هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ليس صحيحاً أن الموقف العربي قد تحول حيال فلسطين وتحول العرب نحو التطبيع مع الاحتلال وإقامة علاقات معه، فلا يزال المطبعون هم الذين يغردون خارج السرب، ولا زالت فلسطين في قلوب أحرار الأمة، ولا زال الاحتلال والعدوان مرفوضاً من كل العرب من محيطهم الى خليجهم، ومن يعتقد خلاف ذلك فهو واهم.
حتى النظام الرسمي العربي لا زال في مجمله داعماً للفلسطينيين مؤيداً لهم ورافضاً للاعتراف باسرائيل والتطبيع مع الاحتلال، وما حدث في الجامعة العربية لا يعني مطلقاً أن المطبعين استطاعوا إفساد العالم العربي، لا بل إنهم أفسدوا الجامعة العربية فقط بأموالهم المسيسة، وهي الجامعة التي يعرف الصغير قبل الكبير والمجنون قبل العاقل في بلادنا أنها ليست مستقلة وأنها مجرد مكتب تابع لوزارة الخارجية المصرية.
ثمة العديد من المواقف العربية التي تستحق الاشادة والثناء بسبب استمرارها في التمسك برفض الاعتراف باسرائيل ورفض التطبيع مع الاحتلال، وهي مواقف تعبر عن ضمير الأمة الذي لا زال حياً، وتعبر عن فشل مشاريع التسويق للتطبيع ومشاريع تجميل صورة الاحتلال في عالمنا العربي، فضلاً عن أن رفض الشارع العربي لهذا التطبيع كشف فشل "الجيوش الالكترونية" المستأجرة التي توظفها دول التطبيع من أجل التسويق لقضايا خاسرة، إذ أن "الذباب الالكتروني" قد ينجح في حرف البوصلة ببعض القضايا لكنه يفشل في القضايا المصيرية التي تمس بالأمة مثل قضية فلسطين.
لا نستطيع سوى الانحناء احتراماً وإجلالاً للكويت بشعبها وبرلمانها وأميرها وهي التي تتمسك برفض الارتماء في الحضن الصهيوني، وتُفضل الوقوف في صف شعوبنا العربية على أن تكون مجرد أداة في الحملة الانتخابية لدونالد ترامب الذي يطمح للتجديد أربع سنواتٍ إضافية في البيت الأبيض.. والسؤال الذي لطالما ساقه الكثيرون خلال الأيام الماضية هو: لماذا تختلفُ الكويت وكيف استطاعت الاستقلال بقرارها؟
جواب السؤال ليس معقداً، فالكويت هي واحدة من دول عربية قليلة تضم برلماناً منتخباً بطريقة ديمقراطية وحرة ويمثل إرادة الشعب، ولذلك فان رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم يتحدث بضمير الأمة لا بمصالح الطبقة الحاكمة، وتبعاً لذلك فثمة نظام سياسي لا يتجاهل شعبه وثمة شعب يُملي على حكومته ما يريد.
والكويت ليست وحدها، فالجزائر والمغرب وتونس ودول عربية عديدة ترفض التطبيع مع الاحتلال، وقد أعلنت جميعها مواقف مشرفة تستحق الاحترام والتقدير والاشادة، هذا فضلاً عن أن الشارع العربي من محيطه الى خليجه لا زال يرفض الاعتراف باسرائيل والتسليم باحتلال فلسطين، وهو الضمير الجمعي الذي لا يخيب للأمة.
حتى السودان التي انكشف نظامها العسكري الجديد وتبين أنه يساوم حالياً من أجل الاعتراف باسرائيل مقابل الحصول على مساعدات مالية ورفع اسمه من قوائم الارهاب الأمريكية، حتى هناك فلم يبقَ أية قوة سياسية ولا حزبية ولا نقابية ولا شعبية إلا وأعلنت رفضها التطبيع مع الاحتلال، وقد عبر عن هذا الموقف الرافض بوضوح الزعيم السوداني المعروف الصادق المهدي الذي يتزعم حزب الأمة واسع الانتشار والذي يحظى بشعبية واسعة في البلاد.
وكيف يُمكن لأحد أن يُصدق بأن السودان يتغير مزاجه وموقفه السياسي بين عشية وضحاها من أجل المال فقط، وهو الذي كان بحكومته وشعبه أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية ولصمود الفلسطينيين منذ بدء نكبة فلسطين في العام 1948 وحتى يومنا هذا؟!
خلاصة القول هنا هو أن العرب لم يفقدوا بوصلتهم ولم يتغيروا كما يظن البعض، بل لا زال ضمير الأمة حياً ولا زالت البوصلة هي فلسطين، وقد لمسنا ذلك مراراً كلما شن الاحتلال حرباً على غزة حيث كانت قضية فلسطين هي القاسم المشترك الأكبر دوماً للعرب.. لكن ما حدث هو أن ثمة أنظمة سياسية أرادت التطبيع استجابة لترامب وصهره وقررت الخروج عن الاجماع وتحاول أن توظف جيوشها الالكترونية في تصوير أن الرأي العام قد تغير.. وستفشل حتماً في ذلك، لأن ضمير الأمة لا يمكن تزويره.