هل سيصطف الكويتيون قريبا في استسلام وخنوع أمام مكاتب الخدمة المدنية يبحثون عن عمل؟ أي عمل بدلا من المبيت في الشارع وأكل طعام الأسبوع الفائت؟
هل سيحرم أطفالهم قريبا من تلبية كل مطالبهم، من دون اعتبار لتكلفة أو قيمة كما هو الحال الآن؟ أم سيصرخ الآباء غضبا في وجوههم إذا أسقطوا الطعام أو أراقوا الحليب على الأرض، إذ سيضطرون لإعطائهم حصة الغد، ثم لا يجدون في الغد ما يعطونهم إياه، بدلا من فتح قنينة جديدة قائلين «فدوة يبه أشوه إنه مو حار»، في ردة الفعل الطبيعية التي اعتادوا عليها!
هل سيتوقف الكويتيون عن ممارسة دورهم في إصلاح مجتمعهم بالاعتراض على مظاهر الفساد فيه، وعلى التلاعب في مقدرات الدولة والخلل في تركيبتها السكانية، وعلى دخلها أحادي المصدر، وغياب التصنيع وتراجع التعليم؛ خوفا من أن تغضب الحكومة فتتعقب المعترضين وتحرمهم من وظيفة أو مسكن أو تحرم أولادهم؟
هل صار كل ما يشغل لب وبال الكويتيين هو الحصول على مسكن يحتويهم، أيا كان حجمه وطبيعته وأينما كان موقعه؟
هل كتب على الكويتيين أن يصبح حالهم كحال بعض الشعوب العربية؟
لم تكن هذه خيالات جامحة ولا رؤية شخصية متشائمة لقادم الأيام، وإنما هي قراءة متأنية في تقرير الصندوق الدولي الأخير، الذي أكد فيه أن أسعار النفط الخليجي لن تتجاوز قيمتها الحالية بكثير، وستظل من دون نقطة التعادل القريبة من 84 دولارا للبرميل، وأن الطلب عليه في تناقص مستمر بسبب أزمة الركود الطاحنة التي يتعرض لها اقتصاد العالم نتيجة لجائحة كوڤيد - 19، وللتوجه الإنساني المتزايد على استخدام مصادر الطاقة النظيفة، ولتأخر الخليج - بتفاوت ملحوظ بين دوله - في تنويع مصادر الدخل، وتحديدا لإهماله التوسع في الصناعات النفطية.
أكد التقرير أن صناديق الخليج السيادية - التي يقدر حجم موجوداتها بنحو 2 ترليون دولار - ستستنزف في قرابة 15 عاما، ومضى يقول إن الاكتشافات الجديدة لكميات ضخمة من الغاز الطبيعي في الجزيرة العربية؛ وتحديدا في منطقتي الجافورة في المملكة وجبل علي الإماراتية، سيقتصر نفعها على إطالة عمر الرفاه لسنين قليلة بعد العام 2052.
تقرير غاية في التشاؤم لدرجة أنه يثير الشك في مصداقيته، فقد تجاهل تأثير مشاريع المنطقة المستقبلية العملاقة الإيجابي على مستقبل اقتصادات دولها كمشروع نيوم السعودي وكويت جديدة 2035، ومثيلاتها في بقية الدول الخليجية، واعتماد قطر على إنتاج الغاز الطبيعي، وسبق الإمارات في تنويع مصادر دخلها، حتى إن مبيعات النفط تشكل أقل من 30 في المئة من إجمالي دخلها القومي، كما ولم يتطرق لأوضاع كل من البحرين وعمان.
انتهى التقرير إلى مجموعة من التوصيات ذات تأثير كبير على حاضر ومستقبل الخليج، وأهمها الإسراع في تنويع مصادر الدخل بالتوسع في الصناعات النفطية محليا، وبمشاركة الدول الكبرى كالصين والهند في مشاريعها الصناعية النفطية مثل محطات تكرير النفط، وتبني سياسات تسويقية عالمية للنفط على غرار لندن وأمستردام وتكساس وسنغافورة، وحث التقرير دول الخليج على توجيه التعليم وتطويره، ليخدم سوق العمل ويوفر له العمالة الوطنية المؤهلة، لينهي الاعتماد على العمالة الوافدة، وتخفيف عبء بند الرواتب على الميزانيات، الذي يستهلك أكثر من 70 في المئة من الإيرادات حاليا.