هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دون مقدمات وكثير شروحات، فإن أخشى ما أخشاه أن يتم استدراج تركيا عميقا إلى المستنقع السوري، والذي ربما هو حاصل ويجري الآن في إدلب على شكل مجازر ومذابح وتهجير قسري لمئات الألوف نحو تركيا.
فالخشية إذن وبسبب ما يجري الآن وتحت ضغط وتحرشات الروس أو النظام السوري، أن تتورط تركيا في حرب تتحول سريعا إلى حرب عصابات مفتوحة تقوم بها مليشيات النظام بمعية أخرى إيرانية بهدف استنزافها أولا، ومن ثم إشغالها ثانيا عن الأهم بالنسبة لها ولمصالحها الاستراتيجية في منطقة البحر المتوسط، وهو إخراجها من المشهد الليبي تماما، أو مشهد التهافت الدولي المحموم على الكعكة الليبية الدسمة ( نفط وغاز)، ثم يتبعها تعطيل تحركاتها الأولية في الدول الإسلامية السنية، لاسيما المجموعة الإسلامية الخمس الوليدة، لتنتهي أخيرا بعمليات تحجيم تحركاتها وأدوارها المأمولة في أفريقيا أيضا.
لاحظ أن كل ما تم ذكره أعلاه يصلح لأن تكون
أهدافا أو غايات، تسعى عدة محاور في العالم من خلالها إلى ضبط الإيقاع التركي،
الذي بلغ صداه آفاقا واسعة، وباتت التحركات التركية على كثير من الأصعدة، مصدر قلق
وتهديد مصالح يجب ألا يُترك هكذا دون تعطيل بصورة وأخرى، وفي الأذهان صور ذهنية
راسخة للإمبراطورية العثمانية، التي لا تزال ترعب كثيرين في الشرق والغرب على حد
سواء، رغم صعوبة تكرار تلك المشاهد التاريخية.. لكن الحذر واجب، أو هكذا هي عقيدة
تلك المحاور التي سنتكلم عنها بعد قليل.
المحور الأوروبي (غالب الاتحاد الأوروبي)،
المحور الروسي (روسيا، سوريا وإيران) ثم المحور العربي العجيب (السعودية، الإمارات
ومصر) وأخيرا المحور الأمريكي الذي يضم بشكل تلقائي، دولة الاحتلال الإسرائيلي.
تلكم محاور أربعة تعمل بصورة وأخرى، سواء بتنسيق ما أو بدون، ضد تركيا.
الشاهد من كل ما سبق، أن رغبة المحاور الثلاثة
اتفقت، سواء بترتيب سابق أم هكذا التقاء مصالح ظهر على السطح فجأة. اتفقت على وقف
التمدد التركي، الذي جعل بعض الأوروبيين يصرح دون ريب أنه تمدد عثماني جديد، في
إشارة إلى ما كانت عليه الإمبراطورية العثمانية قبل هزيمتها وسقوط الخلافة في 1924
من القرن الفائت.
المحور الأوروبي لم ينس بأس الإمبراطورية
العثمانية ووصولها إلى قلب أوروبا وسيطرتها لقرون عديدة، فالخشية ما زالت حاضرة
بالنفوس من أن يتكرر المشهد التاريخي ذاك، والذي ما زال يؤرق مضاجع الأوروبيين،
وخاصة أن تركيا اليوم كدولة - ذات مقومات عديدة – تجعلها مهيأة لأن تكون ذات قرار
وصاحبة نفوذ وتأثير- لا أقول عالمي - ولكن واسع وملحوظ مهم، وإن كان ليس شرطا أن
يكون النفوذ كما في القرون السابقة، عبر تمدد جغرافي مادي على الأرض. لا، إنما
يكفي اليوم أن تكون صاحب نفوذ اقتصادي وتجاري لتحقق تأثيرا وريادة بالغة، وهذا ما
تعمل تركيا عليه عبر اتفاقيتي ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا والتعاون الأمني
والعسكري مع حكومة الوفاق الشرعية، والتي بتفعيلهما رسميا ستجعل من تركيا صاحبة
نفوذ اقتصادي بالمتوسط، لا تستطيع إسرائيل مثلا، تصدير غازها إلى اليونان وإيطاليا
دون موافقة تركية، وهذا ما يخشاه المحور الأول وهو الأوروبي، يسانده بشكل مفهوم
وتلقائي، المحور الأمريكي الإسرائيلي، وبشكل بعيد عن الحكمة، المحور العربي!
المحور العربي هذا، الذي ينقصه كثير حكمة
وسياسة، نشأ بفعل مراهقات سياسية وضبابية في الرؤية، مع محاولات فرض رؤاها على أرض
الواقع هنا وهناك، بفعل المال تارة وقوة الساعد والسلاح تارة أخرى، حتى صار يتصادم
من حين لآخر وبصور شتى وبشكل مباشر وغير مباشر مع المحور التركي، لأسباب عدة، منها
عدم استساغة أن تكون السيادة السنية بيد الأتراك، أو هكذا التصورات عند الرياض
تحديدا، بعد خروج القاهرة منذ أمد من هذا الأمر، وخصوصا بعد وأد أمل عودة مصر
لقيادة العالم العربي وامتداد التأثير نحو العالم الإسلامي، والذي تسبب فيه
الانقلاب العسكري في 2013، بدعم سخي من أبوظبي والرياض، حتى تبقى قيادة العالم
الإسلامي السني وضمنه العالم العربي – أو هكذا يشاع إعلاميا – تحت سمع وبصر الرياض
بشكل منفرد، على اعتبار أن قرار القاهرة بعد الانقلاب سيرتبط بقرار العاصمتين
الخليجيتين، أبوظبي أولا ثم الرياض!
المحور العربي بدأ يناكف ويناكش أنقرة على
كثير من الصُعد، السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها. ولقد أثبتت التقارير التركية
دور أبوظبي في انقلاب 2016 بتركيا، ومطالبة تسليم محمد دحلان لدوره في التخطيط
بالتعاون مع جماعة غولن. مثال واحد على التربص وتدابير السوء ضد تركيا.
أضف إلى الدعم المصري الواضح لحفتر ومرتزقته
حتى الساعة، لكي يتم قطع الطريق على أي دور تركي في ليبيا عبر حكومة الوفاق
القانونية، رغم الاتفاق الدولي على منع دعم الأطراف المتحاربة في ليبيا. أضف إلى
الحملات الإعلامية المصرية وأحيانا السياسية ضد أنقرة. ذلكم مثال آخر على المناكفة
العربية لتركيا.
ثم يأتي مثال ثالث وأخير، بسيط في شكله عميق
في معناه، وهو استعانة السعودية بقوات يونانية لحماية الأراضي السعودية، على رغم
أن اليونان في أشد الحاجة لمن يحميها، وبالتالي كانت الرسالة السعودية واضحة،
وأنها ليست سوى مناكفة واضحة مقصودة لأنقرة، لعلم الرياض ما بين اليونان وتركيا من
توترات تاريخية قديمة.. وهكذا عبر مراهقات سياسية وسوء تدبير استراتيجي، يخسر
العرب قوة سنية صاعدة مثل تركيا.
لكن خلاصة ما أريد الوصول إليه، هو أننا في
قطر يهمنا بكل تأكيد تعزيز تركيا ، لما لهذه الدولة من فضل بعد الله سبحانه وتعالى
علينا، في منع كارثة كادت أن تتحقق صيف 2017 في مغامرة تافهة متهورة غير محسوبة
العواقب، ووقوف تركيا أمام أطماع ثلاثي خليجي بمعية سيسية غاية في القبح والغباء
في آن واحد.
هذا الموقف يجعلنا في قطر، ندعم ونساند صمود
هذا المحور أمام كل المحاور التي ذكرناها، وبكل ما أوتيت قطر من قوة دبلوماسية
وسياسية واقتصادية وإعلامية. إن صمود وبقاء المحور التركي، يمكن وصفه ببقاء بقية
خير في هذه الأمة، بل ربما هذا المحور أشبه بعقبة أو حاجز أمام محور الشر العربي -إن
صح التعبير- الذي لا يكاد يهدأ في محاولاته وتآمراته هنا وهناك ضد المحور كله.
تركيا من جهة وقطر من جهة أخرى وحتى الجزء الشرعي القانوني في ليبيا. بل إن تآمرات
محور الشر هذا وألاعيبه، ربما تنتقل قريبا إلى المجموعة الإسلامية المصغرة
(ماليزيا، باكستان وإندونيسيا) ليس لشيء سوى أنها ضمن تكتل، أبرز أعضائها تركيا!
لكن الله كفيل بكل جميل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(الشرق القطرية)