هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يكن ما قاله الكاتب الصهيوني روغل ألفر في (هآرتس 22/12) مفاجئا إلا لمن لا يدركون الاستراتيجية الصهيونية في التعاطي مع القضية الفلسطينية، أو أولئك الذين يحلو لهم تجاهل الحقائق والعيش في الوهم، بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع تفاصيل ما أورده الكاتب لأن الأمور لا تسير دائماً وفق ما هو مخطط لها.
تحدث الكاتب عن جملة من المقالات
لرموز وكتاب من اليمين الصهيوني كانت جميعها "موجّهة لهدف واحد: تفجير اتفاق
السلام مع الأردن". واعتبر أن ضمّ غور الأردن هو عملية تكتيكية استهدفت ضرب
عصفورين بحجر واحد: العمل على ضمّ الضفة الغربية وإلغاء الاتفاق مع الأردن. والهدف
الاستراتيجي هو "تجسيد حلم أن الاردن هو فلسطين".
ويتابع قائلا: "هذا الحلم يشارك
فيه جميع اليمين في إسرائيل، سواء كان يمينا بيبياً (نسبة لبنيامين (بيبي)
نتنياهو)، أو كان يفضل بديلاً آخر مثل جدعون ساعر (خسر المنافسة على زعامة الليكود
أمام نتنياهو). وهذا بالطبع يشمل ساعر نفسه، المؤيد المتحمس لفكرة أن الأردن هو
فلسطين".
تحدثنا في هذه القضية عشرات المرات
خلال السنوات الماضية؛ تحديداً منذ بروز القيادة الفلسطينية الجديدة بعد ياسر
عرفات، وإصرارها على مسار واحد لا بديل عنه، ممثلا في تكريس سلطة في خدمة
الاحتلال، مع التعويل على التفاوض رغم إدراكها لحقيقة المواقف الصهيونية من الحل
السياسي.
لا يحتاج أحد إلى كثير ذكاء كي يدرك
أن أحدا في الكيان الصهيوني (ليس في اليمين وحسب) لا يمكن أن يعترف بأي جزء من
الضفة الغربية كأرض فلسطينية، ويتنازل عنها رسمياً، لأن ذلك ينسف عملياً جملة
الرواية الصهيونية عن "يهودا والسامرة"؛ بوصفها "أرض الآباء
والأجداد". وكل ما هو معروض، وسيبقى كذلك هو أجزاء من الضفة الغربية (أقل من
40 في المئة منها)، مع بقاء المستوطنات، في صيغة حكم ذاتي تحت عباءة الاحتلال، ومن
دون القدس بطبيعة الحال.
في المحصلة يأمل الصهاينة أن يتم ربط
هذا الحكم الذاتي بالأردن، أي ربط الديمغرافيا وليس الجغرافيا التي ستظل تحت
سيادة الاحتلال.
سيقول قائل إن الأردن لن يقبل بذلك،
وهذا طبيعي، لكن المصيبة هي أن ما يجري وسيجري من ترتيبات إقليمية عنوانها التطبيع
الواسع بين الدول العربية، مع بقاء صيغة الحكم الذاتي القائمة على حالها، وإضافة
بعض التحسينات إليها من الناحية الاستثمارية والمالية، بجانب توسيعه ليشمل مناطق
(ب)، وفق تصنيفات "أوسلو".. كل ذلك يعني أن وضع الضفة الغربية سيكون
طارداً للفلسطينيين، إذ إن مناطق (أ) و (ب) مع بقاء المستوطنات التي تفتت الكيان
وتجعله جزرا معزولة عن بعضها البعض؛ لن تكون كافية لاستيعاب الفلسطينيين، وسيجد
بعض هؤلاء ملاذاً في الرحيل إلى الأردن، وسيتم ذلك ضمن ضغوط اقتصادية عليه كي يقبل
بذلك، وما الضغوط الراهنة إلا مقدمات لذلك. وليس مهما بعد ذلك أن تسمّى هذه
اللعبة "الوطن البديل"، أو "التوطين"، لأنها كذلك بحكم
الواقع.
الخلاصة أننا بإزاء عملية فنية
لتصفية القضية لن تحتاج إلى توقيع من الناحية العملية، وسيكون بوسع عباس أن يواصل
الخطابة ضد "المؤامرة"، مع الحديث عن الدولة القادمة، مع العلم أنه
سيكون حالة آفلة بحكم الطبيعة الإنسانية، لكن واقع الحال على الأرض هو تحويل
النزاع إلى مجرد نزاع حدودي لا أكثر. أي أن يتحوّل المؤقت إلى دائم.
تلك هي خلاصة المؤامرة القادمة،
والتي سمّاها بعض قادة الصهاينة بـ"الحل الإقليمي"، وإذا لم يتوحّد الشعبان
الفلسطيني والأردني، وتتغير استراتيجية التعامل مع المقاومة في الداخل الفلسطيني،
فإن إمكانية مرورها ستكون واردة، فيما نعوّل كثيراً على انتفاضة شاملة في الضفة
الغربية تقلب الطاولة في وجه اللعبة برمتها، وفي وجه قيادة فلسطينية تسهل مرورها
على الأرض، وإن واصلت الخطابة عن الدولة القادمة!!