صحافة دولية

بوليتيكو: المعركة الدبلوماسية الأولى لبايدن داخل البلد ج2

تقول طوسي إن  اليسار يطالب بمقاربة أكثر طهورية في السياسة الخارجية وذلك هو السؤال الذي يبقى مطروحاً على طاولة بايدن- أ ف ب
تقول طوسي إن اليسار يطالب بمقاربة أكثر طهورية في السياسة الخارجية وذلك هو السؤال الذي يبقى مطروحاً على طاولة بايدن- أ ف ب

تواصل صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، تسليطها الضوء على التحديات والفرص التي تواجه الرئيس القادم، جو بايدن، سواء على صعيد الوضع الداخلي أو الخارجي، وتشير الصحيفة في الجزء الثاني من المقال الذي كتبته نهال طوسي، محررة شؤون السياسة الخارجية والأمن القومي في "بوليتيكو"، إلى الخبرة التي يتمتع بها لمواجهة المشاكل الداخلية والخارجية.

 

وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن قلة من الشخصيات السياسية الأمريكية بإمكانها منافسة بايدن فيما تجمع لديه من خبرات دولية، فقد أمضى في السياسة عمراً مديداً مكنه من لقاء زعيم الصين الراقي الراحل دينغ زياوبينغ، وكذلك زعيمها الحالي زي جينبينغ الذي ينزع بشكل متزايد نحو السلطوية.

 

ولفتت طوسي إلى ما أسمته "حب بايدن للدعابة الشخصية وما يتمتع به من جاذبية"،  والتي بسببها سيقدم نموذجاً مقابلاً لأوباما الذي كثيراً ما كان الزعماء الأجانب يجدونه بارداً وشديد التركيز على ما هو منهمك فيه من شأن.

 

الجزء الأول : بوليتيكو: بايدن يحاول إرضاء التقدميين خارجيا.. مصر نموذجا- ج1

 

وتاليا النص الكامل للجزء الثاني من مقال طوسي:

 

ما من شك في أن المدة الطويلة التي قضاها بايدن في العمل السياسي، وخاصة في عالم السياسة الخارجية، مدت خصومه وأنصاره على حد سواء بالكثير مما يمكن التنقيب عنه، سواء من السنوات التي قضاها في مجلس الشيوخ، حيث ترأس لجنة الشؤون الخارجية، أو خلال عمله نائباً للرئيس.

 

وبسبب السنوات الطويلة التي قضاها في مناصب حكومية فإن من الصعب بلورة ما يمكن أن يطلق عليه "عقيدة بايدن"، لأنه في كل مرة يشير المرء فيها إلى نموذج ما، سيجد باستمرار نموذجاً معارضاً له.

 

فلقد صوت بايدن ضد حرب الخليج الأولى التي أخرجت صدام حسين من الكويت، ولكنه صوت لصالح القرار الذي منح الصلاحية للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

 

وفي تسعينيات القرن الماضي أيد الضربات الأمريكية بالتعاون مع الناتو لوضع حد للمذابح في البوسنة والهرسك، ولكنه في القرارات الخاصة بالربيع العربي في عام 2011 عارض التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا قائلاً إن الولايات المتحدة لم يكن لديها مصلحة أمنية قومية معتبرة هناك ولا ينبغي أن تخوض غمار صراع آخر في الشرق الأوسط.

 

يقول المراقبون إن لدى بايدن ذهنية ليبرالية عولمية وسطية تطورت منذ التسعينيات من الاعتقاد الراسخ بقدرة أمريكا على تشكيل العالم وصولاً إلى قناعة أكثر تواضعاً بأن الولايات المتحدة ذات قدرة محدودة في ذلك المجال. 


يقول آيفو دالدر، رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية: "إنه ذلك المنحنى الذي عبر من خلاله كثير من الناس: المبالغة في التقدير، ثم الصحوة من الغفلة، ثم توخي المزيد من الحذر." 

أما وقد قيل ذلك، فإنه لا يقصد به أن بايدن يستدير باتجاه الانعزالية. بل هو ممن يشيدون بفضائل التحالفات الدولية، وهي الخاصية التي تميزه عن ترامب.

 

وبينما تعهد بتخصيص موارد أكثر للدبلوماسية إلا أنه أشار إلى أنه لن يخفض أو يحرق ميزانية البنتاغون (وزارة الدفاع).

 

وبينما قد يعمد بايدن إلى سحب القوات المحاربة من بلدان مثل أفغانستان، فمن المتوقع أن يُبقي على بعض القوات الخاصة هناك للمشاركة في الحرب على الإرهاب. بمعنى آخر، لن نشهد في عهده نهاية لشعار "الحروب الأبدية". 

من المميزات البارزة لخطة بايدن في السياسة الخارجية والتي ينبغي أن تدخل السرور إلى نفوس الكثير من التقدميين هو تركيزها المكثف على القضايا المحلية والاقتصادية.

 

فتحت مظلة السياسة الخارجية، شمل بايدن أهدافاً مثل إعادة الاعتبار لقانون حق الاقتراع، وإنهاء الممارسة التي تعتمد شركات الواجهة المجهولة، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً – والفكرة من ذلك أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تواجه التحديات الاقتصادية والديمقراطية التي أمامها إذا أريد لها أن تملك القوة التي تؤهلها لقيادة العالم.

 

كما يؤكد بقوة على الحاجة إلى نشر الديمقراطية في الخارج، وهي خاصية أخرى تميزه عن ترامب. كما يعد بايدن باستخدام جبروت أمريكا التجاري، مثالياً من خلال الشراكة مع نظيراتها الديمقراطيات، من أجل صياغة قواعد الطريق المستقبلي حول كل شيء من البيئة إلى العمل إلى التجارة إلى الشفافية، ومن الحد من انتشار السلاح النووي إلى مكافحة السرقات السيبرية، ومن خصوصية البيانات إلى الذكاء الصناعي.

لم يكن بايدن أول منافس على الرئاسة يتحدث عن مفهوم "بناء الأمة داخل الوطن" – بل تحدث عن ذلك أوباما وكذلك ترامب.

 

إلا أن بايدن ومساعديه يتحدثون عن الأمر كما لو كانوا فعلاً يقصدونه، ويعدون بتجاهل الصوامع العتيقة وبالتعامل مع السياسات الخارجية والمحلية والاقتصادية كما لو كانت من حيث الأساس كياناً واحداً.

 

يرى بعض مفكري السياسة الخارجية من التقدميين أن هذا أمر لا مفر منه، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن خصوم الولايات المتحدة مثل الصين يحولون قوتهم الاقتصادية إلى سلاح من أجل صياغة علاقاتهم السياسية مع البلدان الأخرى.

 

كما يؤكدون كذلك على أن التقدميين لن يتسامحوا مع تبريرات السياسة الخارجية للسياسات الاقتصادية (بما في ذلك الصفقات التجارية) التي تفاقم من انعدام المساواة في الولايات المتحدة.

 

ويقول التقدميون إن جائحة فيروس كورونا جعلت الناس يدركون إلى أي مدى تتداخل السياسة الصحية وتترابط مع الشؤون الدولية ومع الاقتصاد العالمي.

 

وبينما يقول التقدميون إنهم لن يسترخوا ويكتفوا بفوز بايدن، فثمة أمل، في ضوء المشاعر المتنامية لدى الجمهور ضد الاستمرار في المغامرات العسكرية خارج البلاد، بأن يتمكن بايدن من الوفاء بما وعد به من مقاربة تكاملية. 


اقرأ أيضا :  ماذا لو فاز ترامب بجورجيا؟.. وقائمة بالمناصب العليا لإدارة بايدن


في المحادثات الخاصة، يقول مساعدو بايدن إنهم يفهمون بأن العالم قد تغير وأن صيغاً جديدة باتت مطلوبة. بعض مستشاري بايدن، وبشكل خاص جيك سوليفان، المساعد السابق في شؤون الأمن القومي في إدارة أوباما وأحد كبار مساعدي هيلاري كلينتون خلال حملتها الانتخابية في عام 2016، كرسوا وقتاً طويلاً منذ تلك الخسارة الأليمة لدراسة سبل إيجاد صيغة تكاملية تدمج بين السياسات الخارجية والمحلية والاقتصادية.

 

وكان سوليفان، الذي لم يرد على طلب إجراء مقابلة معه للتعليق على الأمر، قد شارك في تأليف عدد من المواضيع، تحت عناوين مثل "أمريكا تحتاج إلى فلسفة اقتصادية جديدة" و"منافسة بلا نكبة"، التي تقترح رؤى بنفس تقدمي للتعامل مع الشرق الأوسط والصين والتمويل الأمريكي للأمن القومي. 

إن ميرفي واحد من الذين يقولون إنه على استعداد لمنح تلك الشخصيات من عهد أوباما فرصة لإثبات جدارتهم.

 

ويقول في ذلك: "من الواضح أنني أتطلع إلى رؤية وجوه جديدة في وزارة الخارجية وفي وزارة الدفاع وفي مجلس الأمن القومي، ولكنني أرى في نفس الوقت كم من الناس الذين كانوا يصنعون السياسة في إدارة أوباما غيروا بعضاً من رؤاهم.. لقد تفتحت بعض العيون لترى الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أوباما." 

وكما يقول كاسترو: "لقد تغير العالم كثيراً" منذ سنوات أوباما، وذلك لأسباب ليس أقلها الغلو الذي شوهد في عهد ترامب، ويقول: "تذكروا أننا في عهد الرئيس ترامب ابتعدنا كثيراً عن المنطلقات التي كانت سائدة في عهد أوباما."

قلة من الشخصيات السياسية الأمريكية بإمكانها منافسة بايدن فيما تجمع لديه من خبرات دولية، فقد أمضى في السياسة عمراً مديداً مكنه من لقاء زعيم الصين الراقي الراحل دينغ زياوبينغ وكذلك زعيمها الحالي زي جينبينغ الذي ينزع بشكل متزايد نحو السلطوية.

 

من خلال حبه للدعابة الشخصية وما يتمتع به من جاذبية، يقدم بايدن نموذجاً مقابلاً لأوباما الذي كثيراً ما كان الزعماء الأجانب يجدونه بارداً وشديد التركيز على ما هو منهمك فيه من شأن.

 

يقول مساعدو بايدن إنه يتمتع بسمت يتلاءم مع مقاربته للأمور، ويقولون في ذلك: "إن السياسة الخارجية بالمجمل ما هي سوى امتداد للعلاقات الشخصية."

كان المتحدث باسم حملة بايدن مايكل غوين يقول إن معارف بايدن في الساحة العالمية هم أحد الأسباب التي تميزه عن غيره وتجعله مؤهلاً لأن ينطلق بالولايات المتحدة بعيداً عن الفوضى التي أحدثها ترامب في سنوات حكمه، ولأن "يعيد بناء التحالفات والثقة بالولايات المتحدة، الأمر الذي طالما مكننا من أن نصبح أقوى دولة في العالم."

كان ترامب أيضاً يعير اهتماماً كبيراً لعلاقاته الشخصية مع الزعماء الأجانب، فقد اجتمع ثلاث مرات وجهاً لوجه مع كيم يونغ أون وما زال يتحدث بود ودفء عن زعيم كوريا الشمالية الاستبدادي على الرغم من أن الدبلوماسية النووية بين البلدين تراوح مكانها.

 

كما تجنب توجيه أي نقد مباشر للزعيم الصيني حتى حينما تردت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى الحضيض.

 

(من المؤشرات على تبدل السياسة أن بايدن الذي قال ذات يوم إن "صعود الصين أمر إيجابي، وتطور إيجابي" راح يصف زعيمها بالبلطجي ويتهم بيجينغ بالغش الاقتصادي وبارتكاب إبادة عرقية ضد مسلمي الإيغور.)

إلا أن أنصار بايدن يرون أن اهتمام ترامب بالعلاقات إنما ينطلق من "الأنا" لديه وليس من البحث عن المصلحة القومية.

 

أما بايدن، وعلى الرغم من استعداده لحفظ أسماء أحفاد الزعماء الأجانب، كما يقول أنصاره، فليس غافلاً عن فهم بلدانهم والتحديات التي يمكن أن تشكلها للولايات المتحدة.

 

وكان بايدن في الماضي قد تحدث عن خوض جولات شاقة مع الجميع من الزعيم الصربي سلوبودان ميلوزفتش (يقول بايدن إنه قال لميلوزفتش إنه "مجرم حرب لعين") إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يزعم بايدن أنه قال لزعيم الكريملين "أنظر في عينيك ولا أظن أن لديك روحاً.")

يقول دانييل راسيل، الذي عمل سابقاً مساعداً لأوباما حول آسيا ولم يكن جزءاً من حملة بايدن: "أجده واقعياً تماماً. إنه من النوع الذي لا تساوره أوهام حول التحديات التي أمامه.

 

لقد علم أن التعامل مع زي جينبينغ أو مع الحزب الشيوعي الصيني يشبه إلى حد كبير دحرجة صخرة من قعر الوادي إلى قمة الجبل.

 

ورأيت فيه أنه لا يتردد على الإطلاق في أن يكون صارماً ومباشراً مع نظرائه الصينيين. فهو يدرك أنه لا يوجد الكثير مما يمكن كسبه من المشي بحذر على أطراف الأصابع." 

إلا أن إدراك بايدن لطبيعة المصالح الأمريكية التي على المحك هو ما يجعل التقدميين يتعاملون بنوع من الريبة مع تعهداته بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

ففي خطابه الذي ألقاه في شهر أغسطس / آب وأعلن فيه قبوله للترشح عن الحزب الديمقراطي، بدا وكأن بايدن يقول إن الطغاة الذين لا يعملون مع أمريكا هم فقط من يحتاجون لأن يقلقوا، حيث قال: "سوف أكون رئيساً يقف مع حلفائنا وأصدقائنا. وسوف أوضح لأعدائنا بأن أيام مجاملة الطغاة قد ولت."

هذا يثير لدى التقدميين تساؤلا: ماذا عن حلفائنا من الطغاة؟

يشير مستشار في حملة بايدن إلى العديد من الأمثلة على انتقاد رئيسه للبلدان التي في شراكة مع الولايات المتحدة، مثل المجر وتركيا والمملكة العربية السعودية بسبب ارتكابها لمخالفات ديمقراطية وانتهاكات لحقوق الإنسان. يقول هذا المستشار إن بايدن "لن يتردد في مساءلة شركائنا عندما يخفقون في التمسك بالقيم التي نلتزم بها." 

ولكن الأمر في نهاية المطاف يتوقف على تعريف بايدن لمفهوم "المساءلة". 

في عام 2011 عندما انتفض المصريون ضد مبارك، انقسم مساعدو بايدن إلى معسكرين اثنين، على الأغلب حسب الأعمار.

 

أما الشباب، بزعامة مسؤولين في مجلس الأمن القومي مثل بن رودس، فحثوا أوباما على الوقوف إلى جانب الشارع وحمل مبارك على التنحي فوراً. وقالوا حينها إن شباب مصر ما كانوا ليغفروا لأوباما لو وقف ضدهم – ولا حتى التاريخ كان سيغفر له ذلك.

 

أما الشخصيات الأقدم خبرة في إدارة أوباما، مثل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع بوب غيتس، فحثوه على التريث والحذر، ليس لأنهم لم يريدوا لمصر أن تكون ديمقراطية – بل قالوا حينها إنهم يرغبون في رؤية "تغيير منظم" يمنح مبارك خروجاً مشرفاً.

 

وكانوا يأملون بأن تلك المقاربة الأبطأ وتيرة من شأنها أن تتيح أمام القوى السياسية الأخرى سوى جماعة الإخوان المسلمين الفرصة لتنظم نفسها.

 

في نفس الوقت، افترض أصحاب هذه الرؤية بأن مثل هذه المقاربة المدارة بعناية ستقنع مبارك بالتنحي في نهاية المطاف، وإن كان المتظاهرون ضده ما كانوا ليصدقوا بإمكانية حدوث ذلك. 

لم يكن بايدن مجاهراً أو مشاركاً بقوة في الجدل مثل غيره من كبار المسؤولين، وكان في كثير من الأحيان يكتفي بطرح الأسئلة بدلاً من التصريح بمواقف، وذلك بحسب ما يرويه بعض من كانوا يشاركون في النقاش الدائر حينذاك.

 

قليلون، إن وجدوا، هم من يعرفون ما الذي كان يسر به لأوباما. ومع ذلك، وخلال المناقشات وفي تعليقاته العلنية، كان بايدن بكل وضوح وبساطة غير راغب بالتخلي عن مبارك، الرجل الذي عرفه على مدى سنوات طويلة وكان، حسبما يقول، يتحدث معه بشكل دوري.

 

كان بايدن، وكذلك غيره من كبار المسؤولين، يرون في مبارك شريكاً مخلصاً لأمريكا، وشخصاً ملتزماً باتفاق السلام مع إسرائيل ومتعاوناً مع الولايات المتحدة، بما في ذلك في محاربة الإرهاب.

 

لم يكن الجيش الأمريكي ليساوره قلق بشأن المرور عبر قناة السويس طالما ظل مبارك في موقع المسؤول.

 

إضافة إلى ذلك، ومثله مثل من على شاكلته في مجموعة المسؤولين الأكبر سناً، عاش بايدن ما يكفي لأن يتذكر ما كانت عليه مصر قبل مبارك، حينما كانت موطناً للجماعات المتطرفة، كما أنه كان عضواً في مجلس الشيوخ حينما أسقطت ثورة شعبية حاكماً مستبداً مدعوماً من قبل الولايات المتحدة في إيران، وما أفضى إليه ذلك من قيام نظام حكم إسلامي قمعي وحالة من الفوضى العارمة في الإقليم. 

كان يثق بما كان يتحدث عنه مبارك من مخاطر ستنجم عن خلعه من منصبه، حيث كان مبارك يقول له "إما أنا أو جماعة الإخوان المسلمين."

 

يقول أحد المسؤولين السابقين في إدارة أوباما إن بايدن كان يصدق ذلك أكثر من الرئيس أو من كثير من المسؤولين الآخرين. 

لو عدنا إلى الوراء لوجدنا أن مخاوف بايدن لم تكن بلا أساس. فما لبثت جماعة الإخوان المسلمين أن فازت بالانتخابات التي أجريت بعد سقوط مبارك، مما أثار السخط بسبب إخفاقها في الوفاء بوعود تعهدت بها واتخذت خطوات بدت سلطوية بشكل متزايد.

 

وصل السيسي إلى السلطة بعد أقل من ثلاث سنين على سقوط مبارك في فبراير / شباط 2011. بكل المقاييس، أثبت السيسي أنه وبمراحل أشد قمعاً من مبارك، إذ لم يترك أحداً إلا سجنه من العاملين في المنظمات غير الحكومية إلى المدونين المعارضين إلى العاملين في المهن الطبية ممن يتحدثون عن أمور تتعلق بجائحة فيروس كورونا. 

من وجهة نظر اليسار، يعتبر دعم أمريكا للطغاة العرب وصمة عار وامتحاناً لأخلاق وقيم البلد. كثيراً ما يشير التقدميون إلى الدعم الذي يقدمه ترامب للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، والتي أدت إلى مقتل الآلاف وتولدت عنها أزمة إنسانية مرعبة، وذلك كنموذج للسياسة الأمريكية الفاشلة ناهيك عن نفاق الولايات المتحدة حول حقوق الإنسان.

 

يبدو أن هذا الرأي ترك أثراً على بايدن، الذي وعد بإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، بل لقد وصم الحكومة السعودية بالمنبوذة. 

وكل ذلك مجتمعاً هو السبب في أن تعليقاً نادراً لبايدن حول مصر، حينما وعد في تغريدة له بأنه لن يكون هناك المزيد من الشيكات على بياض للدكتاتور المفضل لدى ترامب، باتت تثير فضول النشطاء في معسكر اليسار.

كان ميرفي من بين أولئك الذين حثوا ترامب على تبني مواقف أكثر صرامة بشأن الأوضاع في مصر. إذ أن السيناتور من ولاية كونيكتيكيت لطالما ندد بالسيسي لما يمارسه من قمع وحشي، وطالب ترامب بتكييف المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر بحيث تصبح مشروطة باحترام حقوق الإنسان – ولن يتوانى عن مطالبة بايدن بنفس الأمر.

يقول ميرفي: "إذا مرت ستة شهور على إدارة بايدن وما زالت مصر تتصرف بنفس الطريقة التي هي عليها اليوم، لا أدري لم ينبغي أن تكون شريكاً أمنياً للولايات المتحدة."

عندما سئلوا ما الذي قصده بايدن بتغريدته تلك، قال المسؤولون الأمريكيون السابقون الذين يعرفونه جيداً إنهم يتوقعون أن ينهج طريقاً وسطاً، يكون فيه بعيداً عن ترامب وإلى اليسار قليلاً من أوباما، ولكن لن يقترب كثيراً مما يرغب التقدميون في رؤيته.

 

في حالة مصر، على سبيل المثال، لا يتوقع أن يغير بايدن من العلاقة بشكل جوهري من خلال قطع جميع المساعدات العسكرية أو حتى جزء كبير منها.

 

ولكنه ربما أصبح أكثر انتقاداً، وبشكل علني، للسيسي، وقد يرفض اللقاء به. ومع ذلك، تعتبر مثل هذه الأمور مهمة، حسبما يقول المسؤولون السابقون، لأن لغة الخطاب الأمريكي والمناورات الدبلوماسية التي تقوم بها الولايات المتحدة ما تزال ذات نفوذ كبير. 

هل سترضي مثل تلك الفروق الدقيقة اليسار الذي يطالب بمقاربة أكثر طهورية في السياسة الخارجية؟ ذلك هو السؤال الذي يبقى مطروحاً.

 

إلا أن الزعماء التقدميين يقولون إنهم على استعداد للاستمرار في الإلحاح على بايدن قدر ما هو ضروري رجاء أن يحولوه نحو الوجهة التي يرغبون في رؤيته يسير نحوها. 

يقول كاسترو، عضو الكونغرس من تكساس: "لا مفر من أن يقوم ببعض المهام في الأيام التي تلي انتخابه مباشرة، وكثير من ذلك سيكون في مجال تقييم الأضرار ثم العمل على إصلاح ما وقع من ضرر.

 

ما أعنيه بذلك هو أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، في ظني، حتى نصل إلى النقطة التي سيقول الناس عندها إننا بدأنا فعلاً في التحرك في اتجاه تقدمي." 

على كل حال، وكما كان يقول بومان، مرشح الكونغرس عن نيويورك: "عندما يكون ترامب هو البديل، فإن بايدن هو الخيار بلا منازع."

التعليقات (0)