هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد أن اتفق زعيما حزبي «الليكود» و»الحصانة لإسرائيل»، بعد أن اتفقا على تشكيل حكومة وحدة بينهما، يقومان خلالها باقتسام الوزارات وكذلك رئاسة الحكومة، إما بالتتابع أو حتى بالتوازي، لم يعلنا عن الاتفاق النهائي، وفي لقائهما الذي جرى، السبت الماضي، ورغم أنهما أعلنا أنهما اقتربا من التوصل لتفاهمات كبيرة حول تشكيل الحكومة، إلا أن متابعي ذلك الأمر يشيرون إلى أنه ما زالت هناك عوائق وتفاصيل، حتى أن اللقاء بين الرجلين في مقر نتنياهو، جرى في ظل الحفاظ على مسافة بينهما كون نتنياهو في حالة حجر صحي.
والحقيقة أن «كورونا» كان السبب الذي أعلنه
بيني غانتس عند إعلانه عن «انقلابه» المفاجئ على برنامجه الانتخابي وعلى حلفائه
لدرجة كانت سببا في تفكك تحالف «أزرق ـــ ابيض»، بموافقته على مشاركة «الليكود»
والمتهم قضائيا بالفساد بنيامين نتنياهو، في حكومة طوارئ لمواجهة مخاطر «كورونا».
والحقيقة الماثلة، اليوم، تقول، إن أحدا في
العالم لا يعرف بالضبط متى وكيف ستنتهي جائحة الفيروس، وإن كانت ستستمر طوال هذا
العام أم لا، أو أنها حتى ستتجاوزه، لكن مجرد إعلان تشكيل حكومة الحزبين في
إسرائيل، حتى لو سميت بحكومة الطوارئ، فإنها لن تتوقف عند حدود «كورونا»، أي أنها
لن تحل لحظة انحسار المرض، فالحديث يجري عن حكومة شراكة لمدة أربع سنوات قادمة،
وما كان يعوّل عليه خصوم «الليكود» واليمين ونتنياهو من الوصول ليوم السابع عشر من
آذار الماضي، حتى تبدأ جلسات المحاكمة، لتعزيز فرصتهم في تجاوز نتنياهو على الأقل،
تبددت بفعل «كورونا»، الفيروس الذي يبدو أنه أنقذ هذه المرة نتنياهو من احتمال
الخروج النهائي من حلبة السياسة الإسرائيلية.
ورغم أن حجم الإصابات بالفيروس المعلنة في
إسرائيل أكثر مما هو حال جاراتها العربيات في المنطقة، لكنه أقل بكثير مما هو عليه
حال حليفتها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، كذلك معدل الوفيات قليل نسبيا
مقارنة مع عدد الإصابات المرتفع نسبيا، أي بالمقارنة مع دول الجوار العربي.
ويبدو أن هناك أكثر من عامل كان السبب في عدد
الإصابات بالمرض الكبير نسبيا في إسرائيل، منها ما له علاقة بانتشار ثقافة
الانطواء الديني، حيث معروف أن الإجراء الفعال حتى اللحظة في مواجهة اجتياح
الفيروس، يتمثل في التباعد الاجتماعي بين الناس، فيما لا يهتم كثيرا جمهور
المتدينين اليهود بالتوقف عن إجراء طقوسهم الدينية التي تتطلب التجمعات البشرية،
كذلك في عدم تضحية الحكومة كما هو حال الولايات المتحدة وبريطانيا بدرجة ما، فيما
يخص الجانب الاقتصادي، وهذا ما يعكس ظهور حالات كثيرة من الإصابة في كل من بني
براك والقدس، كذلك في المستوطنات حيث كان الاتصال بين العمال الفلسطينيين وأماكن
عملهم وراء الخط الأخضر سببا في نقل العدوى إلى عشرات الفلسطينيين، بل في معظم
الحالات التي ظهرت على الجانب الفلسطيني، خاصة بعد إغلاق الحدود الخارجية، وإغلاق
الأبواب أمام القادمين من الخارج، خاصة السياح الأجانب منهم.
وإذا أضفنا إلى ذلك جملة الإجراءات الاحتلالية
الإسرائيلية، التي تكبّل إلى حدود بعيدة أيدي السلطة في مواجهة الفيروس، فإنه يمكن
القول، إن إسرائيل ترتكب جريمة حرب إضافية بحق الشعب الفلسطيني من هذه الزاوية،
تضاف إليها بالطبع الإجراءات غير الاحترازية أو الحاسمة فيما يخص مجتمع الأسرى
البالغ عددهم خمسة آلاف معتقل سياسي في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ما يزيد من انعكاسات العلاقة الاحتلالية بين
إسرائيل وفلسطين، هو تزايد حالة الصراع على صلاحيات مواجهة «كورونا» بين المستويين
السياسي والعسكري في إسرائيل، فالجيش يبدو أنه يجد ضالته هذه الأيام، بكون الحكومة
انتقالية، كذلك بأن الحكومة التي يجري تشكيلها إنما هي حكومة طوارئ، وذلك من خلال
الحصول على مزيد من الصلاحيات، لدرجة أن يطالب رئيس هيئة الأركان بشكل رسمي من
رئيس الحكومة ووزير الدفاع بنقل مسؤولية مواجهة الأزمة الناجمة عن «كورونا» إلى
الجيش، أي نقل مسؤولية إدارة الأزمة من وزارة الصحة إلى وزارة الدفاع.
وزير الدفاع نفتالي بينت نفسه، أشار إلى أن
الجيش يعالج في الوقت الحاضر 350 ألف شخص، وهذا يعني تعزيز الإجراءات العسكرية في
كل إسرائيل وبما ينعكس على الجانب الفلسطيني دون شك.
فهل هذا يعني بأن حالة الفوضى الحالية، ستجعل
من حكومة الطوارئ القادمة، مجرد يافطة فيما يتحول الجيش إلى الحاكم الفعلي، لا أحد
يمكنه أن يتوقع المدى الذي ستصل إليه الأمور، لكن من الواضح بأن الحكومة
الإسرائيلية حتى بعد تشكيلها، وحتى لو انضم إليها مزيد من الأحزاب مثل حزب العمل،
فإن تطورات حالة «كورونا» على الأرض هي التي ستحدد الوجهة العامة، بما في ذلك
الإجراءات السياسية على الأرض، ومنها بند الضم الذي ما زال محل خلاف بين شريكي
الحكم، حيث يريد نتنياهو الشروع في تنفيذ «إعلان العصر» بضم المستوطنات وغور
الأردن، فيما يريد غانتس أن تكون الخطوة أقل، بضم ما بين الجدار الفاصل والخط
الأخضر، كذلك تحديد الوقت المناسب للإعلان.
من الواضح بأن انشغال العالم كله بأخبار
«كورونا» يغطي على الاهتمام بالشأن السياسي في كل مكان، وأن هذا الحال سيستمر
طالما ما زال «كورونا» ينتشر ويتفشى في أنحاء العالم، لكن ما بعد «كورونا»، سيكون
العالم مختلفا، ذلك أن ما سيسفر عنه من نتائج اقتصادية بالأساس، قد تدفع دولا مثل
الولايات المتحدة إلى الانكفاء قليلا، والكف عن التدخل السافر في تفاصيل الصراع
الفلسطيني/ الإسرائيلي، وإذا كان الجميع، اليوم، مهتما بالخروج من الجائحة بأقل
الخسائر فإنه سيكون معنيا غدا، بإعادة ترتيب الأحوال، لعل وعسى تكون رب جائحة
قالبة لطاولة الإجحاف السياسي الذي طال ضحايا استبداد النظام العالمي الأميركي
أحادي القطب الذي نشأ على أنقاض الحرب الباردة.
(الأيام الفلسطينية)