حول العالم

هكذا ساعد نمط الحياة بالسويد في مكافحة كورونا

بلغ عدد الحالات المسجل إصابتها بفيروس كورونا في البلاد 7693 حالة- جيتي
بلغ عدد الحالات المسجل إصابتها بفيروس كورونا في البلاد 7693 حالة- جيتي

يعزو كثيرون قدرة السويد حتى الآن في مكافحة تفشي فيروس كورونا إلى نمط الحياة السائد بهذا البلد الإسكندنافي.

يمتاز السويديون بالعيش بمفردهم، وممارستهم للتباعد الاجتماعي، وامتثالهم للقواعد، وتشجيع روح الابتكار.

 

وحتى مساء الثلاثاء، بلغ عدد الحالات المسجل إصابتها بفيروس كورونا في البلاد 7693 حالة، والوفيات 591 وفاة.


الحياة الفردية


تقول "بي بي سي" إن الفتاة السويدية كايسا فيكينغ، البالغة من العمر 21 عاما، لم تبد منزعجة من إمكانية قضائها مزيدا من الوقت بمفردها، في مسكنها المؤلف من غرفة نوم واحدة في مدينة أوبسالا.

وقالت فيكينغ: "نجيد بشدة البقاء في المنزل، ولسنا اجتماعيين للغاية مقارنة بالحال في الثقافات الأخرى، وهو ما يجعل الأمر أكثر يسرا بالنسبة لنا. أعكف خلال بقائي في المنزل على القيام بأشياء مثل ترتيب خزانة ملابسي، وأمارس أيضا تدريبات رياضية، كما أقرأ وأطالع بشكل أكبر".

ولا يشكل طابع حياة هذه الفتاة استثناء في السويد، فغالبية المنازل هناك، لا تضم بين جدران كل منها سوى ساكن واحد.

 

اقرأ أيضا: عالم سويدي: الحجر الصحي الشامل يضر أكثر مما ينفع

وتحتل السويد المركز الأول على هذا الصعيد في أوروبا، بحسب بيانات وكالة "يوروستات" المختصة بالإحصائيات، والتابعة للاتحاد الأوروبي.

في السياق نفسه، يترك غالبية السويديين منازل ذويهم للإقامة بشكل مستقل، وهم بين الثامنة عشر والتاسعة عشر من العمر، وهو ما يقل كثيرا عن متوسط العمر السائد في الاتحاد الأوروبي بشكل عام في هذا الشأن، والذي يبلغ 26 عاما.

ويختلف هذا النمط من العيش عن بلدان أوروبية أخرى كإيطاليا وإسبانيا، حيث تتجمع العائلات الكبيرة في بيت واحد، ما يجعل الخبراء يرجحون أن النمط السويدي ساعد على كبح الوباء.

التباعد الاجتماعي

بشكل عام، يلتزم السويديون بأعراف التباعد الاجتماعي، خلال وجودهم في الأماكن العامة، حيث يتحاشون الجلوس بالقرب من الآخرين في وسائل النقل العام، ولا ينخرطون في الثرثرة مع غرباء عنهم في المقاهي والمحال التجارية.

وتؤكد ذلك لولا أكينميَد أوكريستروم، التي ألفت من قبل كتابا بشأن الثقافة السويدية، بالقول: "السويديون يمنحون بعضهم بعضا قدرا كبيرا للغاية من التباعد الجسدي، وذلك قبل حدوث التفشي الوبائي لفيروس كورونا المستجد بوقت طويل".

وأضافت الكاتبة أن السويديين اعتادوا كذلك "البقاء في منازلهم، عند شعورهم بأدنى قدر ممكن من الصداع"، وهو ما يعني أن من سيشعرون منهم بأعراض خفيفة ناجمة عن الإصابة بكورونا، سيكونون أميل لأن يلوذوا بالمنزل.

المسؤولية الجماعية


من اللافت أن السويد لا تتعامل مع الأزمة عبر تبني إجراءات صارمة لمواجهتها، كما تفعل دول مجاورة له، مثل الدنمارك، سجلت حتى الآن مثله تماما عددا محدودا من حالات الوفاة.


تقوم استراتيجية السلطات السويدية، على السعي لإبطاء وتيرة تفشي الفيروس، على نحو هادئ ومنضبط، والتركيز في الوقت ذاته على حماية الفئات الأكثر عرضة للخطر في المجتمع.

ويعني ذلك أن تبقى المدارس، التي ينتظم فيها الطلاب الأقل من 16 عاما، مفتوحة، جنبا إلى جنب مع غالبية المحال التجارية والمطاعم، التي لا تزال تواصل تقديم خدماتها كالمعتاد للزبائن، سواء كانوا يرغبون في تناول وجباتهم بداخلها، أو يطلبون وجبات "تيك أواي" لتناولها في منازلهم مثلا.

لكن طُلِبَ من العاملين في هذه المطاعم، عدم السماح للزبائن بالقدوم لأخذ وجباتهم من على المناضد التي يصطف العمال خلفها. غير أن السلطات في السويد حظرت في الوقت ذاته إقامة كل المناسبات والفعاليات والأحداث، التي تشهد تجمع أكثر من 50 شخصا.

في السياق نفسه، طلبت الحكومة السويدية من مواطنيها اتباع نصائحها لهم، وتحمل المسؤولية الجماعية بشكل طوعي، من أجل إبطاء وتيرة تفشي الوباء، بما يشمل العمل من المنزل كلما أمكن - خاصة من جانب القاطنين في العاصمة - وتجنب التنقلات والتحركات غير الضرورية، فضلا عن ضرورة أن يلجأ من يشعر بأعراض مرضية أو من يزيد عمره على 70 عاما إلى العزل الذاتي.

وقال رئيس الوزراء السويدي، ستيفان لوفين، في أول كلمة متلفزة يوجهها للأمة منذ اندلاع الأزمة: "نحن كراشدين بحاجة إلى أن نكون كذلك بكل معنى الكلمة. لا لنشر الفزع والذعر أو الشائعات. هذه الأزمة تواجهنا جميعا بحق، لكن على كل فرد منّا مسؤولية جسيمة".

وحتى هذه اللحظة، يشير رد فعل السويديين على الأزمة إلى ثقتهم، بوجه عام ومنذ أمد بعيد، في سلطات بلادهم.

 

وكشف استطلاع للرأي، أجرته إحدى كبريات المؤسسات المتخصصة في هذا المجال في السويد، أن غالبية مواطنيها شاهدوا كلمة رئيس وزرائهم وأبدوا موافقتهم على مضمونها، وقالوا إنهم يؤمنون بقدرة وطنهم على التعامل مع الأزمة الحالية بكفاءة.

وتقول شركة "إس إل" للنقل العام في استوكهولم إنها رصدت، خلال الأسبوع الماضي، تراجع عدد الركاب بنسبة 50 في المئة في قطارات الأنفاق، والقطارات التي تعمل بين وسط العاصمة وضواحيها.

 

ويعمل ثلث سكان استوكهولم من المنزل، وسط تقديرات بأن نسبة من يلجؤون إلى هذا الخيار في الشركات الكبرى هناك، تزيد على 90 في المئة.

ومع أن السويديين لم يندفعوا لإجراء عمليات شراء بشكل مفرط للسلع والمنتجات، بدافع الذعر والهلع كما حدث في باقي الدول، فإن لولا أكينميَد أوكريستروم تقول إنه كان من المفاجئ "أن نرى اندفاعا أوليّا جنونيا، باتجاه تخزين ورق المرحاض في السويد، وهي إحدى أكبر دول العالم إنتاجا له".

 

في المقابل، دعا كثير من خبراء مكافحة الفيروسات، ومن بينهم البروفيسور بيورن أولسِن، الحكومة في السويد إلى أن تحذو حذو نظيراتها في دول العالم الأخرى، عبر "إغلاق كل ما يمكن إغلاقه" بأسرع ما يمكن.

 

وأعرب أولسِن عن معارضته لتوقعات هيئة الصحة العامة في السويد، بأن يكتسب مواطنو البلاد وبسرعة حصانة ضد الفيروس، قائلا إن ذلك قد يستغرق أكثر من عام. وأبدى شكوكه كذلك في إمكانية أن تتقلص معدلات تفشي الوباء خلال شهور الصيف الأكثر دفئا.

الترابط وتشجيع الابتكار


يمتاز مواطنو السويد بالشغف بالتكنولوجيا، إذ تعد هذه الدولة أحد أكثر الاقتصادات الرقمية تقدما بين بلدان الاتحاد الأوروبي، وتشيع في أرجائها روح الابتكار بقوة.

وتشير بيانات "مؤسسة الإنترنت السويدية"، وهي هيئة مستقلة تعمل في مجال الخدمة العامة وتُعنى بتطوير خدمات الإنترنت في البلاد، إلى أن ثلثيْ السويديين يعملون من منازلهم، من الأصل، عبر الشبكة العنكبوتية؛ لبعض الوقت على الأقل. وتفيد المؤسسة بأن ثلث هؤلاء تقريبا، يمارسون ذلك بشكل يومي أو أسبوعي.

وتتناغم مميزات خدمة الإنترنت في السويد، من حيث كونها سريعة وتُقدَم بتقنية النطاق العريض، مع ما هو منتهجٌ هناك من سياسات على الصعيد الاجتماعي وفي مجال العمل في الشركات. إذ تشجع تلك السياسات العمل على نحو مرن وعن بعد، كجزء من دعم نمط حياة، يتسم بأنه أكثر توازنا ومساواة بين الجنسين.

وقد أسهم ذلك، بحسب رأي ستافان إنفاشون الرئيس التنفيذي لمنطقة المال والأعمال والمشروعات في استوكهولم، في الانتقال بسلاسة من نمط العمل التقليدي، إلى نمط آخر تزيد فيه نسبة العمل عن بعد. ويقول: "يتم تبني هذا الأسلوب من جانب كل الشركات القادرة على تطبيقه، ويُجدي نفعا كذلك".

 

اقرأ أيضا: لماذا أبقت السويد الحياة طبيعية رغم انتشار "كورونا"؟

ورغم حرص إنفاشون على الإشارة إلى أن وباء كورونا لا يزال يوجه "ضربة قاسية بحق" للاقتصاد السويدي، في ضوء أنه تسبب في حدوث عمليات تسريح للعمال، بشكل يفوق ما جرى في غمار الأزمة المالية التي شهدها العالم في العقد الأول من القرن الجاري، فإنه يلفت النظر أيضا، إلى التعاون الوثيق السائد بين الشركات والمؤسسات في البلاد حاليا، ما يساعد السويد على مواجهة التحديات المستجدة الناجمة عن الأزمة.

ومن بين الأمثلة على هذا التعاون، تقديم مؤسسة بحثية خاصة تمويلا لدورات تدريبية على القيام بمهام التمريض، تم توفيرها لآلاف من العاملين المُسرحين من شركة الخطوط الجوية الإسكندنافية "إس آيه إس"، وهو ما يتيح الفرصة لهؤلاء الأشخاص، لتقديم المساعدة لفرق العمل في المستشفيات.

بجانب ذلك، يمد عمال من شركة "سكانيا" لتصنيع السيارات يد العون لإحدى الشركات الطبية، لكي تنتج عددا أكبر من أجهزة التنفس الصناعي. أما متاجر السوبر ماركت، فتسعى حاليا بنشاط لتوظيف من فقدوا أعمالهم جراء الأزمة، من العاملين في الفنادق وأماكن استضافة المؤتمرات والفعاليات المختلفة.

ويتفق إريك إنيلاو-نيلسون، الرئيس التنفيذي لـ "نورخين"، وهو صندوق استثماري يدعم المشروعات التي تتوخى صالح المجتمع في أنشطتها، مع هذه الرؤية قائلا إن السويد "بُنيت على تاريخ من التعاون والتآزر، وهو أمر يبرز ويتألق في أوقات مثل هذه".

وقد دشن "نورخين" مؤخرا منصة على شبكة الإنترنت، يتلقى من خلالها طلبات الحصول على تمويل، من الشركات الناشئة التي تركز في مشروعاتها على حل المشكلات الناجمة عن أزمة الوباء.

 

وأبدى إنيلاو-نيلسون سعادته بالقدر الهائل، الذي تتلقاه المؤسسة من مبادرات ودعم وردود فعل، من جانب متطوعين وشركات وشركاء لها كذلك. ومن بين هذه المبادرات، إنشاء شركة للتعلم الإلكتروني، وتطوير تطبيق يوفر خدمة تسليم الغذاء مجانا لمنازل المتقاعدين.

التعليقات (0)