مدونات

الشاطر حسن.. تجربة لها ثمن

مصطفى محمد أبو السعود
مصطفى محمد أبو السعود
قرأتُ عدداً من روايات الأسرى، أحدثها رواية الأسير المحرر "بلال محمد أبو دقة" بعنوان "الشاطر حسن.. تجربة لها ثمن" أدهشتني جداً الحبكة والأحداث، وأعجبني قدرتها على شد أعصاب القارئ ليبقى مُمسكا بها حتى ينهيها، لدرجة أني قرأتها من بعد صلاة الفجر حتى مطلع الشمس، تفاعلتُ معها كما لو كنتُ بطلها، فصفقتُ للمواقف الرائعة، ولما أمر على موقف (not good) "اتنرفز" وأقول "والله قهرتني يا زلمة ليش عملت هيك"!!

تروي الرواية قصة "حسن" شاب اعتقلته قوات الإحتلال إبان انتفاضة الأقصى بتهمة أن له ناشط طلابي وعسكري، وخضع لتحقيقٍ قاسٍ ليعترف، لكنه صمد، بحكم أنه قرأ كتاباً عن طرق التحقيق والعصافير في السجن قبل أن يدخله، واستفاد كثيرا منه، فلجأوا لحيلةٍ ناعمةٍ وهي "العصافير"، حيث رسموا مخططا عميقا ودقيقا وكامل الأركان كي يطمئن قلبه، فمر "حسن" بأناس كثيرين منذ دخوله للسجن، بدءاً من أول زنزانة فممرات السجن فالمحامي فالمعتقلين فالمرشد الأمني للتنظيم فمجلس شورى التنظيم، فاطمئن أنه انتهي من التحقيق وأن خروجه من السجن قاب قوسين أو أدنى، ثم صعقنا "حسن" حين كشف أن كل الذين قابلهم "عصافير" نفذوا المهمة بنجاح كامل وبنفس طويل حتى أوقعوه في شباك الاعتراف، حتى المكان الذي خُيّل له أنه سجنٌ حقيقيٌ لم يكن كذلك، فحزنتُ جداً لتلك النهاية التي طمأننا "حسن" أننا لن نصل لها بحكم تسلحه بالمعرفة المسبقة بأساليب التحقيق والعصافير.

"الشاطر حسن" لم تكن وحدها المثيرة للإعجاب، فكلها كذلك، وهذه الأسباب:

- يستدعي الأسير أحداثا غفت في بطن الزمن، سواء كان بطلها أو أحد أبطالها.

- يحضر الوطن بهمه وهمة أبنائه ومعاناتهم وبطولاتهم، فيفتخر بهم.

- فيها شموخ وعدم ندم واصرار على مواصلة ذات الدرب بعد التحرر من قيد السجن، مهما كانت مدة المحكومية.

- يحضر السجن ووحشيته والسجان وظلمه وقهره، وقيمة الحرية، وأنها أغلى من أي قيمة.

- يحضر المر القادم من التخاذل العربي تجاه القضية الفلسطينية.

- فيها توضيحات لطرق التحقيق الصهيونية مع الأسرى، ومنها:

استخدام المحقق آيات قرآنية وأحاديث نبوية لإقناع الأسير بأن العناد والكذب وعدم الاعتراف هو من أبواب تهلكة النفس "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".

- استخدام حيل نفسية للتشكيك بقدرة الأسير على الصمود.

- إيهام الأسير بأن المخابرات الإسرائيلية تعرف وتقدر على تحقيق ما تريد.

- لجوء المخابرات لوسائل ناعمة وهادئة مثل العصافير للحصول على المعلومات.

- التشكيك بقيادات وأعضاء التنظيم.

- المحققون يتبادلون الأدوار فيما بينهم، فأحدهم يمارس دور العنيف وآخر دور اللطيف.

- إيهام الأسير بأن اعترافه سيخفف عنه الحكم، ليعترف، فـ"تقع الفأس في الرأس".

هكذا نظرت للشاطر "حسن"، والواجب توضيحه بأن الأسرى دونوا تجاربهم ليس من باب العبث أو الشهرة، بل لوضعها أمام الأجيال القادمة ليمنحوهم العبرة والعظة، خاصة أن الاحتلال لم ينته بعد، وأن إمكانية تعرض أي واحد فينا للاعتقال ما زالت قائمة، فاعتبروا يا أُولي الألباب.
التعليقات (0)