هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتقد رئيس مجلس مسلمي أوروبا سمير الفالح بشدة الأعمال الإرهابية التي تجتاح فرنسا هذه الأيام، وأكد أن الإسلام والمسلمين أبرياء منها..
ورأى الفالح في حديث مع "عربي21" أن "مسلمي فرنسا يعيشون في ظل هذه الأوضاع تحديات مزدوجة، فالإرهاب يُمارس باسم دينهم والحرب على الإرهاب تصمهم"، مؤكدا أن الجزء الأغلب من المسلمين هم شركاء في المجتمع ومعنيون بمحاربة التطرف والإرهاب، وأن الواقع يشهد أيضا على أن المسلمين ومؤسساتهم يعملون على نزع فتيل التوتر ويسعون لعزل الأعمال الإرهابية ومن وراءها.
وفيما يلي النص الكامل للحوار:
س ـ كيف تقرأ تطور وضع العلاقة بين مسلمي فرنسا ودولتهم، مع هجوم نيس الذي استهدف كنيسة؟
ـ في البداية كل التضامن مع أهالي ضحايا هذا الهجوم الأرعن وكل الإدانة لمن يقف وراءه مهما كانت دوافعه. إن حياة الإنسان مقدسة وكل اعتداء عليها اعتداء على كل الإنسانية. أماكن العبادة هي أماكن طمأنينة وسلام وكل اعتداء عليها هو عمل مرفوض.
إن هذا الحدث سيزيد من أجواء القلق التي تسود المجتمع الفرنسي، ومسلمو فرنسا جزء منه، في الأيام الأخيرة والتي زادتها تصريحات بعض النخب وبعض وسائل الإعلام توتّرا.
مسلمو فرنسا يعيشون في ظل هذه الأوضاع تحديات مزدوجة، فالإرهاب يُمارس باسم دينهم والحرب على الإرهاب تصمهم (stigmatiser).
س ـ ما هي المسؤولية التي تقع على مسلمي فرنسا في مواجهة مثل هذه العمليات؟
ـ المسؤولية هي مسؤولية المجتمع بكل مكوناته، والمسلمون جزء منه. أعمال الإرهاب والاعتداء على النفس البشرية الآمنة تحقق أهدافها حين تنجح في زرع الفرقة والفتنة في المجتمع الواحد. يجب عزل مثل هذه الأعمال والوقوف صفا واحدا تجاهها. وإن ادّعى من يقوم بهذه الأعمال الإرهابية أنها باسم الإسلام فالإسلام والمسلمون منها براء، هذا ما يجب أن يُعلنه المسلمون بكل وضوح ولا يشككّ فيه الآخرون، وهذا ما يُقوّي المجتمع في دفاعه عن أمنه وسلامته والتعايش بين مكوناته.
س ـ تصدّر الرئاسة الفرنسية لما وصفه بـ "الإسلاموية" المتطرفة، هل هو عامل توتير أم يمكن أن يكون عامل حسم لمواجهة التطرف؟
ـ المُسميات تحمل معها في كثير من الأحيان فهوما مختلفة. الذي نؤكد عليه، وأكدت عليه أيضا الجهات الرسمية في فرنسا، أن المقصود ليس تعميم الخطاب ليشمل كل المسلمين، وإنما المقصود هو كل من يستعمل العنف والإرهاب. يجب التأكيد على هذا المعنى واعتبار أن الجزء الأغلب من المسلمين هم شركاء في المجتمع ومعنيون بمحاربة التطرف والإرهاب. الواقع يشهد أيضا على أن المسلمين ومؤسساتهم يعملون على نزع فتيل التوتر ويسعون لعزل الأعمال الإرهابية ومن وراءها.
س ـ يتحدث البعض عن أن السياسة الفرنسية الرسمية تجاه الإسلام هي سياسة أحادية الجانب.. أي أنها لا تقوم على حوار جدي مع ممثلي الأقلية المسلمة؟
ـ الحوار هو السبيل الأفضل لتجاوز ما تمرّ به فرنسا في علاقة بملف القوانين والإجراءات الجديدة لحماية المواطنين. كانت هناك لقاءات رسمية مع ممثلين عن المسلمين ولكننا نعتقد أنه يجب توسيعها أكثر، بل الأولى أن تكون حوارات مجتمعية، حيث أنها تتناول مفاهيم وقيما أساسية في المجتمع: اللائكية وعلاقة الدولة بالدين وحرية التعبير...
س ـ مرة أخرى يتمسك الفرنسيون بمطلب حرية التعبير، ويصرون على الاستمرار في نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام.. هل يتعلق الأمر بحرية التعبير أم بفعل سياسي يستهدف الإسلام والمسلمين؟
ـ لا أعتقد أن المشكل هو في مبدأ حرية التعبير، فالجميع متفق حوله، بل إن المسلمين أول المنادين به لأنهم يعلمون من خلال واقع البلاد الإسلامية ما معنى غياب هذه القيمة.
يبقى أن الإشكال هو حين يتسبب ذلك في المساس بمقدسات الآخرين كيف نتعامل معه. إن القيم المشتركة في المجتمعات يجب أن تؤخذ مجتمعة... فإذا كانت حرية التعبير تصل إلى المسّ بالمقدسات وبالتالي الإساءة إلى جزء من المجتمع حينها يكون هناك مسّ بقيمة أخرى وهي الأخوة (fraternité)، وأعتقد أن دور السياسة هو التحكيم والحفاظ على القيم المجتمعية مجتمعة.
س ـ ما هي أفضل السبل الممكنة لتهدئة الأوضاع في فرنسا خاصة وفي أوروبا بشكل عام، في الصلة بالإسلام والمسلمين وواقعهم الذي يعيشونه؟
ـ المسلمون لا يطالبون بمعاملة متميزة ولا حقوق زائدة، هم يطالبون فقط بالمواطنة وما تعطيهم من حقوق وتفرض عليهم من واجبات. عقد المواطنة هو الذي يجمع الجميع. في علاقة بالدين، كل الدساتير الأوروبية تضمن حق ممارسة التدين. لو التزم الجميع بهذا الإطار نحقق خطوات عملاقة نحو مجتمعات تعيش في كنف الهدوء والأمان في فرنسا وفي كل أوروبا. أما خطاب اليمين المتطرف والخطاب الشعبوي الذي ليس له مادة إلا الأجانب عموما والمسلمين خصوصا، فإنه كالمنبت لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع.
س ـ من المسؤول عن إشاعة خطاب الكراهية في أوروبا برأيك؟
ـ الذين يقومون بأعمال إرهابية باسم الدين يشيعون الكراهية والتوتر داخل المجتمع، والذين يتلقفون هذه الأعمال ولا يفرقون بين من قام بها وبين الجمهور العريض من منتسبي ديانته يحدثون شرخا في المجتمعات ويزيدون من تغذية الكراهية والعنصرية. هؤلاء وهؤلاء يجب التصدي لهم من طرف أهل الرشد، وهم ليسوا بقلّة.
س ـ تصاعد الخطاب الراديكالي في أوروبا، هل يمس الخطاب الإسلامي فحسب، أم هذا رد فعل عن خطاب راديكالي علماني؟
ـ الراديكالية ليست خصوصية دينية، بل هي بالأساس أيديولوجية تتغطى بالدين أحيانا وبأفكار أخرى في أحيان أخرى.
الفعل وردّ الفعل حقيقة ولذلك يجب أن تكون المعالجة وقائية بتجنب الفعل ابتداء. وهذا يشترك فيه الجميع، المسلمون برفض من له خطاب يرتدي عباءة الدين وتشوبه الراديكالية ورفض الآخر، وأصحاب الخطاب العلماني الراديكالي باحترام التدين وعدم إقصاء المسلمين كجزء من المجتمع.
س ـ من تعتقد أنه يمكن أن يمثل الجهة الإسلامية في أوروبا؟
ـ الحديث عن التمثيلية في عصر العولمة تدخل فيه اعتبارات عدة، اليوم يمكن لشخص له حساب في وسائل التواصل الاجتماعي له متاعون كثيرون أن يتصرف وكأنه يمثل العالم كله... ولكن رغم ذلك أعتقد أننا في "مجلس مسلمي أوروبا" لنا من التاريخ والحضور والانتشار الميداني ما يجعلنا نزعم أننا نعكس رأي وموقف عدد لا بأس به من مسلمي القارة الأوروبية، من دون أن يدفعنا ذلك إلى القول بنظرية "الممثل الوحيد والشرعي...". الأهم هو حرصنا على الانفتاح والتنسيق والعمل مع كل من نشترك معه في حمل هموم الوجود الإسلامي في أوروبا وتطلعاته... وهم كُثر والحمد لله.