استيقظ يا نور العيون، وملء
الجفون، وحبة القلب، وراحة الفؤاد، كفاك نوما يا حبيبي. ألا تسمع ذلك الصوت الآتي
من بعيد فتطرب له النوافذ والجدران قبل القلوب؟ إنها أنشودة ليلة العيد التي طالما
عشقتها وأنا بين يديك، ورددت ألحانها والسعادة تنبض من قلبك وتزين شفتيك، فتتلاقى
على أنغامها نظرات عشقنا الأبدي ثم تتوارى خجلا من أن يلمحها الصغار. لكن مشاعرك
كانت أكبر من أن يُخفيها خجل أو أن يُواريها كتمان أو أن يحجبها إنسان، فكنت تُصر
على أن تُسر لي عبر كلماتها سرا أعلمه، فأرد عليك مترقبة العيون متلصصة بين السكون
كي أسرق أنا أيضا لحظة أُسر لك فيها بسر توقن به، فأنت عشقي وأنا عشقك، وأنت روحي
وأنا روحك، وأنت فؤادي وأنا فؤادك.
استيقظ يا حبيبي نستقبل يوما أظنه سيكون
الأروع في حياتي، هيا يا قلبي نلتقط بعض ما فاتنا أثناء الليل الطويل من حديث وسمر
وممازحة وغزل. هيا نستقبل نسمات يوم العيد سويا بعد صيام شهر كان هو الأجمل
والأسعد في حياتي، فلطالما كان يتوج بهاء وجهك سفرتي في الإفطار ويزينه في السحور،
ويسري صوت تلاوتك للقرآن الكريم في جنبات الدار فتزدان نورا وإيمانا وأمنا وأمانا
وراحة ورحمة وسلاما.
استيقظ يا حبيبي كي أرى كم أنا جميلة بعيونك
ولتنظر إلى بهائي في تلك الطرحة التي اخترتها لي يوم أن كنا سويا نبتاع ملابس
العيد لأبنائنا رغم أن نقودها كانت آخر ما تملك. ألا تذكرك بطرحة عرسنا تلك الليلة
التي كنت أنت نورها وظللت حتى اليوم أنت وحدك بهاء كل ليالي وأيامي. هيا قم يا رجل
لتنظر فستاني الذي تحب فيه أن تراني، لا تقلق تعتقد أنه قديم نعم فرغم قدمه إلا أن
عطر يديك يفوح منه فهو هديتك الأولى بعد أن أسعدت قلبي ونورت حياتي وقررت أن
تختارني ملكة متوجة على عرش قلبك.
هيا استيقظ يا حبيبي لأضع يدي في يديك وأسير
إلى صلاة العيد بجوارك، يتلامس كتفانا وتتلاقى خطواتنا فتختلط مشاعري، وأخاف أن
أفصح عنها فتفضحني أو أحجبها فأحرم من لذة الأنس بك وسماع تغريدات دقات قلبك، فلا
تنقذني سوى حمرة خجل تكسو وجهي فأنظر إلى الأرض علني أهرب من مشاعري وعيون من
حولي، فلا أجد غيرك فيزداد خجلي، فأرفع عيني أجدك بدرا في سماء عالمي الأسعد في
هذا الكون فأحمد الله على هديته الأغلى، فأنظر متأنقة متألقة متلألئة كملكة متوجة
فوق عرشها عن يميني أباهي بك الدنيا ولا أبالي، وعن شمالي أكيد بك قريناتي،
فليحسدنني نعم: فعلى ماذا غيرك أنت يمكنهن أن يحسدنني؟
استيقظ يا حبيبي يومنا جميل وساعاته معدودة
فعليك إسعاد قلبي وعقلي وكياني وحياتي أولا برؤياك، ثم إسعاد القلوب التي تحبك من
أبنائنا وأهلنا وجيراننا، ولا تنسى يا حبيبي أنه العيد الأول لابنتنا بعد زواجها،
ذلك الزواج الذي قضى على الأخضر واليابس من نقودك إلا أن فرحة "يمنى"
وسعادتي كانتا حلمك الدائم، وأملك الذي لا تنازل عنه، ورجاءك الذي لا يجاوزه رجاء.
أعلم أنك تمكر بي وتتصنع النوم وأنك مستيقظ
منذ اللحظة الأولى وتريد أن أزيدك دلالا وغزلا ولكن بعيونك لن يحدث كفاك مشاغبة
هيا استيقظ يا حبيبي. عندها وفقط خرجت يدٌ دافئة تتلصص نحوي وتسرق يدي الباردة
تمنحهما من دفئها، وصوت أعشقه واشتقت إليه بعد ساعات ليل صامت يقول: نعم يا فؤادي
ونور قلبي وسعادتي وأنسي ووحشتي، اتركيني قليلا. لقد كنت أسبح في سنوات عشقك
وأتذكر يوم أن رأيتك، فأصبحت بدرا ينير ليلي وشمسا تدفئ قلبي ونورا يملأ حياتي،
اتركيني أتلذذ من عشقك الذي يفيض بقلبي ووجداني.
سرى في المكان بعض الصمت، قطعه صوت غليظ هادر
أثار الخوف والرعب والهلع، يقول في جبروت طاغية وتجبر ظالم وبغي عتي مجرم فاجر:
"كل مرة مهزأة تقف في دورها وتحط الزيارة بتاعة المسجون قدامها هناخد الأكل
بس مفيش زيارة، يعني مش هتشوفوا وشهم العكر ولا هيشوفوا وشكم العكر، وخلي يومكم
الأسود ده يعدي على خير".
ارتجف جسد "رضوى"، إن تلك الكلمات
التي انطلقت نحوها كاللكمات لتسرق حلمها لصوت تعرفه جيدا، فكم مر عليها طويلا وكم
أخافها دائما وكم نهرها كثيرا وكم أهانها أكثر. لم تستطيع أن تتطلع في وجهه بما
يحمل من قسوة وغلظة وغباء وغبن وجبن وخسة ونذالة، فتذكرت أنها راحت في غفوة تحلم
بزوجها وأنها أمام أسوار السجن العالية التي حرمتها رؤية حبيبها سبع سنوات كاملة
ولم تفطر معه سبع رمضانات حزينة ولم تتزين له أعيادا عديدة.
وفي تلك اللحظات مر بطيف خيالها حجم ما عانت
من حرمان بينما قريناتها تستمتعن بجمال الحياة وبهجة الدنيا وأنس الزوج ولمة
الأبناء. تحسست وجهها الذي قهرت جماله كثرة الدموع مع ما عايشته من ألم صنعه
جبارون لم يرحموا يوما ضعفها، وتذكرت ضيق حال لا ترى أملا في أن ينتهي، وكدرا
وتعاسة لم يكن يقلل منهما سوى حلم ترى فيه حبيبها.
صرخت رضوى قائلة: لقد سرقتم منا الماضي
والحاضر والمستقبل والأمل فلتتركوا لنا
الأحلام، اتركوه لنا نراه حتى ولو لحظة في
المنام.