كتاب عربي 21

التصعيد الأخير وحديث الانتفاضة الذي يجب ألّا يتوقف

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

في يوم نشر هذا المقال (الأحد.. 10/4)؛ نشر المحلّل الإسرائيلي الشهير (شمعون شيفر) مقالا افتتاحيا في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بعنوان "تقويم الوضع".


بدأ بالقول: "في محاولة لتهدئة الجمهور بعد ليلة من الكابوس، بثّ رئيس الوزراء "بينيت"، وزير الدفاع "غانتس"، ورئيس الأركان "كوخافي" صباح يوم الجمعة بيانات عن المشاورات والتقديرات التي تستهدف نقل رسالة: نحن نسيطر على الوضع". 


عقّب "شيفر" على ذلك قائلا: "لكن في الحقيقة، الوضع ليس تحت السيطرة. فبعد سلسلة من العمليات الإجرامية في أرجاء البلاد، جاء يوم الخميس مساء دور تل أبيب. آلاف من أفراد الشرطة، جنود وحدة "سييرت متكال" الخاصة، ومئات المواطنين مع مسدسات ممشوقة، ترافقهم طواقم تلفزيونية؛ طاردوا مخربا وحيدا. مهزلة حقيقية". انتهى الاقتباس.


هذه صورة أولى تستحق التوقف من قبل المعنيين بالملف الفلسطيني.


أما الصورة الأخرى، وفي ذات اليوم (الأحد)، فيمثّلها تصريح ساخط لرئيس وزراء العدو (بينيت)، ولوزير الحرب (غانتس)، بسبب عملية تخريب تعرّض لها ما يعرف بـ"قبر يوسف" في نابلس، والذي وصفه الأخير بأنه "أحد أقدس الأماكن لكل يهودي".


يزعم الغزاة أن القبر يحوي عظاما لسيدنا يوسف عليه السلام، بينما يقول الفلسطينيون إنه قبر حديث لرجل صالح اسمه يوسف دويكات، دفن أيام العثمانيين، ولا صلة لليهود به.


أيا يكن الأمر، فالقصة تتحدّث عن قبر في مدينة نابلس، يزوره اليهود بالقوة، وبحماية الشرطة، فيما يعلم الجميع ما تتعرّض له مدينة الخليل من تهويد، بجانب ادعاءات الغزاة بشأن المسجد الإبراهيمي الذي صار لهم حصة فيه، ثم تذكّر الأهم، ممثلا في القدس الشرقية والمسجد الأقصى الذي يرونه "هيكلا".


هذه الأماكن جميعا في الأراضي المحتلة عام 67، أي تلك التي ينبغي أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية كاملة السيادة التي طالما بشّر بها باعة الأوهام، وآخرهم ورمزهم راهنا "محمود عباس".


كل شيء هنا يقول لنا إن الصراع على هذه الأرض لا يمكن أن ينتهي بتسوية، وإن الصهاينة لن يعترفوا بأي جزء من هذه الأرض، كأرض فلسطينية. وما عرضوه ويعرضوه لا يعدو منح الفلسطينيين حق العيش في بعض أجزاء منها، وبإدارة أنفسهم دون أن يرتّبوا أي أعباء على الاحتلال.


والحق أن هذا الجزء لم يعد من باب التكهنات بحال، ذلك أن الصهاينة قد توقفوا في السنوات الأخيرة عن لعبة الاستدراج التقليدية، وصاروا يتحدثون بكل وضوح عن "السلام الاقتصادي" وحسب، وأنه لا دولة فلسطينية، ولو بمواصفات بائسة، لأن أي تنازل عن الأرض، سينسف روايتهم للصراع من جذورها.


عباس يدرك ذلك تماما، ومن ورائه مقاولو التطبيع العرب، ومعهم الأمريكان والغربيون عموما، لكن ذلك لا يغيّر كثيرا في المواقف، بل إن عباس يريد مصادرة المستقبل، كما صادر الحاضر، وها هو يهيّئ لخلافته أشخاصا من ذات اللون الذي لا يزعج الغزاة، وكي يتواصل نهج منحهم "أرخص احتلال في التاريخ"، بحسب تعبيره.


أما الصورة الأولى (صورة بطل عملية تل أبيب)، فتنقلنا إلى محطة أخرى. إنها محطة المقاومة التي ترفض مسار باعة الأوهام.


في ذلك الاقتباس صورة لمشهد شاب فلسطيني (الشهيد رعد حازم)، وهو يصيب دولة بكل أركانها بالرعب، ومن خلال بندقية لا أكثر.


إنها صورة شعب مدجّج بروح التضحية؛ يواجه مجتمعا جبانا، نخره الفساد وأكلته روح الاستهلاك.


صورة تردّ بفصاحة لا مثيل لها على خطاب العجز والجبن الذي يتبناه عباس ومَن حوله من المنتفعين الذين أدمنوا مكاسب الاحتلال، وأدمنوا العار في آن.


لا يحتاج الشعب الفلسطيني لأكثر من وحدة (وإن تخلّف البعض عنها) على برنامج المقاومة، حتى يتمكّن من فرض التراجع على الاحتلال، بما في ذلك الانسحاب دون قيد أو شرط من كل الأراضي المحتلة عام 67.


بل إن المشهد الدولي؛ بتناقضاته الراهنة، لا يدفع نحو التردّد، كما يراه العجزة، بل يدفع نحو الإقدام، لأنه يقدم فرصة كبيرة لمن كان مؤهلا لاهتبالها، وها إن الغرب الذي طالما اعتمد عليه الكيان الصهيوني، يظهر مرتبكا أمام روسيا في أوكرانيا، فكيف سيكون حاله أمام التحدي الصيني؟!


هناك فرصة رائعة لتفجير انتفاضة مآلها الانتصار والإنجاز، مع أن استمرار استنزاف الاحتلال هو هدف بحد ذاته، لا سيما وهو احتلال يواصل القمع والاستيطان والتهويد دون توقف.


على قوى المقاومة والحال هذه ألا تنتظر موقف حركة "فتح"؛ رغم أهميته، بل تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتفجير الوضع، وتشجيع المبادرات الفردية التي أثبتت نجاعتها؛ وصولا إلى انتفاضة شعبية، تفرض على "فتح" تغيير نهجها، إذا أرادت البقاء في الساحة.


أما العمل التنظيمي، فلا بد له من استراتيجية جديدة تستبعد من فشلوا في إدارة الأمر منذ سنوات، بخاصة في حركة "حماس" التي يُعوَّل عليها، وأعني هنا في الضفة الغربية، حيث العجز عن مواجهة عبث السلطة وعبث الاحتلال في آن.


وفي هذا السياق، لا يجب ربط الأمر بشهر رمضان المبارك، مع أنه مناسبة عظيمة، وسيشهد غطرسة كبيرة من الغزاة في أيام "عيد الفصح" التي تبدأ الأسبوع القادم.


نقول ذلك حتى لا تنتهي صلاحية الحديث ومضمونه بنهاية شهر رمضان، لا سيما أن تجربة رمضان الماضي لم تصل مآلها المطلوب، رغم ما شهدته من بطولة وتضحيات في "انتفاضة القدس"، ومعركة "سيف القدس"، ودائما بسبب حالة البؤس في الضفة الغربية، ليس في صفوف السلطة الخانعة التابعة، وحزبها "فتح"، بل وفي صفوف قوى المقاومة، وفي مقدمتها "حماس"، للسبب المشار إليه آنفا.

التعليقات (0)