هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
صادف يوم الأحد الفائت، السابع عشر من أيار، الذكرى الثمانين لميلاد الفنّان عادل إمام.
وُلد عادل إمام في قرية شها بمحافظة الدقهلية في مصر عام 1940، وقد اشتهر بأعمالٍ سينمائية وتلفزيونية ذات طابع كوميدي تمسّ القضايا السياسية والاجتماعية والدينية، واعتُبر أيقونة للكوميديا الساخرة على مدار مسيرته الفنيّة، حيث شارك في بطولة العديد من المسرحيات والأفلام والمسلسلات، وكانت أعماله تحقّق إيراداتٍ عالية، ما جعله فنّانًا بارزًا في الوسط الفنّي.
لكن وعلى الرغم من القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي صنعها عادل إمام وحصوله على لقب الزعيم، إلا أنه لم يكن شخصية فنيّة يُتفق على زعامتها، حيث كان مثيرا للجدل في كثير من الأحيان؛ لما يقدمه من أعمال تفتح المجال لتساؤلات وانتقادات تشكّك في نجوميته، وتحاول تقصي مقاصده فيما يعبّر عنه في أعماله التي يمرّرها إلى جمهوره المصري والعربي.
مدرسة المشاغبين
عُرف عادل إمام نجما مسرحيّا يُضحك الجمهور وحتى زملاءه على خشبة المسرح بخروجه عن النص، وإضفاء حسّه الكوميدي الخاص، فنجده في مسرحية مدرسة المشاغبين طالبا مشاغبا بالاشتراك مع عدد من الفنانين كسعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبي وغيرهم، إلا أنه لا يمكن لأحد أن ينكر براعة سعيد صالح وعادل إمام في المسرحية، وخطفهما للأضواء، وانتزاعهما للضحكات، ما جعلها صالحة لكل زمان ومكان، وتُعرض إلى اليوم، ونضحك أثناء مشاهدتها للمرة الخامسة وكأنها الأولى! إلا أنه وعلى الرغم من النجاح الذي حققته، فقد أثارت جدلا واسعا حول موضوعها، وأشير إلى أنها هدم للجيل وإهانة لصورة المعلم والمثقف، حيث يسخر الطلبة من معلمهم ومدير المدرسة ومن المعلمة الشابة والمثقفة.
بدء النجومية
بدأت نجومية عادل إمام من خلال فيلم (البحث عن فضيحة) بالاشتراك مع الفنانة ميرفت أمين عام 1973، وهو فيلم مأخوذ عن قصة الفيلم الأمريكي (دليل الرجل المتزوج)، حيث كان هذا الفيلم نقطة تحول في مسيرته الفنيّة بعد النجاح الذي حققه، وتبعه فيلم (رجب فوق صفيح ساخن) وفيلم (شعبان تحت الصفر) وغيرها.
وقد عبّر عادل إمام من خلال أعماله عن واقع المواطن المصري، وما تعانيه الطبقات الفقيرة المسحوقة والمقهورة بعباراتٍ ساخرة، وهذا ما جعله نجما محبوبا لدى الناس، كما كانت تُرفض بعض أعماله في المهرجانات المصرية لاصطدامها الواضح مع السلطة السياسية.
التساوق مع الدولة وأجهزتها
ويبدو أن عادل إمام افتتن بالمجد والشهرة، فلم يكن يريد أن يدير ظهره للنجومية وهي تلوح له ويتبنى مواقف سياسية تضره أكثر مما ستنفعه، فكان أن التزم بمتطلبات الإعلام الرسمي، مقدما فيلم (اللعب مع الكبار)، حيث قام بدور (حسن بهلول) الشاب الذي ينتمي للطبقة الفقيرة، ويعاني من البطالة، ولا يستطيع حتى الزواج من خطيبته (عايدة)، إلا أنه يقرر أن يعيش (بعبثية) قانعا بحياته، ومحبّا لوطنه من خلال تعاونه مع رجال الدولةِ وأجهزة أمنها، وهو ما جسّده فعليّا من خلال فيلم (الإرهابي)، الذي هاجم فيه الإسلاميين، وعبّر عن الإرهاب بطريقة مستفزة للجماعات الإسلامية، سواء المعتدلة منها والمتطرفة.
والجدير بالذكر أنه هُدد بالقتل بعد عرض الفيلم، لكن ذلك لم يثنيه، بل كان أن ذهب إلى أسيوط لتقديم مسرحية الزعيم، على الرغم من الخطر الذي كان يحيط بالمنطقة بسبب أعمال العنف.
ومن المعروف أن عادل إمام لم يكن يتورّع عن مغازلة النظام السياسي كما في فيلم (طيور الظلام) للكاتب وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، حيث كان فيلما في غاية الجرأة في طريقة معالجته قضية التنظيمات والأحزاب الدينية والسياسية، وتقديم بعضها بصورة غير موضوعيّة كجماعة الإخوان المسلمين، والتي قُدمت للمشاهد بصورة تعكس رؤى النظام الحاكم على أنها جماعة تستهدف الفقراء وأصحاب العقول السطحية والبسيطة؛ للوصول إلى أهدافها، وجمع أكبر عدد ممكن من المؤيدين.
تأييده لمبارك
واستمر عادل إمام في تقديم أعمال عديدة تظهر فيها محاولته خلق جو من الود بين السلطة والشعب، فنال اعترافا رسميّا بشهرته ونجوميته من قبل الإعلام الرسميّ، وحاز على جوائز وتكريمات عديدة.
ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أدلى بتصريحات ضدّ حركات المقاومة للاحتلال الصهيوني في خطوة وصفت كنوع من المغازلة المجانية والانتهازية للنظام الحاكم.
اقرأ أيضا: انتقادات حادة لأعمال عادل إمام الأخيرة ومطالب باعتزاله
كما أنه عرف بموالاته لنظام حسني مبارك، وصرّح بذلك، ولم يشفع له وقوفه "المتأخر" مع ثورة يناير عند جمهوره من الشباب، ورأوا فيه شخصا متناقضا مع ما قدمه من أعمال تحاكي الواقع المرير لبعض الفئات المسحوقة من الشعب.
إن الجمهور لا يغفر صمتَ الفنان، فكيف إن كان معلنا موالاته لنظام أقام الشعبُ ثورة انتهت بخلعه! بل انتهى به المطاف بتأييده للانقلاب العسكري الذي قاده الجيش ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي.
التكرار الملحوظ
لا يمكن إنكار الموهبة التي يتمتع بها الفنان عادل إمام، وأنه قدم أعمالا ستخلد في ذاكرة السينما المصريّة، إلا أن مسيرته الفنيّة كان لا بد أن تتوقف عند محطة ما، نظرا للتكرار الذي بدا ملحوظا في أعماله الأخيرة، كتكرار الأفكار المطروحة في العمل والمشاهد والعبارات، إذ لم يعد لديه الجديد ليقدمه للمشاهد، كيف وقد قام بأداء المئات من الأدوار، حتى أصبحنا كأننا نشاهد عادل إمام فقط وليس شخصية العمل.
التركيز على الغرائز
إضافة إلى الصراع الذي تؤججه أدواره الأقرب إلى الإباحية الجنسية بين فئات المجتمع، حيث يعتبر البعض أن ما قدمه عادل إمام في سنواته الأخيرة ما هي إلا أعمال في غاية السطحية والسذاجة، خاصة إذا ما قورنت بأعمال (الزمن الجميل)، وأنها أعمال لا ينبغي عرضها بسبب تركيزها على الإمتاع البصري ودغدغة غرائز المشاهدين على حساب مضمون العمل، الذي من المفترض أن يكون هادفا ويحمل أفكارا وقيما تبني وتُصلح، بدلا من التهريج والضحك والاستهزاء وتكثيف مشاهد القبلات، وظهور البطل بوصفه زيرا للنساء، مع أنه لا يتمتع بأدنى درجات الوسامة على مستوى الوجه أو الجسد كرشدي أباظة و أحمد رمزي مثلا!
مسلسل (فلانتينو)
عاد عادل إمام من جديد في الموسم الرمضاني الحالي ببطولة مسلسل (فلانتينو)، تزامنا مع غياب كبار الفنانين.
وبعد غيابه في الموسم الرمضاني السابق، إلا أن العمل لم يتصدر قائمة المسلسلات الأعلى مشاهدة، ولم يقترب حتى من مضمار المنافسة، حيث حققت بعض الأعمال الأخرى نسب مشاهدة عالية وأثارت الأخرى جدلا، إلا أن (فلانتينو) غاب عن المشهد كليّا، بل أثار موجة من النقد اللاذع وتصريحا من بعض النقاد والمشاهدين بأن (الزعيم) قد انتهى زمنه، ليس لكبر سنه فقط ومحاولته الفاشلة بإعادة ماضيه، بل لأن المسلسل عبارة عن كومة من الأحداث المملة، وأفيهات عفا عليها الزمن، واعتبر (فلانتينو) سقوطا آخر يضاف إلى أعماله الأخيرة كمسلسل (صاحب السعادة) و(مأمون و شركاه) وإعلانا لانتهاء فصل طويل لزعامة هيمنت على شباك التذاكر والشاشات وأدوار البطولة، فأُطفئت الأضواء، وأُسدل الستار استعدادا لاستقبال زعيم آخر..