هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدا واضحا غياب العرب السُنّة، سواء القيادات السياسية والدينية والاجتماعية، أو عموم المجتمع السُنّي، عن مشهد الاحتجاجات الراهنة التي تشهدها بغداد ومحافظات الوسط والجنوب ذات الكثافة الشيعية.
طيلة العام 2013 انتظمت خمس محافظات
ذات غالبية عربية سُنّية في حركة احتجاجية طالبت من خلال ساحات الاعتصام بإطلاق
سراح المعتقلين والمعتقلات غير المدانين بجرائم، وإلغاء المادة الرابعة من قانون
مكافحة الإرهاب وقانون المساءلة والعدالة، وإعادة التوازن في شَغِل المناصب
السيادية بمؤسسات الدولة، لكنّ هذه المطالب وغيرها لم يتم الاستجابة لها بما يكفي
لبناء الثقة بالحكومة، وخلق نوع من الرضا السُنّي بأنّهم شركاء حقيقيون في الدولة
العراقية، بل على العكس من ذلك قامت حكومة نوري المالكي بقمع الحركة الاحتجاجية
باستخدام القوة العسكرية ضد المعتصمين في مدينة الرمادي في 30 ديسمبر/ كانون الأول
2013 واقتحام ساحة الاعتصام وحرق خيم المعتصمين.
جُوبهت الحركة الاحتجاجية التي
استمرت طيلة عام 2013 في محافظات غرب وشمال غرب العراق ذات الكثافة العربية
السُنيّة باتهامات وقوف حزب البعث المحظور وتنظيمات إرهابية، مثل تنظيم داعش (دولة
العراق الإسلامية سابقا)، خلفها.
وأدت الاتهامات التي وجهتها حكومة
رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إلى معالجة قضية الاحتجاجات أو "اعتصامات
المحافظات السُنيّة" معالجة أمنية تميزت بالاستخدام المفرط للقوة لانهاء
الاعتصامات نهاية عام 2013 دون أي استجابة تذكر لمطالبهم التي يرى العرب السُنّة
انها مطالب لا تخص مكونهم بذاته، انما هي مطالب عراقية تخص الجميع.
وارتكبت القوات الأمنية
"انتهاكات" ضد المعتصمين في الفلوجة نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2013
اسفرت عن مقتل 6 اشخاص وجرح اخرين، وسبق ذلك في ابريل/ نيسان مقتل 52 واصابة أكثر
من 150 شخصا في قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك، ونحو 42 شخصا في جامع سارية
بمحافظة ديالى وفي مناطق ومدن أخرى من تلك المحافظات.
وواجه المعتصمون العرب السُنّة
اتهامات بالمسؤولية عن عودة تنظيم داعش وسيطرته على معظم مدن محافظات غرب وشمال
غرب العراق بعد أحداث الموصل 2014.
ولم تخرج المحافظات ذات الكثافة
الشيعية في وسط وجنوب العراق بتظاهرات تاييد للمعتصمين في المحافظات الأخرى عام
2013، الانبار وديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى والانبار، على الرغم من الأهداف
المعلنة للمعتصمين.
كما ان المحافظات السُنيّة لم تدخل
على خط الاحتجاجات الحالية التي تشهدها العاصمة ومحافظات وسط وجنوب العراق منذ
الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على الرغم من وجود مشتركات عدة مع المحتجين
"الشيعة".
لكن عدم مشاركة العرب السُنّة في
الاحتجاجات الراهنة لا يعني عدم وجود معاناة لسكان المحافظات "السُنيّة"
سواء ما يتعلق بمطالبهم عام 2013 حول المعتقلين والمعتقلات أو الاقصاء والتهميش
والتوزيع غير العادل للسلطة والثروات، أو ما يتعلق بالبطالة والخدمات الأساسية
وتردي البنية التحتية والفساد في مؤسسات الدولة.
لم يطرح المحتجون "الشيعة"
أي مطالب خاصة بالعرب السنة، مثل تعديل أو إلغاء قانون مكافحة الإرهاب، والإفراج
عن آلاف النساء "السُنيّات" المحتجزات في معتقلات الحكومة، والكشف عن
مصير آلاف المغيبين والمخفيين قسرا في أثناء عمليات استعادة المدن من سيطرة تنظيم
"داعش"، بالإضافة إلى ما يتعلق بعشرات آلاف من المعتقلين السُنّة دون
محاكمات لفترات تتعدى العشر سنوات، وتوزيع المناصب والثروات وفق النسب التمثيلية
التي اقرها الدستور العراقي، وقضايا أخرى.
وينظر تيار واسع من العرب السُنّة
إلى ان الاحتجاجات الراهنة في حقيقتها هي صراع بين تيارين شيعيين، أحدهما موال
لإيران وحليف لها، وهم الجهة التي تتولى مهمة قمع الاحتجاجات بهدف تقويضها، في
مقابل تيار شيعي آخر، مناهض للقوى الحليفة لإيران و"ناقم" على الحكومة
المركزية ومؤسساتها المرتهنة للتيار الشيعي الحليف لإيران الذي يستأثر لنفسه
ومؤيديه بالثروات والوظائف وغيرها، ما يعني ان الأصل فيها صراع شيعي شيعي على
السلطة والموارد.
وهناك ثمة اتجاه اخر في المجتمع
السُنّي يرى انه ليس من المجدي لهم المشاركة في احتجاجات تندرج في سياق الصراعات
السياسية داخل البيت الشيعي على الرغم من ان المحتجين الشيعة لم يرفعوا شعارات
"طائفية"، بل على العكس من ذلك فان الكثير من العرب السُنّة يجدون في
تلك الاحتجاجات تعزيزا للهوية الوطنية العراقية الجامعة النابذة للمحاصصات العرقية
والطائفية.
لكن بعضا من العرب السُنّة يرى ان من
مصلحتهم استمرار الصراع بين التيارين الشيعيين لان ذلك كفيل باضعافهما معا.
قد تكون هناك رغبة لدى سكان
المحافظات "السُنيّة" بالمشاركة في الاحتجاجات الحالية، في حال توفرت
بعض الضمانات على عدم التعامل معهم من قبل الحكومة والقوات الأمنية وفصائل الحشد
الشعبي على ذات الأسس "الطائفية" التي سبق لحكومة نوري المالكي ان
اعتمدتها منهجا لها في معالجة مسالة الاعتصامات.
لكن ذلك يصطدم بالخشية من اتهامهم
بالإرهاب وممارسة "القمع" ضدهم من قبل القوات الأمنية وفصائل الحشد
الشعبي التي تسيطر على الملف الأمني في تلك المحافظات.
كما ان معظم قيادات المجتمع السُنّي،
السياسية والاجتماعية والدينية، التي لعبت الدور الأكبر في اعتصامات 2013، هم الان
اما خارج العراق أو في المعتقلات أو مخيمات النزوح.
ويعتقد العرب السُنّة ان الخروج
بتظاهرات في المحافظات السُنيّة سيحرف بوصلة المواجهة بين التيارين الشيعيين
المتصارعين إلى تركيز المواجهة على محافظاتهم.
كما ان نسبة من العرب السنة يعتقدون
ان أي دخول على خط الاحتجاجات سيؤدي إلى رد فعل من القوات الأمنية ومن فصائل الحشد
الشعبي التي لا تزال هي صاحبة القرار الأمني والعسكري في المحافظات السُنيّة حتى بعد
نحو عامين على هزيمة تنظيم داعش من اخر المدن السُنيّة.
ويرى اخرون، ان خروجهم للتظاهر ضد
الحكومة سيؤدي إلى حملات "قمع دموية" أو حملات اعتقال واسعة النطاق على
خلفية اتهامهم بالانتماء أو تاييد تنظيم داعش أو حزب البعث المحظور، تنفذها فصائل
الحشد الشعبي التي تسيطر على الملف الأمني في هذه المحافظات.
ويلتزم السياسيون السُنّة بموقف
الحياد بشأن مشاركة أو عدم مشاركة العرب السُنّة في الاحتجاجات التي تشهدها بغداد
ومحافظات وسط وجنوب العراق.
وتحدثت وسائل اعلام محلية ومنظمات
دولية عن اعتقالات في بعض المحافظات "السُنيّة" لناشطين دعوا لتنظيم
الاحتجاجات في محافظاتهم، أو منع اخرين من الذهاب إلى بغداد للمشاركة في
الاحتجاجات.
ففي 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي،
أعلنت منظمة هيومن رايتس ان السلطات المحلية في محافظة الانبار وجهت رسائل
"تهديد" لعدد من الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي ممن يؤيدون
الاحتجاجات في بغداد أو ممن يدعون لتنظيم احتجاجات مماثلة في الانبار.
ولا تزال معظم مناطق العرب السُنّة
تعاني من تبعات العمليات العسكرية لتحرير مدنهم وما خلفته من دمار
"هائل" في المنازل والممتلكات والبنية التحتية، وحالات النزوح لمئات الآلاف
منهم والذين لا يزال أغلبهم يعيشون في المخيمات، وأسباب أخرى تدفع عموم المجتمع
السني إلى تغيير أولوياته من التغيير السياسي من خلال الاحتجاجات إلى أولوية
مواجهة تحديات إعادة الاعمار والعودة إلى مناطقهم الاصلية وتوفير الخدمات الأساسية
وفرص العمل.
(وكالة الأناضول)