اقتصاد عربي

ما دلالات وصول التقشف الحكومي لخبز الفقراء في مصر؟

 الحكومة المصرية قامت مع رفع سعر الدقيق بتخفيض وزن وحجم رغيف الخبز من 100 غرام إلى 90 غراما
الحكومة المصرية قامت مع رفع سعر الدقيق بتخفيض وزن وحجم رغيف الخبز من 100 غرام إلى 90 غراما
أصبح المصريون على موعد جديد مع ضائقة اقتصادية قد تكون مؤشراتها هي الأشد على مدار 7 سنوات من حكم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، حسب خبراء ومحللين.

تلك التوقعات تأتي في ظل قرارات حكومية برفع سعر الدقيق، وخفض وزن رغيف الخبز المدعم، ورفع أسعار تذاكر الركوب بمترو الأنفاق وقطارات السكك الحديدية، وزيادة أسعار الكهرباء، وتعريفة المياه، وقبلها الغاز، ورسوم المستخرجات الحكومية، والدمغات وغيرها.

وأقدمت مصر -أكبر مستورد للقمح في العالم- الاثنين، على قرار مثير للجدل برفع أسعار الدقيق المدعم والذي تورده الدولة للمخابز الحكومية التي تنتج الخبز المدعم لنحو 60 مليونا من المصريين (ثلثي السكان).

وزاد سعر جوال الدقيق بنحو 52 جنيها، ليصبح 265 جنيها مصريا للجوال (16.68 دولارا)، ارتفاعا من 213 جنيها (13.40 دولارا)، فيما سينتج الجوال الواحد 1450 رغيفا اعتبارا من الثلاثاء.

والمثير أن الحكومة المصرية قامت مع رفع سعر الدقيق بتخفيض وزن وحجم رغيف الخبز من 100 غرام إلى 90 غراما، وذلك بعد أن كان حوالي 123 غراما في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي على يد وزير "الغلابة" المعتقل الآن باسم عودة.

وتاريخيا تسببت قرارات رفع أسعار الخبز في عهود سابقة بأزمات سياسية وانتفاضات شعبية بينها ما يعرف بـ"انتفاضة الخبز" في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1977.

وأثار توقيت القرار غضب ملايين المصريين وخاصة الفقراء؛ الذي يمثل لهم رغيف الخبز المصدر الأول للطعام خاصة مع تفاقم أزمة الاقتصاد المصري، وتراجع دخل المصريين وفقدان الكثيرين أعمالهم، وتواصل ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

"المترو والسكك الحديدية"

وفي نفس السياق، وبينما يشاهد المصريون إنجازات السيسي عبر التلفاز ومراسم افتتاح الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة، الأحد؛ قرر النظام رفع أسعار الركوب في مترو الأنفاق، ما أثار غضب سكان القاهرة الكبرى (نحو 25 مليونا).

وبنسب تصل إلى حوالي 67 بالمئة للخطوط الثلاثة، تم رفع أسعار التذاكر للمرة الثالثة بعهد السيسي، من جنيه واحد إلى 3 جنيهات ثم إلى 5 جنيهات، ومن 5 جنيهات إلى 7 جنيهات، ومن 7 جنيهات إلى 10 جنيهات، ومن 10 جنيهات إلى 12 جنيها.

ومع احتفال السكك الحديدية بدخول 38 قطارا جديدا للخدمة في 30 تموز/ يوليو الماضي، فاجأت وزارة النقل المصريين برفع أسعار الركوب في تلك القطارات، بنحو 25 بالمئة، فيما سبقتها زيادات أخرى بكامل القطاع قبل أشهر.

"الكهرباء والمياه"

واستمرارا لسياسة الأعوام السابقة؛ طبقت وزارة الكهرباء مع فواتير آب/ أغسطس الجاري، الزيادة الجديدة في أسعار الكهرباء بنسبة زيادة 19.1 بالمئة والتي اعتبرت قياسية.

ومع فاتورة سبتمبر/أيلول المقبل؛ تطبق الهيئة القومية لمياه الشرب زيادة جديدة بأسعار المياه للاستهلاك المنزلي والتجاري، تتراوح بين 15 بالمئة و30 بالمئة، وذلك رغم زيادات سابقة بالأعوام الماضية.

"مقدمة لإلغاء الدعم"

وحول خطورة وتأثير قرار رفع سعر الدقيق المدعم وتخفيض وزن رغيف الخبز على فقراء المصريين، قال الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار إن "سياسة (ترشيق الرغيف) تضر مباشرة بالفقراء وأصحاب الدخول الثابتة".

وفي حديثه لـ"عربي21" أوضح أن ذلك القرار يؤكد "اتجاه الحكومة إلى الإلغاء التدريجي للدعم عن رغيف العيش".

وأكد أن "الزيادة في أسعار الدقيق بحوالي 25 بالمئة، وتخفيض وزن الرغيف بأكثر من 18 بالمئة، ليس لها ما يبررها مع انخفاض أسعار القمح والسولار".

وفي تفسيره لمعنى وصول ذلك التخفيض لرغيف الخبز، قال الخبير الأممي السابق، إن "المبرر الوحيد لتلك الخطوة هو أن الحكومة تمضي قدما في تنفيذ سياسة محددة للتخلص من دعم الرغيف".

وأشار إلى أن الأمر يأتي "في الوقت الذي تزداد فيه حدة الضائقة الاقتصادية بين الفقراء نظرا لاضطراب النشاط الاقتصادي بسبب وباء كورونا".

"سحق الطبقات الدنيا"

وفي تعليقه تعجب الخبير الاقتصادي، الدكتور مصطفى شاهين، من "هذه السياسات التي يقومون بها بهدف الضغط على المصريين بكل السبل من الناحية الاقتصادية وإذلالهم برفع الأسعار".

أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، أضاف بحديثه لـ"عربي21" أن "نظام السيسي لا يعبأ بالمصريين؛ وكل المستهدف ألا يترك على الإطلاق أي بنود للدعم، بحيث يدفع المصري تكلفة كل شيء".

وأوضح أن "ما سوف يوفره قرار تقليل حجم الرغيف للدعم المطروح للسلع ليس مبلغا كبيرا إذا ما قورن بفوائد الديون التي يدفعها النظام".

ولفت إلى أن "دعم السلع التموينية بالموازنة الجديدة 2020/ 2021، يبلغ نحو 84.4 مليار جنيه حسب وزارة المالية، وفي المقابل تصل المدفوعات والفوائد والأقساط إلى تريليون جنيه، بعدما أغرق مصر في الديون التي أوصلتها لهذا الوضع".

وأكد شاهين أن النظام يواصل سياسات الضغط على الفقراء لأنه يراهم صامتين، بينما هو يتحكم فيهم بقوة السلاح ويقتل الناس ويجوعهم ويذل فقراءهم وهو مطمئن لرد فعلهم".

وختم بالقول: "مشكلته ليست مع الطبقات العليا بل في الطبقات الدنيا التي يقوم لذلك بسحقها".

"صندوقي أكثر من الصندوق"

وفي رؤية سياسية قال الكاتب اليساري سيد صابر: "مصر تدار من قبل أكثر الأنظمة يمينية؛ فالنظام لا يعي ولا يعرف أبعاد المسؤولية الاجتماعية للدولة، ويدير البلد وفقا لتعليمات صندوق النقد، وصبر الناس أغراه بأن يكون صندوقيا أكثر من الصندوق".

صابر أضاف بحديثه لـ"عربي21": "بهدوء؛ مصر تدار الآن من قبل شخص واحد، وعندما يلجأ لأي قرار برفع أسعار السلع والخدمات يصرخ في محدثه، وكما حدث في رفع أسعار المترو القديم والجديد صرخ في وزير النقل كامل الوزير وقال: أنا أقول ارفع القديم والجديد".

وأكد أن "البلد تدار من قبل شخص واحد يصدر القرارات والتوصيات، والأجهزة تنفذ، والشعب يئن تحت وطأة تلك القرارات؛ وليس هناك رجوع لمستشارين ولو كان هناك مستشارون فيتم إسكاتهم لأنه يقول وأقواله أوامر".

وختم صابر بالقول: "سحق الطبقات الدنيا، وجر الطبقة الوسطى إلى الطبقة الدنيا عواقبه وخيمة على أي مجتمع".

"لا يليق بمصر"

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبر الكاتب الصحفي أنور الهواري، القرار عبر صفحته بـ"فيسبوك" بأنه "لا يليق أن يصدر عن دولة في وزن مصر".

وقال: "حزين جدا ومصدوم جدا، وغير قادر على تصديق أن دولة قديمة في وزن مصر، فكرت ودبرت، وحسبت الحسبة، ثم قررت أن تجعل وزنها في أعين فقرائها، من وزن الرغيف الحافي في أيديهم أو في أفواههم، أو حتى تحت أنيابهم".

وقال الصحفي أحمد إبراهيم: "رفع أسعار تذاكر المترو، وخفض وزن رغيف العيش، وزيادة أسعار الكهرباء والمياه والغاز، ليست أمورا اعتباطية، هي مقصودة ومتعمدة؛ لخفض سقف توقعات المواطن، والنزول بأحلامه إلى الحضيض، لا تفكر في راتب كريم، أو تعليم راق، أو علاج متقدم".
0
التعليقات (0)