هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق، هو ضربة كبيرة بلا شك للقوى الشيعية الحليفة لإيران في العراق، ولن يكون العراق قبل اغتيال سليماني، كما هو العراق بعده. بعض المحللين الأمريكيين وصفوا مقتل سليماني بأنه أشد أهمية من مقتل ابن لادن والبغدادي، والبعض الآخر حذر من خطورة هذا التصعيدعلى المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، ففي أي إطار يقع اغتيال سليماني؟
العملية الأمريكية وإن مثلت تصعيدا غير مسبوق مع إيران، إلا أنها تمت في إطار محدد، ولهدف محدد، وهو الرد على الهجمات المتواصلة للحشد الشعبي على القواعد الأمريكية، وقد يدخل في إطاره، التلاقي مع عمليات إسرائيل التي استهدفت قادة الحشد على الحدود السورية العراقية، بهدف تشذيب مخالب إيران إذا امتدت خارج العراق نحو سوريا وإسرائيل، بمعنى أن الهدف من العملية لا يتعلق بقوة ونفوذ الحشد والأذرع الإيرانية في الإطار العراقي الداخلي، ولا يستهدف إضعاف نفوذ إيران في العملية السياسية، ولن يؤدي من ثم إلى التأثير على معادلة السلطة في بغداد وإضعاف الأحزاب الشيعية الحاكمة، كما يعول كثيرون.
لا تملك الولايات المتحدة الأمريكية في العراق اليوم، أكثر مما كانت تملكه في العراق عام 2003، أكثر من 140 ألف جندي أمريكي، لم يمكنوا واشنطن من فرض حلفائها كإياد علاوي والجلبي، واضطرت حينها لمجاراة القوى الشيعية العراقية، التي نتج عنها تصاعد النفوذ الإيراني في العراق، جراء سلسلة أحداث كان أهمها اكتساح القوائم الشيعية الدينية والكردية القومية للانتخابات العراقية منذ 2005، ما اضطر الأمريكيين في النهاية للانسحاب بهدوء من العراق، الذي أصبح تحت هيمنة إيرانية مستندة لكتلة شيعية وازنة. وكان تقرير الجيش الأمريكي قبل عامين، المكون من 1700 صفحة، وثيقة مهمة تعترف فيها الإدارة الأمريكية بقصور سياساتها عن مواجهة التمدد الإيراني.
مقتل سليماني إذن، قد يفرح الكثيرين ممن اكتووا بنار طهران في دمشق وبغداد، لكن عمليا، فإن هذا التصعيد قد يقود لزيادة الهيمنة الإيرانية والنفوذ الإيراني في العراق، انطلاقا من ثلاثة محاور، الأول هو الاستثمار السياسي للقوى الموالية لإيران في التحشيد ضد الوجود الأمريكي في العراق، وصولا لمحاولة إقرار قانون إخراج القوات الأمريكية من العراق، وهو ما دعا قادة الحشد للمطالبة بأن يكون مشروع القانون، متضمنا في جلسة السبت المقبل. وعلى المحور الثاني، فإن هذا التصعيد يعتبر فرصة لتجاوز صفحة التظاهرات العراقية ومطالبها، وفي المقابل، تحشيد الشارع الشيعي خلف الحشد الشعبي مجددا، تحت راية المواجهة مع الأمريكيين، وهو ما سبق وفعلته القوى الشيعية الأصولية، عندما حشدت المناطق الشيعية خلفها بالمواجهة مع تنظيم الدولة. أما الجانب الثالث، فهو إعادة توحيد الفرقاء الشيعة تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» بعد تنامي النزاعات والغضب الشعبي، الذي يقوده الصدريون ضد غرمائهم التقليديين، ومن غير المستبعد أن يكون الإيرانيون قد سعوا لهذه المواجهة لتحصيل هذه المكاسب، التي ستصب في ملف التفاوض الأمريكي الإيراني في النهاية، ولعل أحد الأدلة على ذلك، هو أن الحشد الشعبي، وحسب البيانات الأمريكية، قصف القواعد الأمريكية في العراق خمس عشرة مرة بصواريخ الكاتيوشا والهاون، منذ شباط/فبراير من العام الماضي، في سلسلة تحرشات تهدف إلى جر الأمريكيين لهذه المواجهة، وإن كان تجرؤ واشنطن على قتل سليماني والمهندس تصعيدا تجاوز الخطوط الحمر.
المعولون على دور أمريكي لإضعاف إيران في العراق، يتجاهلون حقيقة أنه لا وجود عسكري تقريبا لإيران في العراق، يمكن أن يمنحها كل هذه السيطرة، وإنما هناك قوى شيعية حزبية عريقة ومراجع دينية وازنة، ترتبط بوشائج مذهبية مع نظام خامنئي، وأن مشكلة نفوذ إيران تأتت من الثقل الاجتماعي والسياسي والأمني لهذه القوى الشيعية في العراق، ولا يمكن لشخص مثل سليماني، أو غيره من ضباط الحرس الثوري الإيراني أن يتمكن من تدمير مدن السنة في العراق أو حتى سوريا، من دون اعتماده في الأساس على ركائز محلية طائفية كالمليشيات الشيعية العراقية، والنظام الأقلوي العلوي في سوريا، ومن ثم، فإن النزاع هو في جوهره عراقي داخلي بين المكونات العرقية والمذهبية، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تمتلك عصا سحرية لتغليب حلفائها عسكريا، من دون أن يمتلكوا ثقلا سياسيا وأمنيا فاعلا في العراق، وبحكم أن الحشد الشعبي الشيعي، هو القوة الأكبر في العراق عسكريا، من دون وجود قوة مقابلة له وموالية للولايات المتحدة تملك تأثيرا على الارض، فإن فرصة واشنطن في التأثير على مفاصل السلطة في العراق ستبقى محدودة، وستقتصر على تقليم مخالب القوى المتحالفة مع إيران فقط، إذا امتدت خارج العراق، نحو القواعد الامريكية أو نحو سوريا، أما داخل العراق فالولايات المتحدة لا تبدو معنية ولا قادرة على تغيير في موازين السلطة، لعدم امتلاكها أدوات التغيير.
(القدس العربي)