هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كينغز كوليدج، أندرياس كريغ، إن أبوظبي استغلت المخاوف الاستشراقية في الغرب لكي تصم "الإسلاموية" على أنها عبارة جامعة لكل أشكال التطرف الأيديولوجي الذي قد ينبثق من الإسلام.
وفي مقاله المنشور على موقع "ميدل إيست آي"،
قال كريغ إن الارتفاع
الأخير في عدد الهجمات الإرهابية التي ارتكبها متطرفون دينيون في فرنسا والنمسا أدى
إلى زيادة تقبل الجماهير الأوروبية لفكرة وجود البعبع الإسلاموي.
وقال مستشار المخاطر الاستراتيجية، إن العقول التي
ابتدعت فكرة البعبع الإسلامي ليست غربية، بل عقول سلطوية في المنطقة العربية.
اقرأ أيضا: احتجاج أمام سفارة الإمارات بلندن تنديدا بالانتهاكات (شاهد)
وأشار إلى أن الإمارات تتصدر الحرب على "الإسلاموية" رغم أنها دولة قبلية مطلقة لا وجود فيها للحريات المدنية، وتمارس القهر على المجتمع المدني، وتحظر التعبير عن الرأي، ولا يوجد فيها أي شكل من أشكال النشاط السياسي.
وتابع بأن مجلس الإفتاء الإماراتي، أصبح أداة بيد الدولة
لفرض السيطرة، ولإعادة تشكيل الخطاب الإسلامي تأسيسيا على سردية فارغة من التسامح
الذي يحظى به كل من يخضع للنظام بهدوء.
وتاليا المقال كاملا:
أدى الارتفاع الأخير في عدد الهجمات الإرهابية التي ارتكبها متطرفون دينيون في فرنسا والنمسا إلى زيادة تقبل الجماهير الأوروبية لفكرة وجود البعبع الإسلاموي.
تحت راية الدفاع عن الحريات المدنية، أعلن الليبراليون غير الليبراليين الحرب على "الإسلاموية" – ذلك المصطلح الذي استخدم في الأصل للإشارة إلى النشاط الإسلامي غير العنيف وجرى توسيعه عمداً ليصبح الآن علامة ازدرائية على "الأصولية الإسلامية" وعلى "الإرهاب".
البعبع الإسلاموي
تعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للانتقاد على نطاق واسع بسبب لغته المثيرة للشقاق حول الإسلاموية، حيث استعار السرديات الاستشراقية في محاولة منه لإخضاع الإسلام لإحساس زائف بالفوقية المدنية الفرنسية. إلا أن العقول التي ابتدعت فكرة البعبع الإسلاموي ليست غربية وإنما هي عقول السلطويين في المنطقة العربية.
تتصدر جبهة الحرب على "الإسلاموية" دولة الإمارات العربية المتحدة، التي هي عبارة عن مملكة قبلية مطلقة لا وجود فيها للحريات المدنية، يتم فيها إخضاع المؤسسات العلمية الإسلامية لكي يتسنى دينياً تبرير ما يمارس من قهر للمجتمع المدني وحظر لحرية التعبير ولأي شكل من أشكال النشاط السياسي.
تطور مجلس الإفتاء الإماراتي ليصبح أداة قوية بيد الدولة لفرض السيطرة محلياً وللقيام بالتواصل الاستراتيجي دولياً. لقد أصبح مجلس الإفتاء بقيادة العالم الصوفي الشيخ عبد الله بن بيه وسيلة سياسية يستخدمها النظام في أبوظبي لإعادة تشكيل الخطاب الإسلامي تأسيساً على سردية فارغة من "التسامح" الذي لا ينطبق إلا على من يخضعون للنظام وبكل هدوء ينصاعون سياسياً له.
وبذلك، وعلى الرغم من أن التسامح الحقيقي أمر يستحق الإشادة لدوره في مكافحة التطرف بكل أشكاله وأنواعه، إلا أن المفهوم الإماراتي للتسامح يبقى أجوفاً لأنه لا يتيح المجال لأي نقاش ديني مفتوح حول دور الإسلام السياسي والاجتماعي في القرن الحادي والعشرين.
ممارسة الدولة للقمع
بينما يزعم النمط الصوفي الإماراتي أنه ينزع السياسة عن الدين كوسيلة للاعتدال إلا أنه يناقض نفسه إذ يعيد تسييس الدين ليس كأداة في الحيز العام وإنما كأداة قمع بيد الدولة.
خذ على سبيل المثال البيان الأخير الذي صدر عن مجلس الإفتاء في الإمارات العربية المتحدة والذي أعلن أن جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، حيث يعتمد أساساً على مفهوم سياسي بامتياز يرتكز عليه ابن بيه وأتباعه، ألا وهو مفهوم ولي الأمر – أي الفكرة التي تقول بوجوب طاعة الحاكم السياسي.
يعتبر تفسير ابن بيه لهذه الطاعة في حد ذاته متطرفاً، حيث يفرض الوصاية على المواطنين العاديين ويسلم أمرهم بالكامل لنخبة حاكمة قوية ومتنفذة، سواء كانت من المستبدين الطغاة أو المستبدين المحسنين. وبهذا الشكل غدا ذلك التفسير لمصطلح ولي الأمر الأساس الديني للحملة التي ما لبثت تشنها الإمارات العربية المتحدة على الثورات الشعبية في العالم منذ انطلاق الربيع العربي.
وبذلك تتم شيطنة كل نشاط سياسي يجري خارج نطاق سيطرة الدولة، كما يتم تقويض المجتمع المدني في كل مظاهره، ويتم حظر كل أشكال المعارضة والتمرد. بل يرى البعض أن ذلك نجم عنه في الإمارات العربية المتحدة فراغ ديني يسمح بتأليه ولي العهد والحاكم الفعلي للدولة محمد بن زايد.
في المحصلة، غدت "الإسلاموية" التي كانت تشمل الحركات الإسلامية ذات التوجه الديمقراطي، مثل جماعة الإخوان المسلمين، النقيض التام للتفسير الإماراتي لمفهوم ولي الأمر.
عدو الأنظمة السلطوية
بسبب موقفها المعارض للقهر السياسي والظلم الاجتماعي والسلطوية، غدت جماعة الإخوان المسلمين بمختلف الطرق عدواً لدوداً للأنظمة السلطوية. ولقد فاقم من ذعر الأنظمة الحاكمة في الرياض وأبوظبي رؤيتها لأعضاء ومنتسبي هذه الحركة وهم يمتطون موجة الثورة التي اجتاحت المنطقة في عام 2011، وفي بعض الأحيان بمباركة غربية.
ما تمكن مجلس الفتوى الإماراتي التابع للدولة من إنجازه هو الدمج بين ما يبدو أنه نقاش ديني حول القيم والفضائل الإسلامية وسردية "التسامح" التي تصدرها الإمارات العربية المتحدة إلى الخارج والتي تقع بشكل متزايد داخل أرض خصبة في أوروبا والولايات المتحدة حيث ما فتئت الجماهير منذ عقدين من الزمن تتعرض للتخويف من البعبع الإسلامي.
لقد تمكنت أبوظبي من استغلال المخاوف الاستشراقية في الغرب لكي تصم "الإسلاموية" على أنها عبارة جامعة لكل أشكال التطرف الأيديولوجي الذي قد ينبثق من الإسلام. وبذلك غدت جماعة الإخوان المسلمين الاختيار المفضل لتكون النموذج الذي يشار إليه لرسم صورة لأسطورة بائدة من التواصل المستمر بين النشاطات الليبرالية من جهة وفرق الإعدام التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى.
إن القول بأن الناشط السياسي المحفز ديمقراطياً والذي يتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين يجد نفسه لا محالة على حزام متحرك ينقله إلى الجهادية السلفية يشبه القول بأن الليبرالية في أوروبا هي التي أفضت إلى النازية – باعتبار أن التيارين عبارة عن أيديولوجيتين غربيتين نشأتا من التنوير وتتمسكان بالقيم العلمانية.
استغلال المخاوف الغربية
إن دمج السرديات حول "الإسلاموية" بالسرديات حول "الإرهاب" بات جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية التواصل الإماراتية مع أوروبا والولايات المتحدة، والتي تستغل المخاوف الغربية وحالة الذعر التي سادت ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليس فقط من أجل تبرير السلطوية السياسية في الإمارات وإنما أيضاً من أجل تبرير السلطوية العنيفة في كل من ليبيا ومصر واليمن.
لقد تم بيع الاستراتيجية الإماراتية للثورة المضادة، بالجملة والمفرق، في الغرب كجزء من حملة مكافحة "الإرهاب" – وهي السردية التي ساعدت ماكرون في تبرير دعمه لوكيل الإمارات في ليبيا، خليفة حفتر.
كما تفيد هذه الاستراتيجية في تبرير ما يمارسه السيسي من قمع عنيف لكل أشكال المخالفة والمعارضة في مصر، كما توفر ذريعة لإقامة معسكرات التعذيب في اليمن من قبل وكيل الإمارات المحلي، المجلس الانتقالي الجنوبي.
وكما أن السرديات الإسلاموفوبية الناجمة عن الجدل الدائر حول الحريات المدنية والإسلام في أوروبا غير ليبرالية فإن التسامح الذي تروج له الإمارات العربية المتحدة في الداخل وعبر المنطقة أثبت أنه غير متسامح مع المجتمع المدني ولا مع التعددية الدينية أو السياسية.
ولذلك فإن ثمة خطراً متزايداً من أنه في ظل هذا التسامح الزائف لن يقتصر الأمر على تعزيز السلطوية بل سوف يشهد العالم ازدهاراً للأيديولوجيات المتطرفة التي تولد من رحم الحرمان والتهميش والإقصاء.
ميدل إيست آي
30 نوفمبر / تشرين الثاني 2020