيد-19".
واعتبر أن أخطر ما في الأمر هو "تزاوج المصالح بين المسؤولين المصريين والمستثمرين الخليجيين، يزيد من الفساد الموجود، ويجعلهم في مأمن من الرقابة والمحاسبة، لا نتحدث عن قطاع مربح إنما قطاع فاسد يفتقر إلى الرقابة وضمان أقل مستوى من الجودة".
مسألة أمن قومي
أعرب أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق، أحمد رامي الحوفي، عن قلق الكثيرين من تزايد النفوذ الإماراتي ليس اقتصاديا فحسب بل على مستوى الأمن القومي، قائلا: "القلق يزداد من وجود تكتلات احتكارية في مصر تقودها الإمارات التي دخلت في تطبيع مفتوح مع الكيان الصهيوني".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "التكتل الإماراتي يعرض سوق الاستثمارات في مجال الرعاية الصحية ليس لمخاطر اقتصادية فحسب بل مخاطر من تواجد الكيان الصهيوني في مجال على التماس بالأمن القومي المصري".
غياب منظومة التأمين الصحي بحسب الحوفي، فتح باب "التنافس على صحة المواطنين المصريين، والانفراد بهم، وتقديم خدمات بأسعار باهظة؛ على سبيل المثال أسعار الخدمات لمعالجة مصابي كورونا في القطاع الخاص من أعلى الأسعار على مستوى العالم".