هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وصفت بأنها واحدة من أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، ورغم حجم الموت والكراهية التي تمارس ضدهم من الحكومة والجيش والرهبان البوذيين في ميانمار، إلا أنهم في طي النسيان وعدم الاكتراث من قبل الدول والمنظمات المؤثرة في العالم.
لا شيء يذكر العالم بمأساتهم التي
ربما مضى عليها أكثر من 60 عاما سوى بيانات متفرقة ومبعثرة من قبل الأمم المتحدة
ومنظمات حقوق الإنسان، وإدانات دولية تبقى حبرا على ورق، وتحفظ في الأرشيف وعلى
الرفوف.
يعيش شعب "الروهينغا" بشكل
رئيسي في ولاية راخين (أراكان) في ميانمار (بورما سابقا).
يقول "الروهينغا" عن
أنفسهم بأنهم أحفاد التجار العرب الذين استقروا في المنطقة منذ أكثر من 1000 عام.
رغم أن مؤرخين لا يوافقون على ذلك ويؤكدون بأن أجداد الأغلبية الساحقة من المسلمين
في "راخين" هاجروا من البنغال في جنوب بنغلاديش، ويتفق سياسيون على
أن "الروهينغا" لا تستخدم
كمصطلح عرقي بل كمصطلح سياسي.
ومن المعروف أن المسلمين عاشوا في
المنطقة المعروفة الآن باسم ميانمار منذ أوائل القرن الثاني عشر، وقالت منظمة
"روهينغا أراكان الوطنية" إن "الروهينغا يعيشون في أراكان منذ وقت
سحيق". وحسبما ذكر معهد الشرق الأوسط، فإن أول ظهور لمصطلح
"الروهينغا" كان في عام 1799.
ويوجد نحو 1.1 مليون مسلم يعيشون في
هذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا.
واعتادت الحكومات المتعاقبة في
ميانمار على القول إن "الروهينغا" ليسوا جماعة عرقية فعليا، وأنهم في
واقع الأمر مهاجرون بنغال يعتبرون بمثابة أحد آثار عهد الاستعمار المثيرة للجدل.
وقالت "هيومن رايتس ووتش"
في تقرير صدر عام 2000، إنه بعد الاستقلال عن بريطانيا، اعتبرت الحكومة في ميانمار
الهجرة التي وقعت خلال الحكم البريطاني من دول الجوار "غير شرعية" وعلى
هذا الأساس ترفض منح المواطنة لغالبية "الروهينغا". ورفضوا الاعتراف
بمصطلح "روهينغا" باعتباره "اختراعا حديثا أنشئ لأسباب
سياسية".
اقرأ أيضا: صور أقمار صناعية تظهر إبادة قرية لمسلمي الروهينغيا
فبعد استقلال ميانمار عام 1948، سمح
القانون لأولئك الذين عاشت أسرهم في ميانمار لمدة لا تقل عن جيلين بتقديم طلبات
للحصول على بطاقات الهوية.
وقد منح "الروهينغا" في
البداية بطاقات الهوية تلك أو حتى المواطنة بموجب الشرط المتعلق بالعيش في البلاد
لفترة جيلين. وخلال هذا الوقت، عمل العديد من "الروهينغا" أيضا في
البرلمان.
بعد الانقلاب العسكري في ميانمار عام 1962، تغيرت الأمور بصورة كبيرة. وبات مطلوبا من جميع المواطنين الحصول على بطاقات تسجيل وطنية. غير أن "الروهينغا" لم يمنحوا سوى بطاقات هوية أجنبية.
ولم تعترف الحكومة بـ"الروهينغا" من بين الجماعات العرقية الرسمية البالغ عددها 135 في البلاد، فقد
حرموا من الحصول على مواطنة ميانمار منذ عام 1982، الأمر الذي جعلهم عديمي
الجنسية. ولا يسمح لهم بالمغادرة دون إذن من الحكومة. ويعيشون في واحدة من أفقر
الولايات في البلاد، وتشبه مخيماتها "الغيتو" وتعاني من نقص الخدمات
والفرص الأساسية، وفقا لتقرير إعلامية وأممية.
ونتيجة للقانون، ظلت حقوقهم في
الدراسة، والعمل، والسفر، والزواج، وممارسة شعائرهم الدينية، والحصول على الخدمات
الصحية، مقيدة. فلا يمكن لـ"الروهينغا" التصويت، وحتى لو نجحوا في
اجتياز اختبارات المواطنة، يجب أن يعرفوا بكونهم "مجنسين"، بدلا من
كونهم "روهينغا". وفرضت عليهم قيودا في ما يتعلق بدخولهم بعض المهن مثل
الطب والقانون، أو الترشح للمناصب المهمة.
وبسبب العنف والاضطهاد المستمرين،
فقد فر مئات الآلاف من "الروهينغا" إلى البلدان المجاورة مثل بنغلاديش
بالإضافة إلى ماليزيا وتايلاند ودول جنوب شرق آسيا الأخرى على مدار عقود عديدة.
أما من بقي في ميانمار، فيواجهون السخرة، وليس لديهم الحق في امتلاك الأراضي،
وتفرض عليهم قيود شديدة.
اقرأ أيضا: دول أوروبية تدعو ميانمار لضمان عودة آمنة للروهينغيا
وخلال حملات القمع، أكد اللاجئون في
كثير من التقارير الدولية حالات اغتصاب، وتعذيب، وحرق متعمد، وقتل على أيدي
قوات الأمن في ميانمار. وفي عام 2013، قالت "هيومن رايتس ووتش" إن
ميانمار تقوم بـ"حملة للتطهير العرقي" ضد "الروهينغا". وقد
نفت الحكومة هذه الاتهامات باستمرار.
وفي عام 2016، اتهم مسؤول في الأمم
المتحدة، حكومة ميانمار بتنفيذ "تطهير عرقي" ضد مسلمي
"الروهينغا". وبلغت حملة التطهير العرقي ذروتها عام 2017، بعد أن شن جيش
ميانمار حملة قمع ضد "الروهينغا"، ووثق السكان والناشطون مشاهد للقوات
وهي تقوم بإطلاق النار عشوائيا على رجال ونساء وأطفال "الروهيغنا" العزل.
لكن الحكومة قالت إن ما يقرب من 100 شخص لقوا مصرعهم بعد أن شن مسلحون من
"جيش خلاص روهينغا أراكان" هجوما على مراكز الشرطة في المنطقة.
وقدرت الأمم المتحدة أن هناك ما يصل
إلى 420 ألف لاجئ من "الروهيغنا" في جنوب شرق آسيا. بالإضافة إلى ذلك،
يوجد نحو 120 ألف من المشردين داخل ميانمار.
ورفضت رئيسة الوزراء أون سان سو تشي
الحاصلة على جائزة نوبل في السلام مناقشة أزمة "الروهينغا".
ولا تعترف أون سان سو تشي وحكومتها
بـ"الروهينغا" كجماعة عرقية، وألقتا باللوم في أعمال العنف بولاية
"راخين"، وما تبعها من حملات قمع عسكري، على من وصفتاهما
بـ"الإرهابيين".
ولا يخضع الجيش في ميانمار لسيطرة سو
تشي ولكنها تعرضت لانتقادات بسبب عدم إدانتها للقوة الدموية والمنفلتة التي
تستخدمها قوات الجيش، فضلا عن عدم دفاعها عن حقوق أكثر من مليون إنسان من
"الروهينغا" في ميانمار.
وردا على تقارير دولية وأممية قالت
إن "لديها الحق في الدفاع عن البلد بطرق شرعية" ضد "الأنشطة
الإرهابية المتزايدة"، وقالت سو تشي إن عبارة "التطهير العرقي"
مصطلح "مبالغ فيه" لوصف الوضع في "راخين".
وكثيرا ما فرضت الحكومة قيودا على
صحفيين وعاملين في مجال الإغاثة لمنع وصولهم إلى "راخين"، واتهم مكتب سو
تشي منظمات إغاثة بمساعدة أولئك الذين يعتبرهم "إرهابيين".
وفي بداية العام الحالي طالبت محكمة العدل الدولية في لاهاي حكومة ميانمار بـ"حماية أقلية الروهينغا المسلمة من الإبادة الجماعية". وألزمت المحكمة ميانمار باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأقلية.
وعلى الرغم من كون المشكلة ذات جذور
قديمة إلا أنها ازدادت سوءا بشكل واضح في السنوات الأخيرة بعد انتقال ميانمار من
حكومة عسكرية إلى أخرى أكثر مدنية. وسمحت الحكومة ضمنيا بصعود "حركة
969" وهم مجموعة من الرهبان البوذيين يشتهرون بتقديمهم مبررات أخلاقية لموجات
سفك الدماء الموجهة ضد المسلمين حسبما أوردت تقارير صحافية من بينها وكالة
"رويترز".
وكان آخر تحذير شديد اللهجة قد صدر
عن مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في ميانمار، يانغي لي
في نيسان /أبريل الماضي من "أن الجيش هناك ربما يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد
الإنسانية ضد أقلية الروهينغا المسلمة في ولايتي راخين وتشين"، بحسب ما ذكرت
وكالات الأنباء حينها.
وقالت لي: "بينما العالم منشغل
بوباء كوفيد 19، يواصل جيش ميانمار تصعيد هجومه في ولاية راخين مستهدفا السكان
المدنيين"، داعية إلى تحقيق دولي في الأمر. وبينت أن القوات المسلحة كثفت
هجماتها على المدنيين في الأسابيع الماضية بضربات جوية وأخرى بالمدفعية، وقد تصل
إلى "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وتتواصل معاناة الأقلية المسلمة
" الروهينغا " في ميانمار بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا المستجد، والذي
يعد الخطر الصحي الأبرز حاليا على مستوى العالم. ورغم حجم الكارثة الصحية إلا أن
مئات الآلاف من سكان ميانمار، المحاصرين في أقصى شمال البلاد، لا يعرفون شيئا عن
الوباء بسبب انقطاع الإنترنت لنحو عام.
وتمر هذه الأيام الذكرى الثالثة
لأكبر عملية قتل وتشريد مورست ضدهم وسط صمت العالم وتحديدا العرب والمسلمين، فيما
لم تنجح جميع القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة وقرارات الإدانة في لجم الأعمال
التي تمارسها حكومة ميانمار والتي توصف من مصادر متعددة بـ"الجرائم ضد
الإنسانية".