هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يحدث أن تتلقى الثناء على ما تقول وتكتب،
فالناس يفعلون ذلك باستمرار، ويفعلونه بدوافع مختلفة: بعضهم من باب «المجاملة»
المعتادة، وبعضهم الثاني لأنه يتفق معك بالرأي، ولا يكترث بمستوى وسوية المقال أو
المداخلة، قلة منهم أكثر احترافية وصدقية، يحترم ما لديك، حتى وإن خالفته
الرأي. عادة تستوقفني ملاحظات هؤلاء أكثر من غيرهم، ويفرحني أكثر إن كنّا على
وفاق.
لكن ما وصل إليّ من الأسير أسامة شقير، بدا شيئا مختلفا بكل المقاييس؛ فالمناضل شقير أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، اعتقل في عزّ
الانتفاضة الثانية، وهو يقضي منذ ذلك التاريخ أحكاما بستة مؤبدات وخمسين عاما في
سجون الاحتلال الإسرائيلي، لم تمنعه سنوات الأسر المديد، من استكمال دراسته
الجامعية، ولم تَحُل القضبان دون إتمام خطوبته على الصحفية الناشطة والمناضلة
كذلك، منار خلاوي، التي قررت بكامل وعيها، وعن سبق الترصد والإصرار، المجازفة
بـ«أطول رحلة خطوبة على الإطلاق»، ودون أن يكون لديها يقين بأن هذه الرحلة ستتوج
بالزفاف. مثل هذه القصص لا تجدها إلا عند الفلسطينيين.
أسامة يخبرني بأنه «يتابعني» منذ زمن بعيد، يتردد
اسمي مرات وتحجبه ظروف السجن والاعتقال مرات أخرى، وهو الذي ظنناه بحاجة لمن يشدّ
عضده، يشد على يديّ، لقد أشعرني بالخجل حقا، وربما يكون حمّلني بما لا قبل لي به
أو عليه. تذكرت وأنا أقرأ رسالته التي نقلتها خطيبته منار، قول ياسر عرفات، وهو
في «بيروت الحصار»: «من يحاصر من؟...أسرى فلسطين يحاصرون سجانيهم، ويمدوننا بكل
أسباب القوة والصمود، فتحية لهم نساء وأطفالا ورجالا أشداء. تحية لأسامة في
محبسه المديد والمرير، تحية لمنار وهي تقبض على جمر الحرية، حرية الأسرى والوطن
والشعب، وليخسأ الذين «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ»...وأترككم مع نص الرسالة كما وردت:
بسم الله الرحمن الرحيم
يقولون إن الذهب يظهر معدنه الحقيقي عند الصهر
ودرجات الحرارة التي لا تُحتمل، والأرواح الحقيقية تجعل منها الأيام والملمات أكثر
التصاقا بالحق والموقف والمبدأ الذي انتصرت لأجله، وأنت هكذا؛ فمنذ زمن بعيد يتردد
اسمك مرات وتحجبه ظروف السجن مرات أخرى، وبرغم طول السنوات وانقلاب الأحوال وتبدل
المواقف، بقي اسمك وبقيت أنت بنفس المواقف ونفس الطاقة المشعة.
أحييك أخي الكبير العزيز عريب على كل تلك
السنوات التي حملت الكثير من المواقف النبيلة الصادقة، وأطيّر لك من عتمات الزنازين
كل أمنيات الصحة والعافية ودوام التألق والنجاح.
أخي العزيز؛ صحيح أن سنوات السجن وأحكام
الاحتلال طويلة، ولكن ذلك لم يَفُت في عضدنا وسيزيدنا قوة وثباتا وإيمانا بأن
الفجر الصادق سيبزغ قريبا، وستنعم فلسطين بالحرية وستُعطي للعالم أجمع نفحاتها
الخاصة من المساهمة الحقيقية في بناء وتقدم وتطور البشرية، إيماننا هذا لن تزعزعه
الرهانات الخاطئة والمواقف المرتجفة والاتفاقات الخيانية سرية كانت أم علنية. إن
ثمانين محاولة فاشلة لحل القضية الفلسطينية رغما عن أهلها أو بغياب أهلها أو من
وراء ظهر أهلها، لم تفلح في إزهاق الحق وتعميد الباطل مكانه، وحتى وإن كانت
المحاولات الحالية أكثر مكرا ودهاء وحداثة، فهي لن تفلح أيضا.
من هنا، هنا أعني داخل فلسطين وحتى وإن كنا في
السجون، وفلسطين سجن كبير، فنحن موجودون ولن يستطيعوا نفينا وسحق وجودنا الأبدي
على هذه الأرض.
أخي الكريم لك ولكل النشامى الفلسطينيين في
العشق والهوى كل تحيات إخوانك الأسرى الفلسطينيين، وإن شاء الله لنا لقاء قريب
وساحات الأقصى فرحة سعيدة بالانتصار القادم لا محالة.