صحافة دولية

FP: هكذا جندت الصين شركات التكنولوجيا في حرب المعلومات

عناق الدب بين المخابرات الصينية والصناعة الصينية يزداد قوة- جيتي
عناق الدب بين المخابرات الصينية والصناعة الصينية يزداد قوة- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" تحقيقا، أعده زاك دورفمان، تناول فيه الكيفية التي جندت فيها الصين الشركات الكبرى في حرب المعلومات ضد الولايات المتحدة. وقال فيه إن إدارة دونالد ترامب عندما بدأت في عام 2017 حربها التجارية، كانت هناك معركة أخرى تجري من خلف الستار داخل الأجهزة الأمنية الأمريكية، فيما يتعلق بحرب البيانات بين الصين والولايات المتحدة.

 

وكان الدافع وراءها الثقة بالنفس لدى الصين، والاقتناع داخل اللاعبين الرئيسيين في داخل الإدارة من أن الصين تمثل تحديا اقتصاديا وسياسيا.


ومنحت بكين صقور الصين في واشنطن المزيد من الذخيرة لمهاجمتها؛ ففي العام ذاته، قام قراصنة بالسطو على معلومات شركة "إيكويفاكس"، وهي أكبر شركة تتعامل مع القروض في الولايات المتحدة. وكشفت القرصنة عن معلومات تتعلق بـ145 مليون أمريكي. لكن الموقف من الصين لم يكن واضحا في السنة الأولى من حكم ترامب، مع أن إدارته الأكثر عداء لبكين منذ الحرب الباردة.


 ويقول روبرت سبلادينغ، الذي عمل في مجلس التخطيط الإستراتيجي حتى عام 2018: "في السنة الأولى، كنا نناقش على مستوى مجلس الأمن القومي السياسة من الصين"، إلا أن المناخ تغير عام 2018 بعد رحيل سوزان ثورتون، مسؤولة ملف آسيا بوزارة الخارجية، التي يقول إنها عرقلت أي خطوات عقابية ضد الصين.


 ولم تعلق المسؤولة عندما طلبت منها المجلة التعليق. لكن نقاد الإدارة قالوا إن موقفها المتشدد أثّر على مصداقية إدارة ترامب فيما يتعلق بموضوعات التكنولوجيا.


وكادت شركة الاتصالات "زد تي إي" الصينية أن تفلس عندما منع ترامب الشركات الأمريكية التعامل معها، قبل أن يخفف عنها الضغط كجزء من الاتفاقية التجارية بينه وشي.

 

وفقدت حملة قانونية ضد شركة هواوي، أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، زخمها عندما ألمح ترامب لإلغاء طلب ترحيل مديرتها المعتقلة في كندا بسبب خرق العقوبات، في مقابل حصوله على تنازلات تجارية.


 وحرف المسؤولون حديثهم عن نشاطات الشركة الخبيثة نيابة عن الدولة الصينية للحديث عن كونها منافسا تجاريا يمكن أن تحتكر تكنولوجيا الاتصالات في العالم.


 وهذا قلق مفهوم؛ لأن الصناعة الصينية ظلت تابعا لنشاطات الحزب والدولة الصينية. وكان الحزب الشيوعي مشاركا رئيسيا في الشركات الصينية، وامتلك مؤسسات مثل المستشفيات ومصانع لإنتاج الواقيات الجنسية.


 إلا أن العلاقة بين المخابرات الصينية والشركات أصبحت أكثر قوة كما يقول المسؤولون الأمريكيون. وفي 2017، مرر شي قانونا يجبر الشركات الصينية على التعاون مع المخابرات الصينية حين الطلب. وأمر المسؤولون في أيام أوباما الأخيرة وكالات الاستخبارات الأمريكية بجمع معلومات عن علاقة الأمن الصيني بالصناعات الخاصة.


 وأثمرت هذه الجهود ثمارها، حيث جمعت المخابرات كميات هائلة من المعلومات عن العلاقات بين الأمن والشركات الخاصة في الصين. وبحسب مسؤولي أمن سابقين في إدارة ترامب، فقد كان التعاون بين الطرفين على قاعدة شب يومية. وقال مصدر: "هذه الكيانات التجارية هي فروع تجارية للحزب" و"هي تتعامل مع خدمات الاستخبارات لتحقيق أهداف الحزب". 


وقال ويليام ايفانينا إن حصول بكين على المعلومات الضخمة "يعطيها فرصا لاستهداف الناس في حكومات أجنبية، والصناعات الخاصة، وغيرها من القطاعات حول العالم، والحصول على المعلومات التي تريدها، مثل البحث العلمي والتكنولوجي وأسرار التجارة والمعلومات السرية".

 

وفيما يمكن أن ينظر إليه كمهمة أمنية، أمرت المخابرات الصينية الشركات الخاصة ذات القدرات على تحليل البيانات لتكييف هذا، والعمل على تصفية المعلومات التي سرقت، مثل القرصنة على مكتب إدارة المعلومات الشخصية. 


وقال مسؤول حالي: "تخيل لو أعطتنا وكالة الأمن القومي وسي آي إيه معلومات جمعتها عن الجيش الصيني، وقمنا بمنح جزء منها لغوغل أو مايكروسوفت، وقلنا لها: حللوها في نهاية الأسبوع. وهذا ما يقومون به، فلديهم علي بابا وبايدو، ولا يوجد لدينا مثل هذا". وعندما طلب من الشركتين التعليق لم تردا.


دمج الشركات بالأمن


 ويقول المسؤولون الأمريكيون إن دمج الشركات ذات القدرات التحليلية للمعلومات منح المخابرات الصينية الفرصة للبحث في  كميات ضخمة من المعلومات، على أمل العثور على معلومات ذات قيمة استخباراتية، مثل الكشف عن العملاء السريين الأمريكيين في الخارج. وتستغل في الوقت نفسه المخابرات القدرات التجارية للشركات الخاصة التي لا تملكها أو لا تحتاج للإنفاق على بنائها لاحتياجاتها الخاصة. 


ولم يكن التعاون من دون توتر، كما اكتشف مسؤولون أمريكيون أن "جدالا اندلع" في الشركات الخاصة هذه بين الموظفين الغاضبين من العمل الإضافي الذي يطلب منهم القيام به. لكن هذه الشركات تعرف أنها رهينة للمخابرات، وثمن عدم الاستجابة لطلباتها، فهي كما يقول مسؤول سابق في سي آي إيه هي "تابعة لها". 


وقالت إلسا كانيا، الخبيرة في مركز نيو أمريكان سيكيورتي، إن بعض الشركات التكنولوجية الصينية تريد أن تكون شركات عادية، ولا تريد الاستجابة للتوقعات الأيديولوجية أو التوقعات الأمنية منها. وقالت إن معظم الشركات الصينية لا تختلف عن نظيراتها في سيليكون فالي، إلا أن الفارق أنها مضطرة للتعامل مع نظام تعتمد فيه الحوافز على بناء علاقات مع الحكومة أو التعرض لانتقامها.


 وتحاول هذه الشركات العمل بحذر، ففي الخارج تحاول إبعاد نفسها عن الحكومة، كما في حالة هواوي، التي وجهت لها اتهامات بأنها ذراع للدولة. إلا أن الشركات نفسها تحاول في داخل الصين التعبير عن ولائها للدولة. ومع ذلك تتراوح العلاقة من شركة لأخرى، فشركة "تينبنس" التي تدير تطبيق "ويتشات" تتلقى الدعم المالي من وزارة أمن الدولة، كما توصل المسؤولون في سي آي إيه بدرجة عالية من الثقة. ورفضت الشركة الاتهامات، وقال: "هذا كذب بالكامل"ـ و"تاريخ بدايتنا التجارية معروف، ومولت في البداية من مؤسسيها".


 وقال مسؤول سي آي إيه السابق إن التعاون تطور بعدما أصبح ويتشات أمرا مهما، و"جاءت وزارة أمن الدولة إليهم، وطلب التعاون في مراقبة الأمور، وإغلاقها عند الضرورة"، و"هذا لا يعني أن تينبنس أو مؤسسها بوني ما يرقصون على أنغام ما تقوله وزارة أمن الدولة، ولكن لو طلبت منهم خدمات الأمن الصينية التعاون فعليهم تقديم الخدمات".

 

وردت الشركة بالقول: "تينبنس هي مثل أي شركة تعمل في الصينـ ملتزمة بقانون الشفافية"، و"أي شيء غير ذلك هو كذب". 


وبنفس المقام انتفعت شركات القطاع الخاص من القرصنة على المعلومات التي قامت بها مؤسسات الدولة الأمنية، وتدفقت إلى الشركات الصينية؛ لكي تعطيها فرصة للتنافس. وباتت الشركات الأمريكية ذات العلاقة مع الجيش الهدف الأكبر في عصر الإنترنت. 


ولاحظ المسؤولون الأمريكيون منذ عام 2000 محاولة الصين في عملياتها الإلكترونية الدخول إلى شركات التعهد العسكري، وهو أمر كان يحدث على قاعدة منتظمة حسب ستيف رايان، المدير السابق لمركز عمليات التهديد في وكالة الأمن القومي، و"كان الصينيون يسرقون قاعدة الصناعة العسكرية مغمضي الأعين، وفي مجالات معينة وتكنولوجيا معينة". 


واستطاع القراصنة الصينيون اختراق شبكات التعهدات العسكرية المرتبطة بقيادة النقل بالبنتاغون 20 مرة في عام واحد، حسب تقرير لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. وفي عام 2018، سرب عملاء صينيون وبنجاح معلومات حساسة تتعلق بمتعهد مع البحرية.


 وراقب المسؤولون الأمريكيون الصين وهي تستعرض مقاتلة جديدة وأنظمة تسلح استنسخت من التصميمات الأمريكية. واكتشفت المخابرات الأمريكية كيفية تحويل المخابرات الصينية المعلومات المسروقة إلى شركات شبه خاصة أو شبه حكومية متخصصة بالصناعات الدفاعية.


 أما التطور الأهم في عمليات القرصنة الصينية، فهو اعتماد الحزب على الشركات التكنولوجية الكبرى لتقديم المعرفة ومعالجة البيانات للمخابرات الصينية. 


وقال مسؤول سابق في إدارة ترامب "الشركات التي استخدموها تصور نفسها بالشرعية والكبيرة والمتعددة الجنسيات والعاملة في أكثر من مكان"، و"هي ليست ببساطة شركات صغيرة ومتعهدين عسكريين يعملون في داخل الصين".


 وقال رايان من وكالة الأمن القومي إن "استخدام الشركات الخاصة لا يوسع من عمليات جمع المعلومات ولكن معالجتها".


 ولأن هناك معوقات قانونية رئيسية تقف أمام الحكومة الأمريكية لعمل مثل ما عملته الصين مع الشركات الخاصة، إلا أن تحليل المعلومات الموازية التي جمعتها وكالات الأمن الأمريكي لرسم صورة عما تعرفه الصين عن أمريكا كانت "تسبب الغثيان"، كما قال مسؤول أمني سابق، و"أنظر إلى إيكيفاكس وأصف أنثيم والمعلومات من ماريوت، فلا يوجد شيء لا يعرفوه عنا". 


وفي النهاية، فحرص الحكومة الصينية على البيانات هو جزء من المخاطر الخارجية والداخلية التي تحيق بالحزب وتهدد وجوده، ومن هنا فبيانات الأمن هي جزء من أمن النظام. ولكن هذه الإستراتيجية تخلق توترات داخلية. 


وكما يقول محلل استخباراتي سابق: "يتطلب نظام الأمن الإلكتروني الصيني مداخل خلفية لكل شركة وشخص في الصين"، و"هم مستعدون للاعتراف بأن هذه الأبواب الخلفية قد تساعد المهاجمين أو قد تقلل الأمن الإلكتروني لهذه الشركات". 


وهذه مقايضة يبدو قادة الصين مستعدين للقيام بها، على الأقل في الوقت الحالي، رغم المخاطر التي تحملها من مخاطر انفصال الصين عن حلفائها التجاريين، وما يمكن أن يسببه من عدم استقرار داخلي. وفي الوقت الحالي فعناق الدب بين المخابرات الصينية والصناعة الصينية يزداد قوة.
 

التعليقات (0)