تفصلُنا عن حلول العام 2021 أقل من ثلاثة أسابيع، ويتطلع المغاربة لأن تكون السنة القادمة فاتحة خير على الجميع، وأن تحمل شهورها مؤشرات إيجابية في أوضاعهم المعيشية، وأحوالهم السياسية والاجتماعية والثقافية، كما يأملون أن يراكم بلدُهم إنجازات نوعية، من شأنها تقوية مكانته الإقليمية والدولية.
يبدو واضحا أن هناك عددا من الرهانات يسعى المغرب إلى إدراكها خلال عام 2021، وهي في مجملها من الأولويات الضاغطة على الدولة والمجتمع معا، كما أنها مجال إنفاق وتوافق بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. وقد شددت الخطابات الملكية الأخيرة عليها في أكثر من مناسبة؛ يتعلق أول رهان بتجاوز وباء كورونا وآثاره السلبية. فمنذ الإعلان الرسمي عن أول إصابة في 2 آذار/ مارس 2020، يقترب المغرب الآن من 400 ألف إصابة (399,609 إصابة)، امتدت إلى كل الفئات العمرية، وشملت كامل الحواضر والمدن والقرى المغربية، وقد فتك بأرواح 6,624 مصابا، لتصل نسبتهم إلى 1,66 في المائة، على الرغم من الجهود المبذولة لمحاصرة الوباء، وترشيد أضراره.
لذلك، تُعتبر مواجهة الجائحة رهانا بالغ الأهمية في سياسات الدولة واستراتيجياتها الحكومية. فمن أجل كسب هذا الرهان، قامت الدولة بخطوات استباقية، من قبيل التوقيع على شراكة مع الصين لتجريب لقاحها على المواطنين، كما قامت دول أخرى مثلها، وتتطلع في الأيام القادمة للشروع في تطعيم الفئات الاجتماعية الأكثر عرضة لأضرار الوباء، كما هو حال الأطقم الطبية، والقوات الساهرة على أمن البلاد، ورجال التعليم ونسائه، والمسنين، وذوي الأمراض المزمنة، لتعقبها فئات أخرى بعد ذلك، عسى أن يعم اللقاح البلاد في بحر العام 2021.
يرتبط برهان القضاء على وباء كورونا رهان آخر، يشكل أولوية قصوى بالنسبة للبلاد، يتعلق بإعادة تنشيط حركية الاقتصاد الوطني، وتسريع وتيرة النمو، وتقوية التوازنات العامة، المالية والتجارية، وتقليص الآثار السلبية التي خلفتها شهور الجائحة
يرتبط برهان القضاء على وباء كورونا رهان آخر، يشكل أولوية قصوى بالنسبة للبلاد، يتعلق بإعادة تنشيط حركية
الاقتصاد الوطني، وتسريع وتيرة النمو، وتقوية التوازنات العامة، المالية والتجارية، وتقليص الآثار السلبية التي خلفتها شهور الجائحة. فعلى الرغم من سعي المغرب الحثيث لتجنب انكماش اقتصاده، وتقهقر معدل النمو، وهروب الاستثمارات الداخلية والخارجية، فإن الوباء أثر بشكل واضح في الوضع الاقتصادي للمغرب، لا سيما بالنسبة للقطاعات ذات العلاقة بالنشاط البشري المباشر، أو تلك المفتوحة على الطلب الخارجي.
فمنذ إعلان المغرب عن إغلاق حدوده أمام الملاحة الدولية في 14 آذار/ مارس 2020، واعتماد الإجراءات الاحترازية، من حجر منزلي وتباعد اجتماعي، وعزل المدن عن بعضها البعض، توقفت حركة الإنتاج بشكل لافت، وتعرضت فئات اجتماعية واسعة للعطالة، وجفت مصادر رزق الكثير من الناس، ولم تتمكن إعانات الدولة (الصندوق الوطني لمواجهة الجائحة) ومساعداتها من ردم الفجوات التي ترتبت عن توقف النشاط الاقتصادي بفعل الوباء واتساع انتشاره.
فهكذا، تكشف مجمل الدراسات والتقارير التي رصدت آثار الوباء وحجم أضراره، عن الكلفة الإجمالية التي خلفتها الجائحة، والتحديات التي ترتسم أمام المغرب، كما تطرح أكثر من سؤال عن الاستراتيجية المطلوب اعتمادها لإدارة مرحلة ما بعد الجائحة. لذلك، سيكون رهان إعادة تنشيط الاقتصاد واستعادة القطاعات المنتجة عافيتها من أولى الأولويات في العام 2021. ثم إن الرهان لا ينحصر في استعادة عافية الاقتصاد وتنشيطه فحسب، بل هناك تطلع مجتمعي كبير لأن يُقدم المغرب بشجاعة على صياغة رؤية جديدة لتوزيع الثروة الوطنية، بما يعزز قدرات المواطنين، ويسمح لهم بامتلاك مصادر العيش الكريم.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أهمية إنهاء ورش إعداد مشروع "النموذج التنموي الجديد"، المعلن عنه في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، والذي كان منتظرا الانتهاء منه وتقديمه من قبل اللجنة ذات الصلة في نهاية حزيران/ يونيو 2020.
يُنتظر من الانتخابات المقبلة أن تفتح أفقا جديدا لتدوير النخبة وتجديد دمائها، لفتح الباب أمام كفاءات قادرة على إدارة الشأن العام الوطني والمحلي باقتدار ونجاعة، وبما يساعد على استعادة الثقة في السياسة والعمل السياسي
هناك رهان ثالث، لا يقل أهمية عن الرهانين السالفين، يتعلق بالاستحقاق الانتخابي المنتظر تنظيمه في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أي إعادة تجديد انتخاب أعضاء البرلمان. فعلى الرغم من انطلاق الترتيبات الخاصة بهذا الاستحقاق من قبل الوزارة الوصية (الداخلية)، والفاعلين الحزبيين، فإن ثمة تخوفات كثيرة تخترق وعي فئات واسعة من المغاربة، يمكن إجمالها في أمرين اثنين، يتعلق أولهما بظاهرة العزوف عن المشاركة من قبل شرائح واسعة ممن لهم أهلية التصويت، لا سيما الشباب منهم، في حين يخص الأمر الثاني التخوف من إعادة إنتاج النخبة السياسية البرلمانية والحكومية نفسها، والحال أن صورتها تراجعت بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، وأن أسبابا كثيرة لاستدامة ظاهرة العزوف عن المشاركة تعود إلى هذه النقطة بالذات، أي تآكل مشروعية النخبة الحزبية، وتقهقر صورتها لدى عموم المواطنين. لذلك، يُنتظر من الانتخابات المقبلة أن تفتح أفقا جديدا لتدوير النخبة وتجديد دمائها، لفتح الباب أمام كفاءات قادرة على إدارة الشأن العام الوطني والمحلي باقتدار ونجاعة، وبما يساعد على استعادة الثقة في السياسة والعمل السياسي.
يتعلق الرهان الرابع المرتقب تحقيقه في العام 2021 بتقوية مكانة المغرب إقليميا ودوليا. فمن الواضح أن المغرب يسجل منذ سنوات خطوات واعدة ولافته على طريق تحقيق طفرات في اتجاه رسم موقع محترم في أكثر من دائرة من دوائر العمل الدبلوماسي الدولي، كما أنه يسعى إلى تحصين أوضاعه الداخلية لتكون رافدا معززا لمكانته الدولية، وفي صدارتها وحدة أراضيه واستقرارها، سواء على صعيد المنطقة المغاربية، أو بالنسبة لعلاقاته مع الخارج. لذلك، سيكون المغرب مطالبا، وربما بشكل أكبر في العام 2021، لأن يحافظ على هذه المكانة، والعمل على تقويتها أكثر.