هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حين عاش العالم على وقع الحجر ضمن الإجراءات الوقائية من انتشار فيروس كورونا، شهدنا عودة للقراءة، وقد فتح هذا السياق الباب لفئة من الأعمال دون أخرى، ومنها ما بات يعرف بأدب الوباء، وهي منطقة تفتح على جنس فرعي من أجناس الرواية، هو أدب الخيال العلمي.
وهو مجال ناشط للغاية في أوروبا وشمال أميركا واليابان، ولكن الحال يختلف عربيا، فهل تحرّك كورونا المياه المتجمّدة لهذا الفن؟ سؤال حملته "عربي21" إلى ثلاثة من كتّاب هذا الأدب، هم الباحث والروائي الجزائري فيصل الأحمر، والكاتب والمترجم المصري أحمد سمير سعد، والروائي التونسي الهادي ثابت.
فيصل الأحمر: أثر الوباء على العوالم التخيلية
في تفسيره لقلة الكتابة ضمن أدب الخيال العلمي عربيا، لا يربط الكاتب الجزائري بين "فقر" البحث العلمي وواقع الخيال العلمي.
يقول: "المعطى التكنولوجي يتقاسمه الناس جميعا على الكوكب الذي صار مثل القرية. جل المدن العالمية مدن ذكية، تسير عن طريق الذكاء الاصطناعي، والبرمجيات جزء فاعل من حياتنا.
في ظل العدد المتزايد من الشباب وحتى الشابات الذين يلجون بشجاعة كبيرة عالم الكتابة أرى أن مستقبل هذا النوع في البلاد العربية يبشر بكل خير.
لعل الدخول المكثف للرجال إلى البيوت سيعزز من ظهور النصوص المؤنثة أكثر فأكثر، وساعتها يمكننا أن ندعي أن كورونا قد ساهمت كثيرا في الهندسة المجتمعية".
اقرأ أيضا : سقراط الصغير: أن نتوجّه بالفلسفة إلى الأطفال
يضيف: "أدب الخيال العملي أدب نظري بأبعاد فلسفية، أي أنه لا يخلو أبدا من نقد سياسي. تصور المستقبل والإمكانيات الأخرى للحياة هو أمر يستفرد به الأقوياء دوما.
لهذا نجد دوما تحرجا منه في البلدان المتخلفة سياسيا كحال البلدان العربية. الأنظمة السياسية العربية أنظمة تحاول دوما دفع عجلة الحياة صوب المحافظة على معلّمات الحياة الحالية كما هي.
إنها أنظمة تنظر الى الإنسان العربي كفرد مسلوب الإرادة، ولا تحبذ فكرة التغيير والثورة. فتمنع عنه التخييل لأن السلوك السياسي يبدأ كحلم أو مادة تخييلية صامتة".
يرى الأحمر بوجود استفادة من جائحة كورونا على المستوى الفكري، وهي استفادة شبّهها بـ"صفعة الوعي" وقال أنها "قد أخذتها البشرية فاكتشفت صدفة أن كثيرا من عملنا بلا طائل، وكثيرا من أسفارنا فارغ، وكثير جدا من عاداتنا الاستهلاكية بلا مبرر ولا معنى.
كما أن كثيرا من أعمال المنظومة المالية والميادين الخدماتية هي أعمال طفيلية فقط. عمال وهميون يعيشون على عرق جبين غيرهم.
كل هذا هو تحقق لنبوءات ماض قريب معروف وموصوف في خ ع. وهذه فائدة لا ريب فيها ربما ستظهرها جيدا الأيام المقبلة".
يتابع: "داخل الرواية كما هو معروف كل شيء يتحول إلى علامة سيميائية أو ثقافية. كل شيء يصبح حاملا للمعنى.
الجائحة قد تكون كما أسلفت شخصا أو نظاما سياسيا أو وجودا من الفضاء الخارجي.
أعتقد أن الشكل "السوسيولوجي" لأثر الجائحة هو أكثر شيء يهمني في تصوري المستقبلي لأثر المرض على عوالمي التخييلية.
وربما تكون الفكرة الأكثر جذبا لي هي فكرة استغلال الكيمياء (الأدوية والمواد الكيماوية) من أجل التأثير على الإيديولوجيات. هذه سبيل تخييلية أفكر فيها كثيرا".
أحمد سمير سعد: في ديستوبيا جماعية بامتياز
من جهته، يعتبر الكاتب أحمد سمير سعد أنه من المبكر جدا الحديث عن علاقة مباشرة بين الإنتاج ضمن الخيال العلمي والجائحة، يقول "بشكل عام، أعتقد أن أية أزمة هي محفز للكتابة عموما فما بالنا بأزمة ترتبط بوباء، كشف أمامنا بشكل فج مدى هشاشة نظمنا الإنسانية."
يضيف: "نعيش لحظة ديستوبيا جماعية بامتياز والعلم يبدو سلاحنا الوحيد في معركة البقاء. لكن هذه اللحظة تطرح كذلك كل المعضلات المثيرة للأسئلة التي طالما استخدمها كتاّب الخيال العلمي لطرح رؤاهم حول العلم والمستقبل وقدرات الإنسان وتطورات العلوم لذا فهي معين ضخم قادر على تفجير طاقات الأسئلة".
وفي ختام حديثه إلى "عربي21"، يقول الكاتب المصري: "أظن أن المستقبل مفتوح أمام تطور كبير للخيال العلمي، ربما نعيش طفرة غير مسبوقة، لم يعد فيها العلم مجرد تطبيق أو نظرية بل صار لغة حياة وفلسفة وتسرّب إلى كل شيء وللمرة الأولى صارت الثقافة العلمية للعامة مطلبا جماهيريا، ولم تعد حكرا على المختصين والمثقفين."
الهادي ثابت: مجتمعات لا تقرأ الخيال العلمي!
ما لمسناه من تفاؤل في حديث كل من فيصل الأحمر وأحمد سمير سعد، يقابله شيء من السوداوية في رسم مشهد أدب الخيال العلمي، وهي صورة لها خلفية عميقة، حيث أن تجربة ثابت تمتد على أربعة عقود ويعد "الأب الروحي" للخيال العلمي في تونس حيث أن هذا الجنس الأدبي خذله القراء بداية وعلى صعيد ثان تبدو المتابعة الإعلامية مقصّرة إلى حد كبير، فلم يكتب عن أدب ثابت غير الروائي والإعلامي التونسي كمال الرياحي.
وحول الخيال العلمي في منعطف كورونا، يقول ثابت في حديثه إلى "عربي 21": "عايشنا هذه المرحلة، ويبقى المستقبل غير واضح وبالتالي مازال مستقبل الخيال العلمي غير واضح، لكن يمكن الحديث بشكل عام عن انسداد يعيشه هذا الجنس الأدبي؛ لي أربع روايات في الخيال العلمي، ولم أر أي صدى في المجتمع التونسي إلى درجة أني اضطررت إلى الذهاب لمصر لأنشر كتابي هناك. لا وجود لقراء للخيال العلمي، هذا الوضع يقتل كل رغبة في الكتابة ضمن الخيال العلمي".
رغم ذلك يشير الكاتب التونسي إلى أنه من الممكن أن يتطوّر هذا الأدب حيث يقول: "نحن لسنا معدومي الأمل".