هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا يزال التيارُ العلماني في البلاد يواصل محاولاته المستميتة لسلخ الجزائر عن جذورها، وعناصر هويتها الإسلامية العربية الأمازيغية، وفرضِ جزائر ممسوخة مائعة، لا مكان فيها لهذه العناصر التي حفظت البلاد وشعبها من الذوبان في فرنسا، خلال الفترة الاستعمارية.
رئيسُ لجنة الخبراء المكلفة بتعديل الدستور، أحمد لعرابة، وعضو اللجنة وليد العقون، يقولان في حوار لجريدةٍ ناطقة بالفرنسية، إنَّ “الدساتير موجَّهةٌ لمواطنين وليس لمؤمنين، ما يعني أنّ عناصر الهوية يمكن إبعادُها عن الدستور، ليصبح بإمكانك أن تكون جزائريا من دون أن تكون عربيا أو أمازيغيا ولا مسلما؟!” ويعِدُ الرَّجلان بـ”اختفاء” عناصر الهوية الوطنية من الدستور مستقبلا، بعد تهيئة المجتمع تدريجيا للقبول بمبدإ “المواطنة”، وكأنّ هناك تناقضا بين المواطنة وعناصر الهوية لأي بلدٍ وشعب!
منذ بدء التجربة الديمقراطية والتعدّدية في البلاد، والأقلية الفرنكو علمانية تعمل بلا هوادة لتغريب الشعب، وسلخه عن جذوره الحضارية؛ إذ طالما نادت هذه الأقلية المستلَبة بإلغاء المادَّة الثانية من الدستور، وتعويضها بمادّةٍ أخرى تنصُّ على الحريات الدينية، بالرغم من أنّ دساتير البلاد المتعاقبة نصّت على أنّ الدولة تكفل للجميع حريّة المعتقد والعبادة في إطار القانون، ولا تعارضَ بين دين الدولة والحرِّيات الدينية للأفراد، لكنّ هذه الأقلية لم ترضَ بذلك، وهي تسعى إلى إلغاء المادّة الثانية من الدستور، وتعويضها بمادّة الحريات الدينية، أليست هذه محاولة لفرض ديكتاتوريتها ومشروعها الانسلاخي عنوة على الجزائريين؟
وطالما نادت هذه الأقلية أيضا بتعديل المادة الثالثة، والاعتراف بالتعدّدية اللغوية في الجزائر، وقد استجابت البلادُ لذلك بإدراج الأمازيغية لغة وطنية في التعديل الدستوري لسنة 2002، ثم اعترفت بها لغة وطنية ورسمية في دستور 2016، وتكفّلت بترقية جميع لهجاتها من دون تمييز، أمّا التعديلُ الدستوري الجديد، فقد أدرجها في المواد الصمّاء التي لا يمكن التراجعُ عنها مستقبلا، لكن يبدو أنّ المتدثّرين بغطاء “التعددية اللغوية” يريدون إدراج الفرنسية أيضاً لغة رسمية في الدستور، وكأنّهم لم يرضوا بأنها هي اللغة الرسمية في الواقع، وأنهم مكّنوا لها، بنفوذهم في الدولة، في المؤسَّسات والهيئات العمومية، وفي المحيط العام، وحققوا لها في ظرف 58 سنة فقط أكثر مما أنجزه لها الاستعمارُ نفسه طيلة 132 من وجوده بالجزائر.
تُرى ما الذي يمنع أن يكون الجزائريُّ مسلما عربيا أو أمازيغيا في الوقت نفسه، بدل أن يكون مجرّد “جزائري” بلا دين ولا هوية؟ حتى فرنسا نفسها لم تنفِ صفة الإسلام عن الجزائريين، وكانت تصفهم بـ”الأهالي المسلمين”، فلماذا يسعى المنسلخون عندنا إلى تجريدهم من هويتهم الدينية في دستورهم؟
من أكبر ما أبتُليت به جزائر الشهداء منذ 58 سنة كاملة، هو تغلغلُ هذه الأقلية الفرنكو علمانية في شتى دواليب الدولة، والتسلّط على رقاب الشعب، ولو كانت هناك ديمقراطيةٌ حقيقية، لما كان لهؤلاء المستلبين مثل هذا النفوذ غير المستحقّ، ولوجدوا أنفسهم أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما: إمَّا أن يرضخوا للأغلبية الشعبية المتمسِّكة بدينها وجذورها الحضارية وعناصر هويتها التي لا تبغي عنها محيدا، أو يرحلوا إلى فرنسا، ليعيشوا وسط المجتمع الذي ينسجم مع أفكارهم الممسوخة، بدل أن يمارسوا على هذا الشعب المسلم العربي والأمازيغي كل يوم عنفهم واستفزازهم، مثلما صرح الناطق باسم رئاسة الجمهورية الثلاثاء.
(الشروق الجزائرية)