عادل الطيار، حبيب زايدي، أمجد الحوراني، ألفا سعدو، سامي شوشا، خمسة أسماء لأطباء قد تضيع وسط آلاف المصابين والمتوفين بفيروس
كورونا (كوفيد19) عبر العالم، لكنها ستبقى رمزا لما كان عليه العالم ذات يوم، ستبقى قيمة روحية لما يعينه أن تنسى معتقدك وأصلك وجنسك ونفسك من أجل إنقاذ أرواح أشخاص لم تلتق بهم في حياتك.
خمسة كانوا على خط المواجهة، قريبا جدا من دائرة الخطر والموت، مثل جندي يفصله خندق عن مدفعية العدو، كانوا يحظون باحترام وتقدير كبيرين في مهنتهم ومجتمعهم.
خمسة
أطباء لقوا حتفهم أثناء عملهم في مكافحة كورونا في
بريطانيا، ماتوا نتيجة عنايتهم بمرضى مصابين بالفيروس، الأمر الذي أدى إلى انتقاله إليهم بعد أن أمضوا أيامهم الأخيرة في غرف العمليات الجراحية والمستشفيات وسط الكمامات وأجهزة التنفس وآهات المرضى.
خمسة من الأطباء
المسلمين الرواد في بريطانيا رحلوا بصمت بعد أن تركوا خلفهم سيرة مهنية وشخصية عطرة.
عادل الطيار (63 عاما)، خريج جامعة الخرطوم عام 1982، انتقل إلى بريطانيا عام 1996 لإكمال دراسته في جامعة غرب لندن. وبعد تخرجه تخصص في زراعة الأعضاء، وقضى أيامه الأخيرة في العمل في قسم الحوادث والطوارئ.
عرف الرجل بنشاطه بين الأقلية المسلمة في بريطانيا، ووفقا لما يروى عنه، فقد كان سباقا للمساعدة دون تردد، فضلا عن خبرته الطبية في مجال معقد كزراعة الأعضاء.
أراد الطيار أن يتواجد في المكان الأكثر فائدة في أزمة كورونا التي تواجه بريطانيا، كحال جميع دول العالم تقريبا، لكن الفيروس لم يمهله سوى 12 يوما فتوفي في نفس المكان الذي كان يقف فيه بكل عنفوان وقوة لمساعدة الآخرين على الصمود.
الطيار متزوج ولديه أربعة أبناء، اثنان منهم يعملان أيضا أطباء في وزارة الصحة البريطانية.
طبيب آخر هو حبيب زايدي (76 عاما) ذو الأصول العراقية، وبعض المصادر تذكر أنه باكستاني، طبيب عام في مستشفى "ليه أون سي" لأكثر من 47 عاما، هو الآخر ضحى بحياته، وهو يكافح فيروس كورونا.
توفي زايدي في العناية المركزة بعد 24 ساعة من اكتشاف إصابته بالمرض.
وقبل سنتين حصل زايدي على جائزة التميز من المستشفى الذي يعمل فيه، ووصفته إدارة المستشفى بأنه "أسطورة" في مجال عمله.
ترك زايدي وراءه زوجة وهي طبيبة، وأبناءه الأربعة الذين يعملون في مهنة الطب أيضا.
ثالثهم، أمجد الحوراني (55 عاما)، ذو الأصول السودانية، استشاري متخصص في قسم الأذن والأنف والحنجرة في مستشفى "ديربي وبورتون"، توفي بعد أن جاءت نتيجة فحصه لمرض Covid-19 إيجابية.
كان معظم وقته مخصصا لعائلته، ولمهنته ولم يكن يطلب الثناء من الآخرين.
وأشاد زملاء الحوراني به، فقد أكد مدير مستشفى "ديربي وبورتون" أن المستشار الحوراني "اشتهر بأخلاقيات عمله".
الحوراني كان معروفا بتفانيه والتزامه تجاه مرضاه، كما جمع الأموال للمستشفيات، بما في ذلك تسلق جبال الهيمالايا مع مجموعة من الأصدقاء منذ بضع سنوات، كما كان يتولى التنسيق بين مستشفيات المنطقة، وكان يقدم الدعم الضروري لفريقين طبيين للعمل سويا في مواجهة كورونا.
ورابع الأطباء الذين انضموا إلى القائمة هو الطبيب ألفا سعدو وهو مدير بمستشفى "الأميرة ألكسندرا" رحل بعد كفاح ضد فيروس كورونا، يقول نجله: "لقد كان يحارب الفيروس لمدة أسبوعين، لكنه لم يتمكن من مواصلة القتال، بعد أن فعل كل ما بوسعه".
سعدو من أصول نيجيرية عمل سابقا في أفريقيا قبل أن ينتقل إلى بريطانيا حيث عمل لنحو 40 عاما، وبقي يعمل بدوام جزئي في أيامه الأخيرة لإنقاذ حياة الناس الذين أصابهم المرض القاتل.
آخرهم البروفيسور سامي شوشا، وهو طبيب بارز من أصل مصري، وكان يعمل في مستشفى "شارينغ كورس" منذ عام 1978 كمتخصص في سرطان الثدي، إضافة إلى عمله في جامعة "إمبريال كوليج" في أبحاث سرطان الثدي. وكان البروفيسور شوشا قد ظهرت عليه أعراض المرض في 23 آذار/ مارس الماضي قبل وفاته الخميس الماضي.
خمسة أطباء كانوا صخرة عائلتهم، جمعهم الطب و"كوفيد19" وأيضا كانوا من مسلمي بريطانيا الذين ينظر إليهم بعض المتطرفين والشعبويين والمحافظين البريطانيين نظرة سلبية تقطر بالشكوك والمخاوف والتهديد.
وانضمت إليهم الممرضة أريما نسرين (36 عاما)، التي كانت تعمل في مستشفى "والسول مانور" في مقاطعة ويست ميدلاند ببريطانيا، ولمدة 16 عاما وتوفيت في العناية المركزة .
ولم تكن الممرضة، وهي أم لثلاثة أطفال، تعاني من أي مرض آخر قبل ظهور أعراض كورونا عليها في 13 آذار/ مارس الماضي، حيث شعرت بألم في العضلات وبارتفاع درجة الحرارة والسعال.
الخمسة كانوا بعضا من مئات الأطباء والممرضين المسلمين الذين يقفون في الخطوط الأمامية في مواجهة فيروس مستجد وماكر لا يعرف عنه الكثير، وكل ما يرشح عنه من معلومات لا تشكل صورة كاملة عن هذا القاتل الذي دفع أكثر من نصف البشرية إلى الجلوس في بيوتهم مرغمين.
رحيل الأطباء الخمسة يعيد إلى الواجهة حجم انخراط الأقلية المسلمة في كل هموم وانشغالات المجتمع البريطاني، بعيدا عن الصور النمطية الخادعة التي نسجها الإعلام حولها.
رحيل مفجع لكنه كشف عن الاندماج الكامل لمسلمي بريطانيا البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين نسمة، بنسبة تقريبية 5.4% من إجمال عدد السكان في بريطانيا، ومدى التصاقهم بهموم بلدهم، تماما كما هو حال باقي المسلمين والعرب في جميع أرجاء أوروبا حيث يقفون في الخطوط الأمامية لمواجهة عدو لا يرى بالعين المجردة.
عدو خفي، لكنه قادر على إرهاب العالم ووضعه على حافة الجنون والانهيار، يقف في وجهه "جيش أبيض" من الكوادر الطبيبة والصحية في العالم، يقفون وهم موقنون بأن هذا العدو المتغير لن يرحمهم هم أيضا، لكن القيمة الأخلاقية التي يصنعونها هي أقوى سلاح في مواجهته والانتصار عليه.