قضايا وآراء

أنا مش رقم

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
منتصف عام ألفين وخمسة عشر انتشرت أغنية بعنوان "أنا مش رقم" تتحدث بلسان المعتقلين داخل سجون عبد الفتاح السيسي، الأغنية التي لاقت رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي بين أوساط معارضي الانقلاب العسكري أثارت شجونا كثيرة حول آلية التعاطي مع قضية المعتقلين سياسيا وإعلاميا وحقوقيا أيضا.

داخل غرف الاخبار في القنوات المعارضة للانقلاب العسكري مصرية كانت او عربية وحتى داخل شبكات إخبارية كبيرة مثل الجزيرة وغيرها، عادت قضية المعتقلين في مصر إلى الوراء كثيرا وأصبحت تحتل مراتب متأخرة في أولويات اجتماع التحرير داخل أروقة تلك القنوات، بات الجميع يتحدثون عن التوتر بين مصر وتركيا في ليبيا وعن احتمالية حدوث المواجهة العسكرية، تصدرت أزمة سد النهضة والخلاف بين مصر وإثيوبيا عناوين الاخبار وبرامج التوك شو الرئيسية، وبات خبر مثل اعتقال خمسة أو عشرة اشخاص خبرا عاديا يمر مرور الكرام.

أنا مش رقم، هي القاعدة الرئيسية والعنوان العريض للتعاطي مع المعتقلين، فنحن نتحدث هنا عن حياة بأكملها تتوقف تماما وتتحول تحولا دراماتيكيا فور اعتقال هذا الشخص او ذاك، هناك زوجة تحبه وأبناء يترقبون عودته وأم تدعو له وأب يحتاج مساعدته وعائلة وأشقاء ودائرة معارف كبيرة كان له فيها مع كل واحد منهم حكاية نرتكب جريمة كبرى في حق أنفسنا وفي حق المعتقلين إن حولناهم لمجرد أرقام نذكرهم في شريط الاخبار أسفل الشاشة مع ان مكانهم الحقيقي فوق الرؤوس لا في صدارة برامجنا وأخبارنا.

الاعوام الأولى التي أعقبت الانقلاب العسكري في مصر كان الجميع يذكر المعتقلين ولم يكن هناك صوت يعلو فوق صوتهم، كنا نتلمس اخبارهم ونحكي عنهم ونصف ما يمرون به وما يلاقونه من اختفاء قسري ثم تعذيب وانتزاع اعترافات ثم البقاء في زنازين لا تصلح للاستخدام الحيواني، ولكن رويدا رويدا ومع مرور الأعوام تباعا ومع ارتفاع أعداد المعتقلين من مئات لآلاف حتى وصلنا إلى ما يقارب مائة ألف معتقل أو يزيد، قل الاهتمام واعتدنا على سماع أخبار الاعتقال وكأنه أمر روتيني تعودنا على معايشته دون التفات او اهتمام حقيقي.

قضية المعتقلين ربما كانت هي القضية الوحيدة التي يمكن العمل عليها دون تمييز عقائدي او خلاف ايدولوجي أو مناكفة سياسية، الظالم واحد والمظلوم واحد والقضية بالعامية المصرية " كسبانة" في أن تواجه الظالم حتى ترفع الظلم عن المظلوم، لا فارق حينها بين دومة والبلتاجي، بين علاء عبد الفتاح ومحمد بديع أو بين سلافة مجدي وعائشة خيرت الشاطر، كلهم حبسهم السيسي وكلهم يستحقون العمل من اجل حريتهم دون تفرقة ولكن للأسف لم يعد يحدث ذلك .

آفة الانقسام المجتمعي أصابت قطاعا ليس بالقليل من الحقوقيين والإعلاميين أيضا، بات التعاطف والدعم وفق الاهواء الشخصية والشللية والمعرفة المسبقة والاتفاق في الأفكار، عدنا إلى المشاهد القميئة التي صنعها هذا النظام العسكري في أعقاب التفويض نهاية يوليو تموز ألفين وثلاثة عشر حين كان الشعار السائد (احنا شعب وانتو شعب)، ففي كل يوم يعتقل عشرات الأشخاص من هذا التيار او ذاك ولكن بنظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي وبيانات بعض المنظمات الحقوقية بل حتى بعض القنوات الفضائية ستجد ان كل يغني على معتقليه دون النظر او الالتفات للآخرين وكأنهم يستحقون مواجهة هذا الظلم.

منظمة مراسلون بلا حدود أصدرت تقرير حديثا يتحدث عن كارثة حبس الصحفيين في مصر بعد وفاة الصحفي محمد منير بعد حبسه بأيام نتيجة إصابته بفيروس كورونا، ودعت الجميع للعمل من اجل إطلاق سراح المعتقلين في أسرع وقت، واشنطن بوست كتبت عن سارة حجازي ومعاناتها في سجون النظام لانها رفعت علم الشواذ والمثليين في إحدى الحفلات، أو صحيفة أو " شلة " تدعمهم وتحكي عن معاناتهم .

لو أننا كصحفيين وإعلاميين عملنا جنبا إلى جنب مع السياسيين والحقوقيين في حملة واضحة لإطلاق سراح المعتقلين عبر مبادرة أو فكرة نتفق جميعا عليها لتحول المعتقلون من مجرد أرقام في نشراتنا وبرامجنا إلى كيانات حقيقية نعمل من أجل إطلاق سراحها واستعادة حريتها.
0
التعليقات (0)