هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتزايد في الأيام الأخيرة تقارير فلسطينية وإسرائيلية ودولية تتحدث عن انطلاق عجلة المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل لإبرام صفقة تبادل أسرى جديدة، يستعيد الاحتلال بموجبها جنوده الأسرى لدى الحركة، التي تطالب في المقابل بإطلاق سراح المئات من كبار الحركة الوطنية الأسيرة من مختلف التنظيمات الفلسطينية.
ورغم نفي الجانبين حصول تلك المفاوضات غير المباشرة، لأسباب مفهومة، لكن صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية كشف عن دور دولي في الاتصالات، ما قد يزيد من فرص نجاحها المحتملة.
ويوضح التقرير الذي أعده "رونين بيرغمان" خبير الشؤون الأمنية، ووثيق الصلة بالمنظومة الاستخبارية الإسرائيلية، أن الجهات الدولية الضالعة في المفاوضات هم عدة وسطاء دوليين رفيعي المستوى، يمثلون دول ألمانيا وسويسرا ومصر، ويجرون منذ أشهر جولات مكوكية بين غزة وتل أبيب والقاهرة، لإنجاح "الصفقة".
وينقل التقرير عن "دافيد ميدان"، المسؤول السابق في "الموساد" والمشارك الأساسي في صفقة التبادل السابقة مع حماس، المعروفة باسم "شاليط 2011"، قوله إن هذه اللحظة تمثل إمكانية حقيقية للتفاهم، فالتوقيت الحالي يبدو الأفضل، بحسبه، مؤكدا وجود إرادة لدى حماس وإسرائيل، ومشيرا إلى أن "الفوارق ليست كبيرة".
بدورها كشفت قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية هوية الوسيط السويسري المنخرط في صفقة التبادل، وهو "رونالد ستيننغر" مبعوث البلاد للشرق الأوسط، الذي يقوم منذ سنوات بنقل الرسائل بين حماس وإسرائيل، في محاولة لإحداث اختراق في صفقة محتملة، وسبق له أن التقى قادة الحركة في غزة.
صمت حماس
أجرت "عربي21" اتصالات مع العديد من الناطقين باسم حماس، أو القياديين فيها، للتعقيب على آخر تطورات المفاوضات، لكن الاعتذار كان سيد الموقف، سواء بالنظر لحساسية الأمر، أو التزاما منهم بالبيان الصادر عن الحركة في 5 أيار/ مايو، الذي نفى وجود أي تقدم "نوعي".
وأفاد بيان الحركة المشار إليه بأنه "في ظل حالة الضخ الإعلامي التي يمارسها المستوى السياسي الصهيوني وإعلامه الموجه، نؤكد عدم وجود تقدم نوعي في مفاوضات التبادل عبر الوسطاء مع الاحتلال، الذي يهدف من خلال هذه الحملة للتملص من استحقاقات المبادرة التي طرحتها حماس، وتضليل عائلات الأسرى الصهاينة، والضغط على معنويات الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم".
وقد يقرأ تكتم حماس في سياق خشية التأثير على سير المفاوضات، أو تفضيل منح القنوات الخلفية حرية الحركة والتباحث، كما قد يعكس تخوفا من الطرفين من "حرب نفسية" قد تؤثر على مواقفهما.
اقرأ أيضا: وساطة أوروبية لعقد صفقة أسرى بين حماس والاحتلال.. تفاصيل
تناقض إسرائيلي
بالتزامن مع تدفق التقارير الإعلامية حول انطلاق مفاوضات التبادل، خرجت مواقف إسرائيلية متضاربة، ففيما أكد وزير الهجرة وعضو المجلس الوزاري المصغر "الكابنيت"، الجنرال "يوآف غالانت"، وجود مفاوضات مع حماس بهدف إجراء صفقة تبادل أسرى، وأن المفاوضات تجري حاليا بوتيرة أسرع، فقد أعلن وزير الحرب نفتالي بينيت رفض إطلاق سراح من وصفهم بـ"القتلى"، تحت أي ظرف من الظروف.
وما تزال المعلومات شحيحة بشأن مجريات المفاوضات، لكن المتداول في هذه الآونة، ولم تنفه حماس أو إسرائيل، أن الأولى تسعى لصفقة تتم على مرحلتين، تشمل الأولى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من كبار السن والمرضى والنساء والأطفال مقابل إعطاء معلومات أولية عن مصير الجنود الإسرائيليين، وفي المرحلة الثانية يتم الحديث عن الأسرى الكبار وأثمان "العيار الثقيل".
في المقابل، لا يبدو الاحتلال متشجعا لهذا التقسيم الزمني، وتسعى لإبرام صفقة واحدة دون تجزئة، رغبة منها بعدم رفع الكلفة المطلوب دفعها لحماس، وهي بذلك تحاول الاستفادة من الأثمان التي أجبرتها الحركة على دفعها خلال الصفقة السابقة.
لا يعلم في هذه اللحظة من سيرضخ للآخر، لكن مهمة الوسطاء تشمل منح كل من حماس وإسرائيل السلم المطلوب للنزول عن الشجرة التي صعدا إليها، من خلال تخفيف مطالبهما، أو تخفيض سقفيهما، الأمر الذي ستتضح مآلاته في الفترة القريبة القادمة.
مكاسب حماس
يمكن الإشارة في هذا السياق لجملة من المكاسب التي قد تحققها حماس من خلال الصفقة، إن خرجت إلى حيز التنفيذ، فهي ستؤكد مصداقية استراتيجية أسر واختطاف الجنود الإسرائيليين، كوسيلة تبدو وحيدة لتبييض السجون.
كما ستؤكد الصفقة على وجاهة منطق المقاومة المسلحة الذي تتبناه الحركة، بجانب زيادة شعبيتها بين الفلسطينيين على حساب السلطة التي أخفق برنامجها في الإفراج عن كبار الأسرى من ذوي المحكوميات العالية، مع التأكيد أن مثل هذه الصفقة ستشمل بالتأكيد انفراجة اقتصادية لقطاع غزة الذي يئن تحت وطأة الحصار الإسرائيلي منذ 14 عاما.
ومن اللافت أن التعنت الذي دأبت عليه إسرائيل في رفضها لإجراء مفاوضات جادة مع حماس منذ 2014 لاستعادة جنودها، بدأ بالتفكك بالتزامن مع قرب إعلان الحكومة الإسرائيلية الناجمة عن ائتلاف حزبي الليكود وأزرق-أبيض.
كل ذلك يؤكد أن بنيامين نتنياهو الذي خضع لحماس في صفقة 2011، واجتر انتقادات إسرائيلية لاذعة، كان بحاجة إلى جنرالات عسكريين يدعمونه في صفقة جديدة بعد نحو عشر سنوات، وهو ما تمثل بانضمام قائدي الجيش السابقين بيني غانتس وغابي أشكنازي، اللذين يتبنيان العقيدة العسكرية للجيش القائلة بضرورة استعادة المقاتلين من ساحة المعركة، ولو بأي ثمن!