اقتصاد دولي

هل يهدد "كورونا" الاتفاق التجاري بين بكين وواشنطن؟

قررت شركة "أبل" الأمريكية إغلاق جميع متاجرها الرسمية ومقار الشركة في الصين- جيتي
قررت شركة "أبل" الأمريكية إغلاق جميع متاجرها الرسمية ومقار الشركة في الصين- جيتي

ألمحت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية إلى أن اتفاق الصين التجاري مع الولايات المتحدة قد يصبح مهددا، في ظل انتشار فايروس "كورونا"، الذي ظهر نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

وسبب الفايروس هزة اقتصادية لثاني أكبر اقتصاد بالعالم، بما يقوض قدرته على الوفاء بالتزاماته بمضاعفة مشترياته من المنتجات الزراعية والطاقة الأمريكية، حسبما نص اتفاق المرحلة الأولى بين البلدين.

وبحسب الوكالة الأمريكية فإنه بات من الصعب تنفيذ بكين للوعودات التي قطعتها، في ضوء تداعيات الفايروس السلبية على الداخل الصيني مع ضعف الطلب المحلي واضطراب سلاسل التوريد الكبرى.


ويُلزم الاتفاق التجاري بين واشنطن وبكين (المرحلة الأولى) الذي تم توقيعه منتصف كانون الثاني/يناير الماضي الجانب الصيني بمضاعفة مشترياته من السلع الأميركية بنحو 76.7 مليار دولار بشكل مبدئي، ثم 123 مليار دولار إضافية خلال العام المقبل، علما بأن الاتفاق يدخل حيز التنفيذ منتصف شباط/ فبراير الحالي.

 

اقرأ أيضا: نزيف اقتصادي في الصين جراء "كورونا".. وحصيلة جديدة للضحايا

وترى الوكالة أنه "مع سرعة انتشار الفايروس في الصين وارتفاع الوفيات فإن الأنظار تتجه صوب المادة رقم 7 من الاتفاق المبدئي، والتي تنص على ضرورة أن يتشاور الجانبان الأميركي والصيني حال حدوث كارثة طبيعية أو وقوع حدث طارئ قد يمنع أيا منهما عن الوفاء بالتزاماته".


ونقلت "بلومبيرغ" عن وزير الزراعة الأميركي سوني بيردو، قوله: "بات واضحا أن الفايروس الجديد سيخلف تداعيات سلبية على الاقتصاد الصيني، ولذلك نأمل ألا يعيق ذلك قدرة بكين على الوفاء بشراء المنتجات الأميركية المقررة لهذا العام".


وتشير تقديرات "بلومبيرغ" إلى أن نمو الاستهلاك في الربع الأول سيتباطأ بأكثر من النصف في الصين من معدله المسجل في الشهور الأخيرة من عام 2019 الذي بلغ 5.5 بالمئة.


ويتجلى هذا التراجع في إقدام شركة ستاربكس على إغلاق أكثر من ألفي منفذ من منافذها في عموم الصين، أي نصف عددها في تلك الدولة. كما أغلقت شركة ماكدونالدز المئات من مطاعمها، بينما بدأت البضائع في بعض محلات وولمارت للبيع بالتجزئة في النفاد.


وأغلقت ملاهي ديزني لاند أبوابها في شنغهاي وهونغ كونغ، في حين نصحت كل من الولايات المتحدة واليابان رعاياها بتجنب السفر إلى الصين، وقلصت بعض شركات الطيران رحلاتها إلى الصين.

وتتوقع "بلومبيرغ" أن يكون لتفشي وباء كورونا تأثير واسع النطاق على قطاع صناعة التكنولوجيا، حيث تستأثر الصين بنحو 21 بالمئة من الإنفاق العالمي في أجهزة تكنولوجيا المعلومات.

وتتخذ بعض كبريات الشركات المصنعة لأجهزة الحاسوب الشخصي وموردي قطع الغيار من الصين مقرا لها، فإذا ما حدث تباطؤ في المبيعات فمن شأنه أن يحد من الطلب على برمجيات أنظمة تشغيل مايكروسوفت ويندوز، وفق ما ذكرت الوكالة الأمريكية.

وتستخدم أكثر من 50 بالمئة من الشرائح الإلكترونية المقدر قيمتها بنحو 470 مليار دولار، إما في أجهزة تباع في الصين أو تورَّد إليها، بغية وضعها في معدات أو تجهيزات تمهيدا لبيعها حول العالم.


والسبت الماضي، قررت شركة "أبل" الأمريكية إغلاق جميع متاجرها الرسمية ومقار الشركة في الصين حتى التاسع من شباط/ فبراير الجاري بسبب تفشي "كورونا".

وقالت "أبل" إن نتائجها المالية عن الربع الأول من العام الجاري قد تتأثر في حال عدم السيطرة على تداعيات الفايروس المتفشي، علما بأن الشركة كانت تخطط لزيادة توريدات هواتف "آيفون" بنسبة 10 بالمئة على مدار النصف الأول من 2020.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه أثناء الحرب التجارية بين الاقتصاديين العالميين، كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطالبته للشركات الأمريكية بمغادرة الصين، وعقب إعلان بكين فرض تعريفات جمركية على سلع ومنتجات أمريكية في الثالث والعشرين من آب/أغسطس 2019  أصدر أمرا لها بذلك.

 

و تحدث وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس في الـ31 كانون الثاني/يناير الماضي عن مدى الفائدة التي ستجنيها الولايات المتحدة من تفشي فايروس "كورونا" في الصين.

واعتبر روس، أن تفشي فيروس "كورونا" في الصين قد يفيد الاقتصاد الأمريكي من خلال عودة فرص العمل إلى داخل البلاد.

 

ورجح ويلبر روس في تصريح لقناة "فوكس نيوز بيزنس"، أن يؤدي تفشي "كورونا" إلى مغادرة الشركات الأمريكية الصين، أو تعليق نشاطها هناك.

 

"كورونا" والاتفاق ومغادرة الشركات

ويقر الخبير الاقتصادي، الحسن بكر بأن "الاتفاق التجاري فرض قيودا على الصين في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، لكن حدث كورونا الاستثنائي يؤثر بشكل كبير جدا على الاقتصاد الصيني بشكل خاص، والاقتصاد العالمي بصورة عامة".

ويرى في حديثه لـ"عربي21" أن الأثر على الاقتصاد الصيني يتركز على قطاع الخدمات في البلاد الذي يشكل 54 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وهو أكثر القطاعات المتأثرة في الصين نتيجة فايروس "كورونا".

ويرجح أن عدم احتواء انتشار الفايروس سيؤثر على الاقتصاد الصيني وقدرته على النمو خلال العام الحالي بصورة أكبر من ما شهده العام 2003 مع اجتياح وباء "سارس" للبلاد، والذي تسبب حينها بتراجع معدلات النمو الاقتصادي للصين من 12 بالمئة إلى 9 بالمئة.

ويستند بكر في تحليله إلى أن "مساهمة القطاع الخدماتي في الاقتصاد الصيني أصبحت أكثر مما كانت عليه خلال العام 2003، حيث كانت 42 بالمئة".

 

اقرأ أيضا: هذه أبرز خسائر الاقتصاد العالمي بسبب "الفيروس الصيني"

ويقول: "الاقتصاد الصيني مقبل على أزمة كبيرة، يضاف إليها تأثير الحرب التجارية خلال الفترة الماضية والجمارك التي فرضت عليه، والقيود التي حصلت عبر الاتفاقية".

ويؤكد أن هذه المعطيات "ستخلق تحديا كبيرا أمام الاقتصاد الصيني، ومن بينها الوفاء بالتزاماته تجاه اتفاقية (المرحلة الأولى) مع الولايات المتحدة".

ويستدرك "لكن هذه ليست النقطة المحورية في تأثير الفايروس على الاقتصاد الصيني. لأن هذه الالتزامات لا تعتبر ذات تأثير كبير بالنسبة للصين بالمقارنة مع تأثيراته المباشرة على الاقتصاد وعجلة الإنتاج داخل البلاد".

وبسؤاله عن إمكانية توجه الشركات الأجنبية خاصة "الأمريكية" للبحث عن بيئات استثمار أكثر استقرارا من الصين عقب الحرب التجارية والوباء الحالي، أجاب بكر: "الوصول للاتفاق التجاري قلل من المخاوف بالنسبة للشركات، لكن الصين لا تزال بيئة جاذبة للعديد من الشركات الأمريكية حتى في ظل الحرب التجارية التي حدثت، هذه البيئة تمتاز بانخفاض التكاليف وانخفاض أسعار المواد الخام، خاصة أن الكثير من البضائع تصدر إلى مناطق أخرى في العالم، ولن يكون مجديا لها العودة إلى الولايات المتحدة".

ويضيف: "مع أن الحرب التجارية قلصت من أرباح الشركات، لكن تبقى إيجابيات عملها في الصين أكثر من التوجه الولايات المتحدة".

ويختتم بالقول: "حاولت الإدارة الأمريكية الدفع بالشركات لتغير بيئة عملها، لكن هذه القرار لا تتحكم به الإجراءات الحمائية التي يفعلها الرئيس الأمريكي. لأنه يعتمد بالدرجة الأولى على الربحية الخاصة بالشركات".

التعليقات (0)