هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة لوموند "الفرنسية" تقريرا تحدثت فيه عن المشاكل التي يتعرض لها النفط الليبي، في ظل عرقلة عمل منشآت الهلال النفطي في برقة من قبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تسبب في انهيار الإنتاج في ليبيا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن توقف إنتاج النفط الليبي بشكل شبه كلي زاد من حجم الفوضى في البلاد، فمنذ إغلاق حفتر المنشآت النفطية الاستراتيجية في برقة وفزان في منتصف شهر كانون الثاني/ يناير، انخفض إنتاج الذهب الأسود في ليبيا بنسبة 90 بالمئة. وبعد أن كانت نسبة الإنتاج تبلغ 1.2 مليون برميل يوميا، أضحت 110 آلاف برميل في اليوم في الوقت الحالي.
وذكرت أن اللجنة النفطية التي تقع في شمال إفريقيا شهدت خسائر فادحة جراء الاضطرابات التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي في نهاية سنة 2011. ولم تشهد البلاد مثل هذا الانخفاض المذهل في موردها الرئيسي قط في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن، علما بأن عائدات النفط تمثل 65 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ونقلت عن مدير المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، أن "هذا المأزق يعد مأساة وكارثة ستدمر الاقتصاد الليبي". ويُنظر إلى انخفاض إنتاج النفط من زاويتين مختلفتين، ولقد جاءت هذه الأزمة في وقت تفاقمت فيه الويلات التي يعاني منها الشعب الليبي جراء انقطاع التيار الكهربائي والمياه. وهذا الأمر ساهم في تنامي الصعوبات اليومية التي يواجهونها، ومن المحتمل أن يساهم إغلاق مصفاة الزاوية التي تقع غرب طرابلس في الثامن من شهر شباط/ فبراير، في ظهور العديد من الاضطرابات في منطقة طرابلس.
في المقابل، كان إغلاق المنشآت النفطية الليبية موضع ترحيب في الأسواق العالمية، نظرا لأن نسبة عرض الذهب الأسود تفوق نسبة الطلب جراء أزمة فيروس كورونا وضعف الطلب الصيني، وبما أن أسعار خام برنت انخفضت بحوالي 12 بالمئة منذ بداية العام، فإن هناك الكثير من الأطراف التي تشعر بالقلق من احتمال تعافي الاقتصاد الليبي.
اقرأ أيضا: حصار موانئ النفط يخنق اقتصاد ليبيا.. ما هي خيارات الحكومة؟
وأوردت الصحيفة، نقلا عن المستشار بمركز الطاقة والمناخ بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، كلود أبيرت، أن "احتمال استئناف الإنتاج في ليبيا يقلق الأسواق، لأنه سيجبر الدول المنتجة الأخرى على خفض إمداداتها لتوفير مساحة للنفط الليبي".
عملية حفتر لا تثير إزعاج أحد
وأكدت أن انتشار فيروس كورونا أجهض مساعي حفتر الذي كان يأمل في أن يُجبر المجتمع الدولي على الوقوف في صفّه، في الحرب القائمة بينه وبين السلطات في طرابلس.
وقد أوضح خبير فرنسي في مجال النفط أن "غياب ليبيا عن الإمدادات العالمية هو في النهاية نعمة بالنسبة للمنتجين الآخرين، وبالتالي إن عملية حفتر لا تثير إزعاج أحد، بل على العكس تماما".
وأشارت الصحيفة إلى أن السلاح النفطي يُستخدم لأول مرّة منذ أن شنّ حفتر في نيسان/ أبريل 2019 هجوما ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وقد استمرّ تضييق منطقة الهلال النفطي يومان، كما أغلِقت أنابيب حقلي الفيل والشرارة رغم انعقاد قمة دولية حول الشأن الليبي في برلين لفرض هدنة على "معركة طرابلس" ومنع التدخل الأجنبي.
وفي هذا الصدد، انضمّ المصريون والإماراتيون والروس لصف حفتر أمّا الأتراك فوقفوا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني. وقد أدى ذلك إلى تكبّد خسائر تقدر بمليون برميل يوميًا، بعجز يومي بلغ حوالي 55 مليون دولار (51 مليون يورو). ولعل ذلك ما أكده مصطفى صنع الله الذي قدّر الخسائر التراكمية بـ 1.5 مليار دولار منذ بدء الحظر.
نقطة تحول في الحرب
أكدت الصحيفة أن الأزمة الحالية تنذر بازدواجية الجغرافيا السياسية الداخلية لليبيا. وتسيطر الجماعات المؤيدة لحفتر على معظم حقول النفط، في حين أن توزيع عائدات النفط هي مسؤولية البنك المركزي الذي تضمه القوة المنافسة في طرابلس.
ومع تعمّق وتيرة الحرب على أبواب العاصمة، استسلم حفتر أخيرا لإغراء استغلال مثل هذا الأصل الاستراتيجي الذي بحوزته. لكن أثارت استياء في منطقة برقة النفطية التي اشتكت دائما من خلل في توزيع الثروة لصالح الحكومة المركزية. وهذا الأمر جعل حفتر يوجه أصابع الاتهام للبنك المركزي بتحويل عائدات النفط إلى طرابلس التي يحاربها. لذلك، أراد ضرب المصالح المالية لخصومه. وهذه هي نقطة التحول في الحرب في ليبيا.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ حفتر يشعر بالقلق إزاء احترام الأطراف الدولية له، فهو لم يجرؤ أبدا على لعب ورقة الابتزاز بفرض حظر على المنشآت النفطية. ومن جهتها تشعر الأطراف الغربية بالفعل بالقلق إزاء "وحدة" المؤسسات الاقتصادية والمالية الليبية.
اقرأ أيضا: مجلس الأمن يدين محاولات تصدير النفط "غير المشروعة" بليبيا
وعندما استولى حفتر على منطقة الهلال النفطي في أيلول/ سبتمبر 2016، عزّز ذلك من مكانته الدولية بإعادة إدارة المحطة لكنّ تلك الأيام قد ولت. ولم يتردد حفتر في لعب دور العامل المسبب للاضطراب، مستخدماً سلاح الحظر على حقول الذهب الأسود للفوز.
وأكدت الصحيفة أنّ رد العواصم الغربية جاء ضعيفا إلى حد ما لمواجهة هذا التحدي. وحيال هذا الشأن، قال صنع الله إن هذه "سابقة خطيرة. وعلى المجتمع الدولي أن يعي أن التسامح مع هذا النوع من العرقلة سيؤدي إلى تكرّرها لكن في منطقة أخرى".