سلطت صحيفة "
واشنطن بوست" الضوء على تصاعد عمليات تنظيم
الدولة في أفريقيا وذلك بعد إعلان ترامب هزيمة التنظيم بنسبة 100%.
وقالت الصحيفة في تقرير لها ترجمته "عربي21" إن مجموعة مقاتلين
تابعين لتنظيم الدولة يحملون أعلاما سوداء قاموا في الخامس من آب/ أغسطس الماضي بشن
هجوم بري وبحري جريء على مدينة موكيمبوا دا برايا في شمال موزمبيق. وخلال أقل من أسبوع
هزموا القوات الحكومية وسيطروا على المدينة بشكل تام وأعلنوها عاصمة لولاية إسلامية
جديدة.
وبعد أيام، عاثت مجموعة أخرى من المسلحين في حديقة حياة برية للزرافات
في منطقة كوري في النيجر على بعد 35 ميلا من العاصمة. وكانوا يطلقون النار من دراجاتهم
النارية وقتلوا ثمانية أشخاص بما فيهم ستة عاملين إنسانيين فرنسيين.
الهجومان على جانبي القارة هما من بين العديد من الهجمات التي تهز القارة
في ما يسميه الخبراء عام "انطلاق المجموعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة"،
بعد أقل من عامين من سقوط دولة التنظيم في العراق حيث يحاول التنظيم العودة في أفريقيا
وهو ما يحمل تداعيات خطيرة لمنطقة تعاني من الفقر والفساد وفيروس كورونا المستجد.
وهناك على الأقل ثلاث حالات تمرد "إسلامية" في مناطق واسعة
من صحراء سيناء إلى الأدغال غربي حوض بحيرة تشاد إلى قرى المحيط الهندي وجزر المنتجعات
في الجنوب الشرقي.
وتعكس هذه القفزة في الهجمات، وفق الصحيفة، تزايدا مستمرا وإن كان أقل
درامية في هجمات
تنظيم الدولة في سوريا والعراق التي يقف خلفها مقاتلون من التنظيم
استطاعوا التسلل بعد هزيمة التنظيم وتجمعوا الآن ثانية.
وتهدد عودتهم بتقويض وجه من وجوه خطاب ترامب للناخبين: وهو زعمه المتكرر
بالانتصار على تنظيم الدولة. ومع أن ترامب ترأس المراحل الأخيرة من الحملة العسكرية
لتدمير التنظيم إلا أن الجهود لاحتواء المجموعة وفكرها العنيف ترنحت، بحسب مسؤولين
سابقين وحاليين في مكافحة الإرهاب ومحللين مستقلين.
ويأتي هذا التصعيد في العنف بينما تتحرك إدارة ترامب باتجاه تخفيض عدد
القوات الأمريكية المنشورة وتهدد بقطع الدعم عن الحكومات التي هي في الخطوط الأولى
ضد "المتطرفين الإسلاميين".
وينظر البيت الأبيض في تخفيضات أكبر لعدد القوات الأمريكية في أفريقيا
بالرغم من تحذيرات المحللين الذين يقولون إن التخفيضات قد تعرقل جهود وقف تقدم "المتطرفين".
وقال روبرت ريتشر، مدير العمليات خلال رئاسة جورج بوش الابن:
"تنظيم الدولة لم يمت، لقد دمرنا الخلافة ولكنهم يظهرون الآن في مناطق عدة. وفي
الوقت نفسه فإن التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة لم يعد موجودا فعلا".
ونوه ترامب بنجاحاته في مكافحة الإرهاب في كل تجمع انتخابي، وعادة ما
يشير إلى تنظيم الدولة بفعل الماضي. وقال في خطابه لقبول الترشيح في المؤتمر الوطني
الجمهوري: "لقد قضينا على خلافة تنظيم الدولة 100 بالمئة".
ولكن المسؤولين يقولون إن التهديد انتقل إلى مناطق أخرى وبأشكال أخرى.
وخلال الثمانية عشر شهرا منذ سقوط آخر معقل للتنظيم في سوريا فقد حققت المجموعات المنتمية
له في أفريقيا تقدما كبيرا من حيث الأراضي والتجنيد إضافة إلى قوة السلاح، بحسب دراسة
نشرت في آب/ أغسطس في دورية "CTC Sentinel"
التي تصدر عن "مركز محاربة الإرهاب" في ويست بوينت.
وقال تشارلي ونتر، كبير الباحثين في المركز الدولي لدراسة التطرف في
جامعة كنغز في لندن والذي شارك في كتابة التقرير: "بدلا من التمرد الانتهازي غير
المتماثل، أصبحت هناك مجموعات مقاتلين كبيرة تهاجم أعدادا كبيرة من الجنود، مستخدمين
أسلحة شبيهة أو أفضل من تلك التي يحملها الجنود، وأظهروا مقدرة جيدة على المناورة".
وعندما كان مرشحا للرئاسة عام 2016 وعد ترامب بهزيمة سريعة ومدوية لتنظيم
الدولة ووعد خلال المقابلات والتجمعات الانتخابية بالقيام بـ"قصف سجادي"
لأجزاء من العراق وسوريا كان يسيطر عليها التنظيم.
وبعد انتخابه قام مستشاروه في البيت الأبيض بتبني نفس استراتيجية إدارة
أوباما التي كانت قد وضعت عام 2014 مع تعديلات طفيفة. ومدعومة من تحالف من 80 بلدا قامت
أمريكا بتوفير الدعم الجوي والمعلومات للقوات العراقية والمقاتلين الأكراد والعرب في
سوريا الذين حرروا البلدات التي كان يسيطر عليها التنظيم الواحدة بعد الأخرى. وعندما
وصل ترامب إلى الرئاسة عام 2017 كان قد تم تحرير نصف المناطق التي يسيطر عليها التنظيم
في سوريا والعراق.
وحظيت إدارة ترامب للحرب بإشادة خبراء مكافحة الإرهاب وكذلك جهد الإدارة
في العثور على زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي وقتله، وقد فجر نفسه عندما حاصرته
قوات أمريكية خاصة في تشرين أول/ أكتوبر 2019.
وقال بروس ريديل، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية وكبير
المستشارين لأربعة رؤساء أمريكيين: "أكبر نجاح لنا على مدى الاثنتي عشر سنة الأخيرة
هو الطريقة التي خلقنا فيها أزمة قيادة في حركة الجهاديين عالميا، بالقيام بقتل كل
زعيم كبير.. لقد أصبحنا جيدين بشكل كبير في ما يصفه العاملون في مكافحة الإرهاب 'قطع
الرأس'".
ولكن حتى مع قيام القوات الأمريكية والمتحالفة في تضييق الخناق على
أتباع البغدادي في العراق وسوريا، فقد تسببت سياسات أخرى للبيت الأبيض في تقويض الجهود
لهزيمة الفكر المتطرف على مستوى العالم، بحسب ريديل وغيره من خبراء مكافحة الإرهاب.
وكان ترامب قد فاجأ مستشاريه الأمنيين بالإعلان مرتين –ثم العودة عن
ذلك– عن قرار بالانسحاب أحادي الجانب من سوريا، وما انطوى عليه من تخل عن المقاتلين
الأكراد المتحالفين مع أمريكا والذين كانوا لا يزالون يقاتلون مئات مقاتلي تنظيم الدولة
الذي فروا عندما كانت دولتهم تنهار.
وقال ريديل إن خطاب ترامب المعادي للإسلام ومنع هجرة المسلمين منح المتطرفين
انتصارا دعائيا حيث أكد "رسالة القاعدة الأساسية وهي أن أمريكا معادية للإسلام".
وأضاف: "وكان ذلك سيعود شبحه ليلا.. فقد نكون قد جعلنا من الصعب
عليهم العمل ولكن رسالتهم لا تزال قوية جدا جدا، ونحن لا نفعل شيئا لنحارب تلك الرسالة".
وحتى قبل موت البغدادي كان تنظيم الدولة قد بدأ يتأقلم مع الظروف المتغيرة.
فقد بدأ المقاتلون تحت قيادة الزعيم السابق بالتحول من تنظيم يقوم بالسيطرة على الأراضي
ويحكمها إلى تمرد يعمل تحت الأرض. وفي آخر رسالة فيديو للبغدادي قام بتمرير المشعل
المجازي لـ"الولايات" المختلفة لتقوم بلعب دور أبرز في قيادة التنظيم عالميا.
ولكن القوة التي أظهرتها المجموعات المنحدرة من التنظيم في أفريقيا
بعد عام من وفاته كان ربما سيفاجئ البغدادي نفسه.
والأكثر إثارة هو نمو المجموعات الإسلامية في غرب أفريقيا التي تعمل
فيها مجموعتان منتميتان لتنظيم الدولة وأخرى للقاعدة تعمل كلها وأحيانا تتنافس في مالي
والنيجر وبوركينا فاسو.
ومع أن الإسلاميين كانوا ينشطون في المنطقة على مدى سنوات طويلة إلا
أن المشكلة تفاقمت في العامين الماضيين. فتسبب العنف في المنطقة بمقتل 4825 شخصا عام
2019 –وهو الأعلى منذ عقد على الأقل بحسب مشروع بيانات الأحداث والنزاع المسلح. ومع
حلول شهر تشرين أول/ أكتوبر هذا العام فقد وصل عدد الضحايا إلى 5365 شخصا ما يجعل عام
2020 يفوق سابقه.
وتقول منظمات حقوق الإنسان
إن قوات الأمن الحكومية التي تقوم بقتل المدنيين خلال ملاحقتها للمتطرفين جعلت الأمر
أسوأ.
وما يخيف أيضا قيام المجموعات المتطرفة بهجمات بالقرب من المدن الكبيرة
والتقدم في الدول الساحلية. وقامت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المنتمية
للقاعدة بمهاجمة موقع للجيش في الحدود الشمالية لساحل العاج وقتل في الهجوم 14 جنديا
في أول هجوم في البلد منذ أربع سنوات.
وفي نفس الوقت فقد تسببت مجموعتان منتميتان لتنظيم الدولة، هما "تنظيم الدولة
في غرب أفريقيا" و"تنظيم الدول في الصحراء الكبرى"، بمقتل مئات الجنود بينما يعلنون عن سيطرتهم على مناطق
نائية في النيجر وولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا.
وتحولت الحدائق الوطنية إلى مناطق حرب، فبالإضافة إلى الهجوم على حديقة
الزرافات في النيجر هاجم المتطرفون محمية للحياة البرية في بوركينا فاسو ما اضطر الحراس إلى مغادرة مواقعهم.
واضطر العنف أكثر من 600 ألف شخص إلى الهروب من بيوتهم وتدمير أو إغلاق
3600 مدرسة بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
وفي وقت سابق من العام بدا وكأن هناك مؤشرات تعاون بين القاعدة وتنظيم
الدولة المتنافستين أصلا، أو على الأقل تجنب الاقتتال، بينما يسعى أتباع كل منهما للسيطرة
على الأراضي. ولكن هذا السلم الظاهر بدأ يتلاشى في الأشهر الأخيرة وترى كل من المجموعتين
الأخرى على أنها منافسة لها، بحسب المحللين.
وقال مسؤول شمال أفريقي عن مكافحة الإرهاب بشرط عدم ذكر اسمه:
"تنظيم الدولة والقاعدة في المنطقة يقتتلان بشأن السؤال ’من هو عراب الجهاد في
غرب أفريقيا؟‘".
كما أن قيام مجموعة تنتمي لتنظيم الدولة على الساحل الجنوب الشرقي لأفريقيا
كان حدثا دراميا أيضا. فقامت مجموعة تدعو نفسها "الدولة الإسلامية لولاية وسط
أفريقيا" بإعلان مسؤوليتها عن عشرات الهجمات على بلدات وقرى في شمال موزمبيق بما
في ذلك جزر سياحية يفضلها المشاهير.
وبدأت أمريكا تستخدم الطائرات المسيرة في تشرين ثاني/ نوفمبر من قاعدة
في منطقة أغاديز الصحراوية في النيجر. ويعمل في القاعدة، التي تصل مساحتها إلى 17 فدانا والتي استغرق بناؤها أربع سنوات وكلفت حوالي 110 ملايين دولار، مئات الجنود الأمريكيين.
ويركز الجنود وشركاؤهم المحليون على المراقبة ومهمات جمع المعلومات.
إلا أن مسؤولين في البنتاغون يعترفون بأنهم يفكرون بخطط للانسحاب من
غرب أفريقيا في انتظار نتائج مراجعة المواقف الأمريكية الخارجية التي أمر بها وزير
الدفاع مارك إسبر.
وقد حث زعماء غرب أفريقيا والحلفاء الأوروبيون أمريكا على البقاء، حيث
قالوا إن المعلومات والتدريبات التي يوفرها الجيش الأمريكي ضرورية جدا لمكافحة التطرف.