مقالات مختارة

الصين تنتصر في الجولة الأولى من الحرب الباردة على واشنطن

حسين مجدوبي
1300x600
1300x600

إبان هذه الفترة، فترة فيروس كورونا، يوجد إجماع على أن مرحلة ما قبل الفيروس ستكون مختلفة عن ما بعده، حيث يعيش العالم حربين، الأولى التي تخوضها الإنسانية ضد الفيروس، في محاولة احتوائه والقضاء عليه، بعدما هدد أسس هذه الحضارة، وستنتصر فيها كما انتصرت على أغلبية الأمراض المعدية. بينما الثانية هي الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة، وهي مرشحة لتطول، وستحكم على الكثير من الدول بضرورة التموقع مجددا لصالح هذا الطرف أو ذاك.


والحرب الباردة، هي مصطلح للحديث عن تلك المواجهة التي لم تصل إلى المواجهة العسكرية المباشرة، بل هي صراع في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتموقع العسكري، وأساسا المواجهة الأيديولوجية بين الغرب والاتحاد السوفييتي غداة الحرب العالمية الثانية. وبعد خمسة عقود تقريبا، انتهت بسقوط سور برلين سنة 1990، وانهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي. في الوقت ذاته، هي مصطلح يخفف من تصورات أخرى للمواجهة مثل صدام الحضارات، الذي قام بتطويره المفكر العسكري الأمريكي صامويل هنتنغتون.


ورغم تولي الحزب الشيوعي الحكم في الصين، ومحاول واشنطن إعطاء هذه المواجهة طابعا عقائديا، من خلال محاولتها الفصل بين الشعب الصيني والحزب الشيوعي الحاكم، إلا أن الحرب الباردة الحالية ليست عقائدية سياسيا، بل هي من أجل من سيحتل المرتبة الأولى لقيادة العالم. وقد حددت الصين منعطفا سنة 2025 لتحقيق الزعامة العالمية سنة 2047، الذكرى المئوية لتولي الحزب الشيوعي السلطة في هذا البلد، وتعمل واشنطن المستحيل لمنع حدوث ذلك. ومنذ قرابة عقدين، ومراكز التفكير الاستراتيجي تتحدث عن المواجهة المقبلة بين البلدين، وقد أعطى دونالد ترامب إبان حملته الانتخابية الرئاسية سنة 2016 بعدا مهما للقضية، وشرع في تطبيق إجراءات ضرائبية للحد من استفادة الصين من السوق الأمريكية. وإذا كان لكل ملف أو قضية منعطف رئيسي تاريخيا، فالحديث عن انفجار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين يبدأ بشكل رسمي من أزمة فيروس كورونا. وقد صرح وزير الخارجية الصيني وانغ يي يوم 24 مايو/أيار الماضي «بعض القوى في الولايات المتحدة أخذت العلاقات بين بلدينا رهينة وتدفعنا نحو شفا حرب باردة». ويعد فيروس كورونا منعطفا، لأنه قبل هذا التاريخ المهم، كانت روسيا هي التي تتزعم مواجهة الولايات المتحدة في ملفات دولية عديدة مثل، سوريا وفنزويلا والتموقع العسكري عالميا. وتوجد ثلاثة عوامل سرّعت من الحديث عن الحرب الباردة بين بكين وواشنطن، ومنحتها بعدا جديدا وكلها مرتبطة بفيروس كورونا وهي:


*في المقام الأول، الاتهامات المتبادلة بين البلدين لتحديد من يقف وراء انتشار الفيروس، ومن يتحمل المسؤولية؟ فقد أشارت الصين إلى مؤامرة أمريكية ضدها، وجاء ذلك على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية. بينما تحمل واشنطن بكين المسؤولية وراء انتشار الفيروس، إما بشكل متعمد أو غير متعمد من خلال الإهمال في مراقبة مختبر ووهان، وكيف تسبب كل هذا في أكبر أزمة اقتصادية، الأخطر منذ الأزمة الأعظم 1929، يحدث هذا في وقت تعافى فيه الاقتصاد الصيني من الأزمة ويعمل بشكل طبيعي تقريبا.


*في المقام الثاني، يسيطر قلق كبير على واشنطن وهي ترى كيف تعمل الصين على توسيع نفوذها في العالم، على حساب المصالح الأمريكية، وذلك من خلال ما يمكن تسميته بطريق الكمامة، وهو تقديم مساعدات طبية، سواء للدول الفقيرة أو الغنية ومنها الغربية. وكانت إيطاليا من الدول التي استفادت بشكل كبير من المساعدة الصينية لمواجهة الفيروس، في وقت تخلت عنها أوروبا والولايات المتحدة.


*المقام الثالث، يتجلى في كيفية زحف الصين على زعامة العالم في صمت من خلال ملء الفراغ، الذي تتركه الولايات المتحدة في المنتديات الدولية. ولعل المنعطف هو انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، بسبب الاتهامات التي وجهتها للصين بالتحكم فيها، وهو في الواقع انسحاب من زعامة العالم، أكثر منه من منظمة واحدة، لاسيما في هذا الظرف الدقيق والحساس الذي ينتظر فيه المجتمع الدولي تماسك الدول لتجاوز الأزمة.


ويبدو أن الصين قد حققت الفوز في الجولة الأولى من الحرب الباردة الجديدة بين البلدين. في هذا الصدد، خرجت الصين كمجتمع في مواجهة فيروس كورونا أكثر قوة وتماسكا بسبب نجاح الشعب والسلطات في السيطرة على تداعيات الفيروس. في المقابل، يعيش المجتمع الأمريكي انهيارا حقيقيا للقيم والتماسك، فمن جهة، فاقم فيروس كورونا، الشرخ الطبقي، فالضحايا ينتمون في الغالب إلى السود واللاتينيين والفقراء، ومن جهة أخرى، اندلعت أسوأ الاحتجاجات في تاريخ البلاد منذ سنة 1969، تاريخ اغتيال مارتن لوثر كينغ. وتأتي الاحتجاجات الجديدة في أعقاب اغتيال المواطن الأسود جورج فلويد مؤخرا، حيث امتدت المواجهات والاحتجاجات إلى أغلب الولايات الأمريكية، وتعيش العشرات منها حظر التجوال الليلي. والمفارقة، كانت في أن عددا من قادة الغرب، ومراكز التفكير الاستراتيجي كانوا يتحدثون عن احتمال انتفاضة للشعب الصيني ضد الحزب الشيوعي، بسبب الفيروس، وإذا العكس يقع.


لكن الانتصار الرمزي لهذه الدولة أو الأخرى، سيحصل عندما ستصل واحدة منهما إلى الدواء، الحقنة، للقضاء على فيروس كورونا مستقبلا. سيكون الأمر بمثابة الانتصار في حرب عالمية وامتلاك القنبلة النووية. وهناك عمل حثيث لعلماء البلدين، من سيصل إلى الحقنة المضادة للفيروس. الحقنة المضادة ضد فيروس كورونا ستكون منعطفا رمزيا كبيرا بشأن مستقبل هذه الحرب والعلاقات الدولية.

 

(القدس العربي)

0
التعليقات (0)