هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يدخل اشتباك إيران مع الغرب مرحلة جديدة برحيل دونالد ترامب وقدوم جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة، فيما يتوالى ظهور ملامحها الرئيسية تباعا، وأهمها توسيع دائرة التفاوض وترميم الجبهة الأمريكية الأوروبية.
فقد أعلن القادم المرتقب إلى البيت الأبيض، مؤخرا، عن عزمه توسيع طاولة المفاوضات، ملمحا إلى إشراك السعودية والإمارات فيها، ما يعني تعقيد موقف طهران، وإدخال عناصر جديدة، أهمها ملفات التسلح والنفوذ الإقليمي ووضع مضيق هرمز، فضلا عن البرنامج النووي.
وإثر ذلك، وعلى الطرف الآخر من الأطلسي، أعلن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، ضمنا، موت اتفاق عام 2015، وضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات لصياغة اتفاق جديد، على أن يشمل برنامج إيران الصاروخي.
قبول لـ"هدايا ترامب"
ويشكل ذلك التصريح تخليا عن موقف أوروبي أكد طوال السنوات الماضية ضرورة الالتزام بالاتفاق النووي، وعودة جميع الأطراف إليه دون شروط مسبقة، وإعلانا عن دخول العلاقة بين إيران والغرب مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز عودة تماسك المعسكر الأوروبي الأمريكي بعد شقاق استمر أربع سنوات.
وفي حديث لـ"عربي21"، قال الخبير في الشأن الأوروبي، حسام شاكر، إن البرنامج الصاروخي الإيراني، وما يرتبط به من حسابات، بات معطى استراتيجيا جديدا، بدفع المشهد إلى جولة تفاوضية جديدة، أكثر من مجرد العودة إلى الاتفاق النووي.
وأكد شاكر أن الموقف الأوروبي كان ملتزما بالاتفاق عموما، "لكن هذا لا يعني أن أوروبا لن تحاول استثمار ما فعله ترامب خلال السنوات الأربع الماضية.. وتحقيق نقاط جديدة على حساب إيران".
وحول كيفية قراءة الإيرانيين لهذا الموقف الجديد، قال شاكر إن طهران تعلم تماما أن بروكسل ليست إلى جانبها، لكنها لم تكن تريد أن تخسر الموقف الأوروبي، الذي كان رافضا لسياسات ترامب.
وأضاف: "الإيرانيون عودوا العالم على النفس الطويل.. مع الحرص على عدم دفع الأمور إلى حافة الهاوية، لا سيما أنهم يواجهون أزمة اقتصادية خانقة".
وتلك المعادلة، بحسبه، تتعرض لضغوط كبيرة منذ اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، ما يجعل الأيام والأسابيع القليلة المقبلة مسؤولة عن تحديد مسار هذا الملف في المرحلة المقبلة.
أولوية طهران
وبدوره، قال المحلل السياسي الإيراني، عدنان زماني، إن أولوية طهران في المرحلة المقبلة هي "إنهاء مرحلة الضغوط القصوى التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد دونالد ترامب".
وفي حديث لـ"عربي21"، أوضح زماني أن اقتصاد البلاد "متأثر بشكل ملحوظ بهذا الضغط، ويبحث القادة الإيرانيون عن سبيل للخروج من هذا الواقع".
وتابع بأن طهران ليست في وضع يسمح لها بالتصعيد ضد أوروبا ردا على تصريحات وزير الخارجية الألماني، كما أنها في الوقت ذاته تعتبر الاتفاق النووي مكسبا دوليا لا تريد أن تخسره.
اقرأ أيضا: صحف: اغتيال زاده لن يوقف طموح النووي ويقوي المحافظين بإيران
لكنه استدرك بالتأكيد على قلق إيران "من مواقف أوروبية أكثر تشددا من السابق، تعزز بدورها المواقف المتشددة للإدارة الأمريكية القادمة"، لافتا إلى أن بايدن لطالما تعهد بترميم تحالفات بلاده، ولا سيما مع أوروبا، وهو ما سينتج عنه "انسجام في المواقف حيال إيران وملفها النووي خلافا لما كان موجودا في عهد ترامب الذي اتسم بالأحادية وتسبب بتصدع الموقف الغربي تجاه طهران".
وأضاف زماني أن تصريحات "ماس" التي رأى فيها أن العودة إلى الاتفاق حول النووي الإيراني "لم تعد كافية"، تساهم في تعزيز موقف التيار المحافظ في طهران، والذي يدعو إلى عدم التفاوض مع الغرب ويتهم الأوروبيين بالانسجام الكامل مع الموقف الأمريكي.
ملفات متشابكة
وفي المقابل، يقول الأوروبيون إن إيران لم تلتزم هي الأخرى بالاتفاق النووي، رغم تأكيد طهران أن عملية التحرر التدريجي من التزاماتها، حق مكفول لها بموجب الاتفاق.
لكن التطورات الكبيرة في برنامج إيران النووي مؤخرا تثير قلق الأوروبيين، بما في ذلك تحول التصعيد النووي إلى ورقة للرد على واشنطن وحلفائها بالمنطقة.
وفي حديث لـ"عربي21"، قال الباحث والمحلل السياسي، عبد الرحمن السراج، إن التصعيد الإيراني المتمثل بقرار البرلمان مؤخرا منع التفتيش الأممي في المنشآت النووية، وبما أكده تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية من عزم طهران على تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة، يأتي في أعقاب اغتيال فخري زاده.
وأضاف: "هذا هو الرد الإيراني على اغتيال فخري زاده، وهو رد ذكي غير عسكري"، يبقي المعركة في إطارها الأصلي مع منح بايدن فرصة الالتزام بتعهده بوقف التصرفات "المارقة".
وفي الوقت ذاته، بحسب السراج، فإن إيران بحاجة إلى أن تخفض مستوى التصعيد والضغوط الاقتصادية الكبيرة التي تتعرض لها، والتي شملت مؤخرا شركات صينية وروسية لمجرد أنها تعاملت مع طهران.
ورغم تأكيد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن بلاده لن تعيد التفاوض على برنامجها النووي، إلا أنه أبقى الباب مواربا، بحسب السراج.
ولفت السراج إلى أن ظريف، في سياق الحديث عن "عدم التفاوض"، حدد بشكل خاص ملفي البرنامج الصاروخي ونشاط المجموعات المحسوبة على طهران في المنطقة، قائلا إن أي تراجع إيراني في هذين الملفين مشروط بوقف الدول الغربية سلوكها "المارق" في المنطقة.
وبمعنى آخر، بحسب السراج، فإن تخلي بايدن، بالفعل، عن سياسات ترامب في المنطقة قد يهيء الظروف لقبول إيران التفاوض على اتفاق جديد.
لكن الأمريكيين قد تكون لديهم شروط مسبقة كذلك، بحسب السراج، فضلا عن توسيع دائرة التفاوض وإدراج بنود جديدة.
وتابع بأن واشنطن قد تطلب وقف تركيب أجهزة الطرد المركزي في "نطنز" وتسليم كميات اليورانيوم المخصب الزائدة عن السقف المسموح به بموجب الاتفاق النووي لطرف ثالث، قبل البدء بالتفاوض.