هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خرج السفير الأمريكي لدى
إسرائيل ديفيد فريدمان بتصريحات في الأسبوع الماضي، قائلا إن «المرحلة التالية
بالنسبة للإدارة الأمريكية، بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبسيادتها على
مرتفعات الجولان السورية، هي الضفة الغربية». واعتبر السفير الأمريكي أنه في حرب
1967 «استعادت إسرائيل الضفة الغربية من الأردن الذي (احتل) الضفة لمدة 19 عاما»،
على حد قوله.
كلام السفير الأمريكي واضح من كونه يفترض أن
الضفة الغربية أرض إسرائيلية «استعادتها» إسرائيل من «المحتل» الأردني.
لقد كان الموقف الإسرائيلي دوما وفي أحسن
أحواله يزعم أن الأراضي الفلسطينية المحتلة أراض «متنازع عليها»، وأن السيادة
الأردنية على الضفة الغربية لم تكن قانونية، وبالتالي تنفي إسرائيل صفة الاحتلال
الإسرائيلي لهذه الأراضي عام 1967. وبقيت إسرائيل متمسكة بهذا الموقف حتى بعد أن
صدر قرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي نص في ديباجته على عدم جواز القبول
بالاستيلاء على أراضي الغير بالقوة متذرعة بفقرة لاحقة بالقرار تنص على حق الدول
بحدود «آمنة ومعترف بها».
لذلك لا بد من التذكير هنا بقرار محكمة العدل
الدولية، وهي أعلى سلطة قضائية في العالم، الذي صدر ضد الجدار الإسرائيلي العنصري
الذي أقيم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ابتداء من عام 2002. عندما قررت
إسرائيل إقامة هذا الجدار، اتخذ الأردن قرارا بمساندة السلطة الوطنية والوقوف ضد
الجدار أمام محكمة العدل الدولية، معتبرا أن الجدار يقف ضد المصلحة الوطنية
الأردنية إضافة للمصلحة الفلسطينية، وذلك لأنه يساهم في قتل حل الدولتين.
وتبعا لذلك، ساهم الأردن في
صياغة السؤال الموجه للمحكمة بحيث لا يتناول مدى شرعية الجدار فقط، وإنما مدى
شرعية المستوطنات والاحتلال الإسرائيلي بأكمله. لذا بدلا من أن يكون السؤال موجها
حول قانونية الجدار الإسرائيلي فقط، تمت صياغته بطريقة تدعو المحكمة للتعليق على
مجمل الاحتلال الإسرائيلي. وجاء نص السؤال على الوجه التالي:
«ما هي الآثار القانونية الناشئة عن تشييد
الجدار الذي تقوم إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال بإقامته في الأرض الفلسطينية
المحتلـة، بمـا في ذلـك القـدس الشـرقية وحولهـا، علـى النحـو المـبين في تقريـر الأمـين
العـام، وذلـك مـن حيـث قواعـد ومبـادئ القـانون الــدولي، بمــا في ذلــك
اتفاقيــة جنيــف الرابعــة لعــام 1949، وقــرارات مجلــس الأمــن والجمعية
العامة ذات الصلة؟».
قررت المحكمة أن إصدار حكم حول الآثار
القانونية الناشئة عن الجدار لا يقع خارج اختصاصها، وأن ميثاقها يسمح لها بإصدار
أحكام حول هذه المسألة، وذلك ردا على الاعتراض الإسرائيلي بتجاوز المحكمة
لصلاحياتها وعدم وضوح السؤال. وقد قدمت للمحكمة بيانات كتابية متعددة من الكثير من
الدول كان من بينها الأردن الذي قدم مرافعة على مستوى عال من المهنية قادها
باقتدار الأمير زيد بن رعد المندوب الأردني الدائم لدى الأمم المتحدة في حينه
وفريق وزارة الخارجية آنذاك. وقررت المحكمة أن الاعتراضات الإسرائيلية لا تصمد
قانونيا، وأن عدم وضوح السؤال (الذي ساهم الأردن في صياغته بهذه الصورة عن قصد) لا
يجرد المحكمة من الاختصاص. ومن المهم هنا التذكير بالأحكام التي صدرت وتناولت
المسائل التالية:
- تخلص المحكمة إلى «أن إقامـة المسـتوطنات
الإسـرائيلية في الأراضـي الفلسـطينية المحتلـة تمثل خرقا للقانون الدولي».
- تخلص المحكمة إلى «أن تشييد الجدار والنظام
المرتبط به أمران يخالفان القانون الدولي».
- «جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك
القدس الشرقية ما زالت أراضي محتلة، وما زالت إسرائيل لها وضع السلطة القائمة
بالاحتلال».
من المهم الإشارة هنا إلى أن جميع حيثيات قرار
المحكمة وصفت إسرائيل بدولة الاحتلال، وخلصت إلى أن هذا الاحتلال مخالف للقانون
الدولي، وذلك بغض النظر عن تعريف إسرائيل لهذه الأراضي على أساس أنها «متنازع
عليها»، متجاهلة أن الأردن عضو في الأمم المتحدة منذ عام 1955 دون أن تعترض دولة
واحدة على كون الضفة الغربية جزءا من الأردن حتى إعلان «المغفور له» الملك الحسين
فك الارتباط الإداري والقانوني بالضفة الغربية عام 1988.
من الأهمية بمكان أن نذكر هنا أن قرار المحكمة
واعتباره أن إسرائيل دولة محتلة يعني أن إسرائيل لم تحتل أرضا دون صاحب لهذه الأرض
عام 1967. وأضاف القرار أن اتفاقية جنيف الرابعة تسري على هذه الأراضي المحتلة باعتبار
أن كلا من الأردن وإسرائيل عضوان في هذه الاتفاقية. كما رفضت المحكمة ادعاء
إسرائيل أن اتفاقية جنيف لا تسري على الأراضي المحتلة لأن الأردن لم تكن له سيادة
قانونية على تلك الأراضي حسب الحجة الإسرائيلية.
وقد اتخذ قرار محكمة العدل الدولية بأغلبية
أربعة عشر قاضيا، بمن فيهم القاضي الأردني عون الخصاونة، ضد صوت واحد فقط هو
الممثل الأمريكي. وبغض النظر عن أن هذا القرار استشاري وليست له صفة إلزامية، فإن
له صفة معنوية وأخلاقية عالية كونه صدر عن أعلى سلطة قضائية دولية وبأغلبية ساحقة.
كل ذلك يعني أن ليس لتصريحات السفير الأمريكي
أي قيمة قانونية، وأن أي ضم لغور الأردن أو للضفة الغربية من قبل إسرائيل لن يحظى
بأي قبول دولي.
وللأسف، فإن واشنطن تضرب عرض الحائط بالقرارات
الدولية التي وافقت هي عليها بشأن النزاع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك القرار
242 الذي أشار إلى إسرائيل بأنها دولة محتلة.
قد تكون الإدارة الأمريكية تحاول كسب ود
الجماعات المسيحية المتشددة في الولايات المتحدة عن طريق هذه التصريحات، ولكنها لن
تغير من الواقع القانوني من كون الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية،
أراضي محتلة. لقد كسب الفلسطينيون والأردن أيضا المعركة القانونية الدولية،
ويستطيع الجانبان استخدام قرار محكمة العدل الدولية كسلاح إضافي في المعركة لإنهاء
الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الفلسطيني.
(الشرق الأوسط اللندنية)