هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في عام 1976، ألغى الملك حسين قانون الحكم العشائري، الذي كان يشكّل امتيازًا/ استثناءً للبدو من تطبيق القانون المدني عليهم، فقبل هذا التاريخ كان البدو الرّحل في الأردن يخضعون لقانونهم الخاص المستمد من عاداتهم وأعرافهم التي تشكّل الموادَّ الدستورية التي يشتق منها القضاء البدوي أحكامه.
وبهذا الإلغاء يكون الأردن الدولة العربية الرابعة والأخيرة التي تلغي القانون العشائري الخاص بالقبائل المرتحلة؛ فقبلها ألغت السعودية الأعراف العشائرية لتحل محلها الشريعة الإسلامية في الثلاثينيات من القرن العشرين، ثم قامت سوريا والعراق بإلغاء هذا القانون عام 1958م ومن ثم إخضاع البدو للقوانين المدنية.
ومن يطلع على مدونات البدو وعاداتهم وأعرافهم، سيجد الكثير من العادات والتقاليد التي لا يستطيع أن يفهمها أو أن يبررها ضمن السياق المدني الذي عاش داخله، الأمر الذي ربما يجعلها صادمة له.
وسيحاول هذا المقال تسليط الضوء على سبع عادات تخلّى عنها البدو تدريجيًا محاولاً تفسير هذه العادات، علما بأن كاتب المقال استقى معلوماته من ثلاثة مصادر، هي: "تراث البدو القضائي" لمحمد أبو حسّان، و"القضاء البدوي" لعودة القسوس، وكتاب "نمر العدوان" لروكس بن زائد العزيزي.
أولاً: البدوي لا يأكل مع زوجته
وفي الحقيقة تحفل المدونة البدوية بالكثير من المعتقدات التي تقلل من شأن المرأة، كما يرى العزيزي، غير أنّ أصل هذه العادة لا علاقة له بالإساءة للمرأة، بل هو مرتبط بقاعدة حق الملح.
فالمجتمع البدوي ينشط في البيئة التي تغيب فيها السلطة المركزية -قبل قيام الدولة الحديثة- وذلك يجعل حياة المجتمع قائمة على الصراع والاقتتال، الأمر الذي يدفع إلى عقد التحالفات.
وتعد المشاركة في الأكل من موجبات إعطاء الأمان والتحالف في الصحراء، فالأساس عند البدوي أن لا يغدر بشخص شاركه الملح (الطعام) بل يعده أخًا له ويدافع عنه، وانطلاقًا من فكرة الأخوة التي يوجبها الطعام يأتي رفضه للأكل مع زوجته؛ لأنه إذا أكل معها أصبحت أخته وحُرمت عليه، كما يعتقد.
ويروي روكس بن زائد العزيزي قصة حصلت مع والده مطلع القرن العشرين في مدينة مادبا، فقد زاره صديق بدوي وزوجته، ولمّا حضر وقت الغداء أحضر والده لهما الطعام وألح عليه أن تأكل زوجته معه، ففعلت.
وفي الأسبوع التالي حضر البدوي وحده، وحينما سأله عنها قال له: (لقد طلقتها لأنها أكلت معي، صارت أختي).
ثانيًا: لا يُطلب البدوي بجريمة أمه أو زوجته
نعرف جميعًا أن الحق أو الثأر يُؤخذ من الجاني أو أقاربه عن طريق الأب ولا يُطلب الخال أو الأقارب من طرف الأم بدم اقترفه شخص من نسلها، بل يكون موقفه في القضية موقف الجار.
وإن كان القتيل من أقرباء الأخوال توجب على هؤلاء أن يشاركوا في طلب الثأر من أبناء أختهم. أمّا ما لا نعرفه هو أن الزوج وأبناؤه لا يقتص منهم إذا ارتكبت الزوجة جريمة قتل، كما أنهم لا يشاركون في دفع الدّية بل إنّ موقفهم -كما يصفه عودة القسوس- يشبه موقف أحد الجيران فقط، كما أنه لا يُقتص من المرأة القاتلة بل من أحد أقربائها حتى الجد الخامس.
وإذا كانت المرأة متهمة بقضية، فإنه يجري التحقيق مع أحد إخوتها نيابة عنها؛ فيقوم بحلف اليمين عنها أو الخضوع للبشعة بدلاً منها (البشعة طريقة لكشف الكذب بواسطة لسع اللسان بسيخ حديد مسخن على النار، فإذا شعر بالحرق فهو كاذب ومدان وإذا لم يشعر فهو بريء).
ثالثا: زواج القصلة
كان البدو قلما يلجأون إلى القاضي الشرعي أو المأذون لتوثيق عقود الزواج لديهم، وكانوا يلجأون إلى طريقة خاصة بهم في إشهار الزواج؛ حيث يمسك ولي أمر العروس قصلة قمح أو شعير أو أي نبتة متوفرة ويعطيها إلى ولي أمر العريس أو كبير الجاهة قائلاً له: (خذ هذه قصلة فلانة بنت فلان إلى فلان بن فلان بسنة الله ورسوله).
اقرأ أيضا : المرأة وفكرة النخوة عند العشائر الأردنية
والقصلة تشكّل رمزًا للخصب الذي ستمنحه المرأة للزوج، علمًا بأن فكرة الخصب تدخل في تشكيل جزء غير قليل من أعراف البادية.
رابعًا: زواج الغرة
حينما توافق عشيرة القتيل في البادية على قبول الديّة والعوض عن دم ابنها، فإنها قد تطلب من عائلة القاتل -إلى جانب الدية- تقديمَ فتاة من بناتهم زوجة لأحد أقارب القتيل، وسمي هذا الزواج بزواج الغرة كناية عن الإهانة والذل اللذين يلحقان بالفتاة التي يقودها سوء حظها إلى مثل هذا الزواج، وكأنها تُجر من غُرتها مثل السبية.
والزوجة في مثل هذه الحالة تهان كرامتها وتعامل معاملة سيئة، ولا يحق لأهلها الانتصار لها أو تطليقها إلا إذا أنجبت ولدًا فإنّ أباها يأخذها إلى القاضي كي يطلقها، فيقوم القاضي بتسليم الولد إلى أهله كتعويض عن القتيل ويحكم بطلاقها.
خامسًا: حلف اليمين عند البدو
لحلف اليمين أشكال متعددة عند البدو، لكن لها شروط متفق عليها لا يجوز للمكلّف بحلف يمين أن يخل بها؛ فلا يجوز لحالف اليمين أن يغير أي شيء من هيئته حينما يقوم من مجلسه لأداء اليمين، كأن يخلع عباءته أو فروته أو عقاله، لأن البدو يعتقدون أن من يحلف يمينا كاذبا فإن الله ينكبه في حظه وماله وأهله ويقطع نسله، لذلك فإن قيامه بخلع عباءته تعد دليلاً على كذبه ومحاولته إنقاذ حظه من المصير الأسود الذي ينتظره.
سادسًا: شهود لا تُقبل شهادتهم
لا تُقبل شهادة الفار من المعركة عند البدو مثلما لا تقبل شهادة المرأة أيضًا، كما لا تقبل شهادة الرجل العاقر لأنهم يعتقدون أن عقوبة شهادة الزور هي الحرمان من الخصب والعاقر محروم منه فلا شيء يخشاه.
كما أنهم يرفضون شهادة الفلّاح الذي يتبع لقبيلة بدوية سواء بالعمل في أراضيها أو دفع الأتاوة لها، لأنه سيؤدي الشهادة خوفًا أو تحت التهديد.
أمّا عشائر الفلّاحين القوية والقادرة على الغزو والقتال -مثل الشريدة والفريحات- فإنهم يعاملوهم معاملة ندية.
وفي المقابل فقد كان قضاة البدو يقبلون شهادة مفطر رمضان وتارك الصلاة، وحسب محمد أبو حسّان فقد أخذ بعض قضاة البدو يرفضون شهادة مفطر رمضان مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين.
سابعًا: ديّة الضعيف والمغدور
لا يكره البدو شيئًا مثل قتل الضعيف أو القتل غيلةً، لذلك فإنّ ديّة قتل العبد أو المرأة تعادل دية أربعة رجال أحرار.
كما تُدفع مثل هذه الديّة في حالة القتل اغتيالاً بل إنهم يجيزون لأهل المغدور أن يستبدلوا منها دية رجل واحد من الديّات المستحقة لهم بقتل القاتل أو أحد أقربائه، ثم يطالبون عشيرة القاتل بدية ثلاثة رجال أحرار.