أخبار ثقافية

قراءة بانورامية في مسرحية الأيدي الناعمة: ثنائية العمل والكسل

مسرحية الأيدي الناعمة
مسرحية الأيدي الناعمة

هذه القراءة نصيّة دلالية تحرص على تلخيص المسرحيّة، بغية الوصول إلى دلالاتها، وسنحاول في هذه القراءة البانوراميّة إبراز تجليّات ثنائيّة العمل والكسل، وكيفيّة اشتغالها في المسرحيّة.


في البداية، يجب أن يكون السّؤال الأوّل الّذي يجدر بالمهتمينَ بالأدبِ أن يجيبوا عنهُ ليس هو: ما فائدة الأدب؟ بل ماذا ينتج عن كون الأديب يعيش في برج عاجي؟


وكيما ينعكس الواقع في الأدبِ لا بدّ له من أديب يعايش الواقع، لا أن يعيش بعيدًا عن قضايا عصره ومشكلاته الاجتماعيّة، يشارك النّاس في آلامهم وأفراحهم، عن طريق ملامسته لجوهر الشّرط الإنسانيّ الواقعيّ، وتصويره تصويرًا لا يجانب الحقيقة في حال من الأحوال، وعلى هذا الأساس لا تقتصر مهمّة الأدب على ما يمكن أن يثيره في نفس القارئ من انفعالات وعواطف، وإنّما أكبر مهامه والمحور الذي يدور عليه هو نقد الحياة والواقع، وتبعًا لذلك؛ لا أرى عمّا إذا كنتُ قد جانبتُ الصّواب بأننا دائمًا في مجال الدّراسات الأدبيّة أمام نصّين: نصّ كبير ونص صغير، النّص الكبير هو نصّ الحياة والنّص الصّغير هو النّص الأدبيّ.


من هنا، نجح توفيق الحكيم في مسرحيّة الأيدي النّاعمة إلى حدّ ما أنْ يقدّم صورة كليّة عن أهمّ قضايا العصر الاجتماعيّة، وهي الفقر والبطالة، بلغةٍ سهلة وأسلوب جدًا بسيط، بعيدًا عن التّصنع والتّعقيد، كما لا تخلو المسرحيّة من حسّ الفكاهة والكوميديّة، مُحاولًا ما أمكن جمع الواقعيّ بالمثالي.

 

إذ تتحدّث المسرحيّة عن قيمة العمل وأهمّية الإنتاج وتعظيم دور المشاركة، ودعوة لنبذ البطالة والاتّكاليّة، وقد بدأت المسرحيّة بحوار بين رجلين أمام شاطئ النيل، وقد جمعتهما الصّداقة ـ بالأحرى البطالة والطّفرـ في ذلك المكان، هما:

 

الدّكتور علي حمّودة الحاصل على الدّكتوراه في اللغةِ العربيّة، يبحث عن عملٍ من خلالِ قراءة الإعلانات في الجرائد، ولا يوجد له مكان في الجامعةِ، فتخصصه العميق جعلهُ غير صالح للتدّريسِ في المدارس، وبسبب شغفه في النّحو رفض أن يعمل عملًا بعيدًا عن تخصصه.

 

واكتشف فيما بعد أنّ درجته العلميّة لا تؤهله لأن يعيش حياة كريمة وسعيدة، لهذا ظهر الدّكتور عبر فصول المسرحية أشبه ما يكون بالرّجل الآلي الّذي يتصرف في حياته تمامًا كالآلة، بحيث إنسانيّته تكاد أن تختفي، فلا يتحدّث إلّا من خلال مفردات اللغة العربيّة.


وعلى الطّرف الآخر، نجد البرنس فريد، وحيدًا حزينًا، يبحث عن هيبته المسلوبة، وقد كان يتخذ مركزه الرّفيع وسيلة لتحقيق رغباته وهيمنته، وأقلّ ما يقال عنه بأنّه رجلٌ متعجرف وأنانيّ، هي مسرحيّة ترويض الرّجل الاتّكاليّ العاطل بالوراثة، من خلال حثّه على العمل.

 

لهذا نشأ البرنس في ظلّ أسرةٍ أرستقراطيّة مُنعّمة ومرفّهة، وقد جرّدت قرارات الحكومة منصبه وسلطته وثروته، وأبقت لهُ قصره فارغًا من الخدم، والقصر لا يمكن بيعه أو استغلاله، وهو مخصص فقط للسّكن، وغير ذلك يعرّض نفسه للمساءلة، وهنا يستحضرني قول عرار: 


 ما قيمة الألقاب منصوبــــة*** والظهر بالخزي قد احدودبا
كـم مطلق العنوان ألقابـــــه*** ما حققت ســؤلا ولا مطلبا

 

من هذا المنطلق، لا بدّ للبرنس أن يعمل مثله مثل الآخرين، ويعتمد على نفسه، وبالرّغمِ من تجريده من لقبه وماله إلاّ أنّه ما زال يعيش الماضي، ولم يتجرّد من عنجهيّته وعجرفته، ويتعامل مع النّاس باستعلاء وفوقيّة وازدراء، ومن ثمّ حدث تحوّل في سلوك البرنس، إذ سرعان ما تتبدّل تصرّفاته ويتغيّر سلوكه بشكلٍ جذري، بعد وقوعه في حبّ كريمة ابنة الحجّ عبد السّلام.

 

جسّد شاطئ النّيل في المسرحيّة مظهرًا من المظاهر المُبرِزَة لنفسيّة الإنسان المهموم والملهوف، من هنا تتلخّص عقدة المسرحيّة، وعلى هذا الأساس جلس الدّكتور علي والبرنس فريد يتبادلان أطراف الحديث. 

 

ومن خلال الحوار نسمع صوت الأنا المنتمية لفكرها، والمسرحيّة ناضحة بدلالاتها وإسقاطاتها الاجتماعيّة والفكرية، لنجد السّارد متورطًا في هيام وعشق الطّبقة العاملة ومنحازًا لها، في مقابل ذلك فضح قسوة الطّبقة العليا وهيمنتها، وفضح الطّريقة اللاإنسانيّة التي يتمّ فيها تعاملهم مع من هم دونهم، لهذا أجاد السّارد في تعرية واقعه السّردي.

 

إذ إنّ قارئ المسرحيّة لا يجد كبير عناء في ردّ الحوار إلى الطّبقة الّتي تنتمي إليها الشّخصية، وصحيح أنّ المسرحيّة تدعو إلى العمل، إلاّ أنّها في الحقّ تحمل تصوّرًا ما عن التّفاوت الطّبقي/المادي في زمن أصبح المال كقيمة عليا تطغى على قيمة العلم، لذلك عندما طلب الدّكتور علي حمودة من البرنس عملًا في الدّرجة الخامسة، لأنّ شهادة الدّكتوراه الّتي يحملها تعادل الدّرجة ومرتبها لا تقل عن عشرين جنيها، ردّ البرنس بلغةٍ ساخرة بأنّ سائق سيارته كان يتقاضى أكثر من ذلك، وهكذا يمتد الحوار بهذا الأسلوب السّاخر، إلى أن يسخر بطريقة تنمّ عن خبث ومكر وإهانة مبطنة عندما سأله: 


هل تستطيع أن تقود سيّارة؟  
 لا يا سيّدي، ولا أقبل..
ولا أنا !..
أريد وظيفة حكوميّة أو حرّة. لا يهمني الآن.. المهم وظيفة !..

 

ظهر الدّكتور علي حمودة الّذي يجسّد نموذج المثقف العربيّ في صورة مخجلة، تبعث على الأسى والحزن، مما يشي بقلق الإنسان الطّموح وحاجته إلى الطّمأنينة الّتي تخلصه من وجع الواقع، لهذا كان جواب الدّكتور جواب الرّفض لأشكال الإذلال والخضوع كافة، وهذا الرّفض الواضح ترك مجالًا لحرّية التّعبير بصورةٍ موازية، من هنا يتبيّن أنّ العلاقة بين الدكتور والبرنس تبادليّة تماثليّة في الظاهر، لكنّها في العمق تخالفيّة ضدّية.  

 

في مستوى آخر من النّمط نفسه، نجد أنّ البرنس فريد يكاد يكون دليلًا وشاهدًا لافتقاده منطق الإنسانيّة بما تحمله من حبّ ورحمة وتواضع وقدرة على حبّ الآخرين، إذ أسهمت الكلمة في الكشفِ عن معاني الحقد والازدراء الطّبقي التي تظهر من خلال حواره مع بائع الذّرة، مفصحًا عن الرّغبةِ الدّفينة في وضع من هم دونه في وحل الرّذيلة والنّجاسة والجشع والطّمع، وقد وصف البائع بأنّه فاقدُ الشّرف، عندما أعرب عن ثمن الكوز بقرش، بما يعكس فقدانه لأدنى حدّ من الأخلاق، وهذا ما يمكن أن أسمّيه بوجع الإهانة، ما نصّه:
البائع: كثير؟


البرنس: طبعًا كثير.. بكم تشتري الكوز من الغيط.. بشرفك...؟ إن كان عند مثلك شرف؟

 

من هنا راح السّارد يصوّر باهتمامٍ شديد حالات الصّراع بين طبقتين، ليغدو انسحاق الطّبقة العاملة تحت ثقل الطّبقة العاطلة مناهضا لانسحاق العاطلين أنفسهم، أمام واقع يجثم بثقله عليهم فلا يترك لهم متنفسًا للفرح والسّعادة:


البائع: الناس عندنا إما عامل وإمّا عاطل.. إما نافع يشتغل ويعرق ويفيد نفسه وغيره.. وإمّا صايع من غير مؤاخذة لا شغلة ولا مشغلة، تنفعه وتنفع الناس.

 

ويقترب البرنس من النّظرة الدّونيّة السّابقة، إلى الحدّ الّذي جعله يدين زواج ابنته مرفت من سالم، الشّاب الفقير، الكريم الخُلق، خريج الهندسة، الذي يعمل ميكانيكيًا في كراج، مما ساقه سوقًا إلى أنّ يأخذ عليها بشدّة وعنف وغضب، ويتبرأ منها، مسندًا إليها العار، والأمر كذلك ينسحب على أختها جيهان، التي تركت القصر، وعيشها جنبًا إلى جنب مع أسرة سالم، زوج مرفت، تفضل حياة البساطة والعمل على قصر أبيها، وصار سالم ثريًّا، ولم يصل إلى هذه الحال إلّا بعد أن عاش وزوجته حياة الضّنك وذاقا مرارة الحرمان من سنوات، وحاربا الفقر، وقد جنى ثمار صبره، وكانت مرفت على قدر كبير من المسؤولية، وصبرت وتحمّلت تبعات ذلك الزّواج، لأنّها كانت على قناعة تامّة بأنّ المناصب لا تظل على حالها، وأن التّشاركيّة والعلم مع العمل هما شعار المرحلة الحاليّة.


وأعـزّ ما يبقى ودادٌ دائــــمٌ***إنّ المناصب لا تدوم طويلا

 

ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل يتعدّاه إلى أن البرنس فريد جسّد في المسرحية نموذج الإنسان المُتكبّر والمُتعالي والأناني الذي يحتقر كل من هم دونه، مستصغرًا شأنهم، وهذا ذاته ما صرّح به للدكتور دون مواربة ومداورة، بأنّه عندما كان يمرّ بسيارته ويصادف الباعة المتجوّلين وهم يجرّون عرباتهم بملابسهم الممزقة، سرعان ما يشعر بالنّفور والاشمئزاز، هذا جانب من الاستعلاء والتّكبر. أمّا الجانب الآخر فهو العناد؛ وهو أنّ ابنته مرفت عندما التقت به بعد سنوات من الفراق، وطلبت منه أن يسكن معها في بيت زوجها بدلًا من أن يظلّ وحيدًا ومشرّدًا وكعرفان للجميل، رفض طلبها بأن يسكن مع زوجها الحقير، ونعت كلّ من على شاكلته بأشنع الصّفات، قائلة له محتجّة:


"تستطيع يا بابا أن تهينني.. ولكن لا تهن زوجي.. إنّه رجل.. رجل.. اعتمد على ذراعه.. وخلقه.. لم يأنف يومًا من ارتداء لباس العامل الملطّخ بالشّحم والزيت، هكذا شقّ طريقه واستحقّ في نظري كلّ احترام.. إنّي لم أكن مخطئة يوم تركتُ خطيبي الأول.. ذلك النبيل المخنّث الذي لا يحسن شيئا غير التطلع في المرآة وعقد ربطة عنقه".

 

من الواضح الجلي الّذي لا يرقى إليه الشّك، أنّ الكاتب يريد أن يقول بطريقة ضمنية: إنّه يجب على النّخب خاصة السّياسيّة أن ينزلوا من أبراجهم العاجيّة، إذ ليس هناك ما يدعو للخوف من مواجهة الجماهير خاصة العاملة، لرؤية المعنى الحقيقي للواقع والحياة.

 

وبالإضافةِ إلى ذلك كلّه، فإنّ البرنس فريد يمثل أيضًا في المسرحيّة الشّخصية الفضوليّة والمتطفلة والاحتياليّة، التي تقتاد على موائد الآخرين، ولربما جاز لنا الآن أنْ نقول إنّها الشخصية الخاملة والاتكالية وغير الفاعلة. ومن الحقّ أن نشير ههنا إلى أنّ الشّخصيّة الاتكاليّة هي حالة تعبّر عن ضعف الثقة بالنّفس، لهذا لا يخجل البرنس في أثناء مكوثه مع الدّكتور بالتّطفل عليه بالأكل، حتّى وصلت به الوقاحة والجراءة منه بأن سرق برشاقة علبة الكبريت من بائع البسبوسة، مدافعًا عن هذا التّصرف للدكتور بقوله بأنّه من أولياءِ النّعم والأمراء والملوك؛ يأخذون من النّاس ما يريدون ويعدّونه حقًّا وتشريفًا لهم.

 

ولستُ أراني في حاجة إلى أن أبيّن ذلك، فهي أوضح من أن نحاول إيضاحه وتحديده، كما أنّ المكان أضيق من أن يسمح لنا ذلك، وبذلك فإنّ البرنس بالرّغم من استبداديّته وتكبّره وغروره، يبدو لنا شخصيّة منكسرة، وفي ما يلي شاهد على انكساره، وذلك عندما دعا الدّكتور إلى الإقامة والنّزول في ضيافةِ قصره، وقد طلب منه أن يفتح الباب، لمعرفة من الطّارق، ودونكم نصّ الحوار:


الدكتور: أنت استيقظت قبلي.. لماذا لا تنهض أنت وتفتح؟
البرنس: أنا؟ أذهب لأفتح الباب؟
الدكتور: كثير عليك؟!
البرنس: إني غير معتاد
الدكتور: وأنا كذلك..
البرنس: ماذا؟ لا تعرف كيف تفتح بابا؟
الدكتور: لم يكن عندي قصر له باب حتّى أتعوّد فتحه..
البرنس: تعلّم..


الدكتور: لماذا لا تتعلّم أنت؟ لماذا تستمر في اعتبار نفسك خيرًا منّي؟ أنت مفلس وأنا مفلس، وأنت صاحب سمو سابق وأنا دكتور حالي؛ أي إنّ لقبك مفقود ولقبي موجود، فأنا في هذا خير منك. أنت تستطيع أن تقول لي دائمًا: يا دكتور، وأنا لا أستطيع أن أناديك بيا صاحب السمو السابق إلّا تبرّعًا.

 

ولمّا ضاقت بهما الحال في القصر، لا أكل ولا شرب ولا خدم ولا مال، اقترح الدكتور عليه بأن يستغل قصره، ويكتب إعلانًا في الجريدة بأن يعرض القصر دون ثمن، من أجل أن يحظى بالخدمة من أكل وشراب، وما سوى ذلك من رعاية، وكان أول القادمين البيك وزوجته، وهما من ذوي السّلطة والنفوذ والغنى، وقد رحّبا بهذا الإعلان والشّرط، وعندما أخبرهما بالشرط الآخر بأن تحديد صفة الإقامة بأنّهم ليسوا مستأجرين والصفة المقبولة هي أن يقولا بأنهم أقاربه، وسمعا هذا الشّرط، فزعا وتركا القصر، لأنّ البرنس أصبح مصدر شبهة، وقد خاف البيك على نفسه ومصلحته.

 

وتمرّ الأيام وإذ بطارق يطرق باب القصر، وهو الحاج عبد السّلام وابنته كريمة، ويبدو عليهما الفقر لكنهم كريما النّفس، وقد أبدا استعدادهما في خدمة البرنس وتحديد صفة الإقامة بأنهم أقرباؤه، وقد وجدت كريمة أنّ البرنس بداخله طيبة تختلف تمامًا عن تصرفاته الظاهرة، وهذا نفسه ما قاله أبوها للدكتور أيام مكوثه في القصر، بأنّ البرنس مؤدب ونشيط، وأصبحوا أسرة واحدة.

 

ومع مرور الأيام تغيّرت طباع البرنس وتصرفاته، وتغيّرت أفكاره، تغيّرًا كبيرًا، وأصبح يؤدّي أعمالًا لم يكن يخطر على باله أنّه سيؤديها يومًا، ومرد ذلك يعود إلى كريمة، وقد جمعت بين حسن الخلق والجمال، ونضوج العمر ورجاحة العقل، مع تفانيها في الخدمة وحبّها العمل، ونشاطها المنقطع النّظير، من تنظيف وغسل وطبخ، الأمر الّذي جعل من البرنس يغيّر من سلوكه وتصرّفاته، ويقبل على العمل بهمة وحيوية، إلى الحدّ الّذي جعله لا يقيم وزنًا للمدح.

 

هذا وقد عاتب كريمة ذات يوم بأنّ لقب سمو البرنس الذي تناديه به دائمًا، أصبح لا محلّ له بالمرّة، ومن هذا المنطلق شكّلت ثنائيّة العلم والعمل بأشيائها المتعددة، محورًا أصيلًا في بنيةِ المسرحيّة، وهذا ما يُمكن ملاحظته في الحوارِ الآتي:

 

البرنس: أليس أحسن من ذلك أن تقوم قليلاً وتساعدنا؟
كريمة: دعه مستريحًا.. ليس من حاجة تدعو إلى أن تتعبه.
البرنس: ولكن أريد أن أراه يعمل شيئًا في هذا المنزل
الدكتور: وهل أنا لا أعمل شيئًا؟
عبد السلام: حقًا.. الدكتور لا يترك فرصة إلاّ ويفيدني بعلمه.

 

وينبغي هنا الالتفات إلى ذلك الترابط العضوي بين العلم والعمل، إذ إنّ من يجمع بين العلم والعمل غالبًا ما يمتلك القرار، لذلك عندما تقدّم الدّكتور من جيهان لطلب يدها للزّواج لم ترفض، لكن من باب اللباقة والواجب أن يأخذ رأي والدها، على أنّ الرأي الأهم والقرار النّهائي هو في يد زوج أختها "سالم"، الذي تعدّه المتصرّف الحقيقي في أمر مستقبلها، وهذا هو تمامًا ما أصرّت عليه كريمة عند طلب البرنس فريد الزّواج منها، لأنّها تعدّ أخاها سالم ربّ الأسرة الحقيقي، الأمر الّذي جعلهما يتقرّبان منه ويتوددان أكثر من اللازم، ويتسابقان على إرضائه.

 

وعلى ذلك، تنتهي المسرحية من خلال حلّ سالم عقدة الرجلين، هذا بالإضافة إلى أنه دبّر عملًا يتناسب مع تفكير كل واحدٍ منهما، وأصبحا فاعلين ومنتجين في المجتمع، وبذلك تكون عقدة المسرحية قد حلّت وحلّت معها مشكلة البرنس والدّكتور.

 

فقد تبيّن فيما بعد أنّ الحج عبد السّلام هو والد زوج ابنته مرفت، وأنّ مجيئهما إلى القصر لم يكن محض مصادفة أو كما ادّعى بتحقيق رغبة كريمة وحلمها بأن تعيش في قصر، وكانت الحكاية مُدبرة بغرض أن يعيش البرنس محاطًا بالعناية، إذ قرأت ابنته الإعلان في الجريدة، فأدركت من العنوان غرض أبيها، وهو أنه لا يريد حياة الوحدة والعزلة في هذا القصر الواسع، ويتضح مما سبق أنّ العلاقات بين الشّخصيّات في هذه المسرحية قائمة على التّشاركيّة.

 

والخلاصة التي نودّ تأكيدها هنا في هذا المقال، أنّ تسمية المسرحيّة بـ"الأيدي النّاعمة" ليست تسمية تخلو من دلالةٍ، إنّ الأيدي النّاعمة دلالة على البطالة، الّتي لا تعرف غير ربطة العنق ورائحة العطور، ومن هنا كان إطلاق تسمية عنوان المسرحيّة، ليحمل المعنى وضدّه، والأيدي الخشنة هي الأيدي العاملة، الّتي تسعى إلى جلب الرّزق بعرق الجبين.

التعليقات (0)