صحافة دولية

الغارديان: غزو العراق كان حرية كاذبة كلفت ربع مليون إنسان

لحظة إسقاط تمثال صدام حسين بيد القوات الأمريكية عام 2003- أ ف ب (أرشيفية)
لحظة إسقاط تمثال صدام حسين بيد القوات الأمريكية عام 2003- أ ف ب (أرشيفية)

وصفت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافي سايمون جنكنز الوثائقي الذي يعرض على قناة "بي بي سي" الثانية، ويحمل عنوان "كان يا ما كان في العراق"  بأنه الوثائقي الأكثر إيلاما من بين الوثائقيات المعارضة للحرب.

وقالت الصحيفة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن البرنامج الذي يعرض من خمسة أجزاء، لا يقوم على الانفجارات والصراخ والدموع. والإيلام وليس حشويا بل ثقافيا.

وأضافت أن من بين مقاطع الفيديو لحرب عام 2003، نسمع فقط الرواية الهادئة للناس الذين تحولت حياتهم إلى جحيم بسبب الصراع، والذين شهدوا الفحش المحزن الذي ارتكبته ديمقراطيتان عظيمتان باستخدام الموت والدمار سعيا خلف الأجندة السياسية لزعيميهما. وأبرز الوثائقي أن أخلاقيات استخدام القوة لم تتقدم منذ العصور الوسطى.

وتابعت الآن على الأقل نستمع من الضحايا. فقد قارب المخرج جيمس بلوميل الحرب ليس من خلال من أمر بها أو من عارضها، بل من خلال ما تذكره المدنيون العاديون والجنود والمراسلون الذين عاشوها. وهؤلاء لم يكونوا الجهات الفاعلة في الحرب بل نتائجها، ويتركونا نحن لنصل إلى استنتاجاتنا.

وأشارت الصحيفة أنه "ومن خلال السردية نتعرف على وليد نصيف، الذي كان مراهقا وقت الغزو وكان يوما يحب كل شيء أمريكي، ورحب بالغزو. ثم زار ما كان عائلة تعيش في الصحراء، تم تمزيقها من ثلاث طائرات هيلوكبتر. ونرى جنودا أمريكيين يقفون مكتوفي الأيدي بينما يقوم اللصوص بتمزيق وسط بغداد".

ويقول جندي أنه أمر بحماية وزارة النفط فقط. ونسمع أم قصي، امرأة مسنة، كانت قد رحبت بسقوط صدام ثم كان عليها أن تواجه التداعيات المروعة وصعود وحكم تنظيم الدولة.

وأضافت "كان عصام الراوي معجبا بصدام وتوقع فقط وقوع الشر من موته وكان محقا. ثم نذهب للشاويش رودي ريس يتحدث عن ضرب سيارة مليئة بالنساء والأطفال لأنهم لم يستطيعوا قراءة لافتة على حاجز حيث يقول بينما يشرب الكحول بنهم: "يجب أن يكون الأمر مستحقا.. وإلا فما هو البديل؟".

وقالت الصحيفة إن هذا ما أطلق عليه الجنرال المتقاعد سير روبرت سميث الحرب بين الشعوب صراع مفتوح وسياسي بشكل رئيسي يتم في المدن بدلا من ساحات المعارك. وكل مكتبة عسكرية مليئة بالتحذيرات من مخاطرها. ولقد زرت بغداد بعد الغزو بفترة قصيرة لمقابلة الحاكم الأمريكي، بول بريمر، وذهلت بسبب غياب القانون.

وقالت الصحيفة إنه "خارج المنطقة الخضراء لم يكن هناك شرطة. ورأينا المتاجر وقد سرقت والمتحف في بغداد وقد أفرغ من محتوياته. والدبابات تسير في شوارع المدينة، وكانت خيبة الأمل مباشرة. وتذكر الشاب أحمد البشير: "كنت مليئا بالأمل أن تكون هذه بلدا جديدا، ولكن مع ازدياد ضراوة الدمار شعر أنه لن يحصل هذا أبدا، لن تصبح البلد آمنة مرة أخرى".

 

اقرأ أيضا: ما هي أبرز نقاط تقرير لجنة التحقيق البريطانية حول العراق؟


وأشارت إلى أنه لم يكن الغزاة يسقطون فقط الدكتاتور. بل تم تدمير البنايات العامة بقنابل "الصدمة والرعب". وتم ترويع العائلات بمداهمات التفتيش الليلية حيث كان الجنود يقتحمون غرف نوم النساء. وكان يجب إقالة كل بعثي من الشرطة إلى الجامعة وهو ما عنى انهيار البنية المدنية للمجتمع. وتمت معاقبة كل العراقيين على أخطاء صدام. وكان هذا يشبه العصور الوسطى أيضا.

ولفتت الصحيفة إلى أنه لدى سؤال بريمر "كيف يمكن له أن يعيد النظام وحكم القانون بهذه الطريقة، لن ينسى أبدا تعبيره عن عدم المبالاة. فقد كان يطيع الأوامر من واشنطن التي يسيطر عليها الأيديولوجيون اليمينيون. وأهملوا ما يعرف كل طالب يدرس الحرب أن أمن الضحايا يتقدم على الحرية وحياتهم على حريتهم. وغزو العراق لم يكن هو أسوأ ما فعلته أمريكا للعراق، فالأسوأ كان الفوضى. فخلال أشهر كانت الفوضى بمثابة دعوة للثورة".

وكانت حرب عام 2003 في الواقع نسخة عن "الحملة الصليبية الرابعة"، مغامرة عسكرية همجية ضلت طريقها. كما أشارت كتب تاريخ كثيرة، فبعد أفغانستان في 2001 كان جورج بوش يبحث عن حرب أخرى. والبحث عن أسلحة دمار شامل و "جلب الحرية" كانت مجرد حجج. وما أظهر الأمور على حقيقتها كان إعلان بوش "تمت المهمة" خلال أسابيع من الغزو. فكانت تلك مهمته أما النتائج فهي ما سيأتي.

ولفتت إلى أنه في أحد مقاطع الوثائقي، يتذكر ضابط وكالة الاستخبارات المركزية الذي حقق مع صدام، جون نيكسون أن صدام تفاخر بأنه على الأقل استطاع أن يبقي الشيعة والسنة يتعايشون بسلام، ويقول صحيح أن هذا السلام كان مفروضا، وتم الحفاظ عليه من خلال القمع.

ولكنه أيضا قال: "الآن جئتم لتصبح العراق ملعبا للقوى التي تبحث عن نشر الكراهية وإطلاع عنان الإرهاب". وهذا بالفعل ما حدث وفقا للصحيفة، وعندما قام باراك أوباما أخيرا بسحب القوات الأمريكية في 2011، سقط النظام الفاسد والمفتقد للأمن. ثم عاث تنظيم الدولة بالفساد.

وشددت الصحيفة على أنه "لم يكن هناك سبب يجعل بريطانيا تدخل هذه المهزلة. وكان المعلقون في وقتها متشككون جدا. ومع أن الحياد البريطاني في وقتها لم يكن ليوقف بوش، ولكنها كانت لتحرمه شرعية التحالف، والحكمة تقتضي أن يوضع اللوم على توني بلير".

وأضافت: "هذا ليس كافيا، فمع أن بلير كان المحرك الرئيسي، إلا أنه لم يستخدم سلطة منصبه، ولكن حكومته اتفقت معه بالغالبية ولم يستقل منها إلا ثلاثة وزراء. ثم في آذار/ مارس 2003 اجتمع البرلمان وصوت 412 عضو من حزب العمال والمحافظين لصالح الغزو بالرغم من علمهم بأن السبب زائف وأن صدام لم يكن يشكل تهديدا وشيكا لبريطانيا".

وتابعت "لكنهم انجروا وراء مشاعر الحرب. وأثبتت آلية الضبط الديمقراطية المفترضة على السلطة التنفيذية فقدان قيمتها. ولكن العزاء الوحيد هو أن أعضاء البرلمان تعلموا درسا، فعندما طلب ديفيد كاميرون تفويضا بخوض حرب مجنونة في سوريا عام 2013، رفض مجلس العموم ذلك".

وقالت الصحيفة إن هذا الوثائقي والكاتب المرافق له، يعكسان حجم الكارثة التي مثلتها حرب العراق. "حرية كاذبة كلفت العراقيين ما يقارب ربع مليون إنسان. وزعزعت استقرار المنطقة وتسببت بدون شك من بانهيار الأوضاع في سوريا. ولم تفعل شيئا لإيقاف الإرهاب في بريطانيا أو في أي مكان آخر، بل على العكس".

ورأت أنه بالنسبة للتكلفة المالية فإن "المهزلة استهلكت 3 ترليونات دولار. وما كان يمكن لهذه الترليونات الثلاث أن تعود به من فوائد على هذا العالم لا نستطيع تخيله".

واعتبرت الصحيفة أنه في "المحصلة فإن حرب العراق، تستحق أن تصنف مع أكبر جرائم الحرب في عصرنا هذا، وأكثرها حمقا. ومن الغريب جدا أن تمر هذه الأخطاء والرعب التي يبرزها هذا الوثائقي دون عقاب. أما بالنسبة لأولئك الذين كانوا يستجيبون للأوامر فقط، فإن في ثلاثينات القرن الماضي في أوروبا تحذير كافي. الحرب مخيفة جدا وجذابة جدا للزعماء الشعبويين لأنها تغامر وتتسبب بالإفلات من التدقيق الديمقراطي. وقليلا ما تحصل على ذلك. فبعد 15 عاما، يكون هذا الفيلم الوثائقي أفضل من لا شيء".

التعليقات (0)