كتاب عربي 21

التربية قبل السياسة

محمد عمارة
1300x600
1300x600

منذ إسقاط كمال أتاتورك للخلافة الإسلامية عام 1924م وفرضه للعلمانية المتوحشة على الشعب التركي، وفتحه الأبواب للزندقة والإلحاد، أصبحت الدعوة إلى الدولة الإسلامية أو الشريعة الإسلامية من المحظورات التي تقود أصحابها إلى أعواد المشانق، بل إن الانقلاب العسكري قد أعدم الذين أعادوا الأذان باللغة العربية إلى الشعب التركي!.

لذلك، سلك حراس الإسلام والإيمان الديني طريقا لا علاقة له بالسياسة، طريق المرابطة على ثغور القرآن، وإقامة الأدلة على صدق الإيمان بالله، داعين إلى تأجيل الدعوة إلى السياسة الإسلامية حتى تتكون قاعدة شعبية لهذه الدعوة لا تقل عن 60% إلى 70% من الناخبين الأتراك.

وعن هذه السياسة في التدرج والعمل الصبور، كتب رائد هذا الاتجاه بديع الزمان سعيد النورسي يقول: "إنه مثلما يترتب وجود الخبز على أعمال تتم في المزرعة والبيدر والطاحونة والفرن، فإن ترتيب الأشياء كذلك يقترن بحكمة التأني والتدرج، والحريص هو الذي يتأنى في حرصه وفي حركاته، مراعيا الدرجات والمراتب المعنوية الموجودة في ترتيب الأشياء، وذلك حتى لا يقفز ويطفر فيسقط، فالمطالبة بحكم إسلامي إنما تأتي في المرحلة الأخيرة، وعندما تكون هناك قاعدة إسلامية تمثل أغلبية الشعب، وتطالب بهذا الحكم عن إيمان ونتيجة فهم تام.

إن إصلاح القلوب هو الطريق لإصلاح سياسة الدولة، وذلك لأن أعظم المخاطر على المسلمين في هذا الزمان هي فساد القلوب، والعاقل لا يستطيع أن يستعمل النور والهراوة معا في هذا الوقت، لذا فأنا مضطر إلى الاعتصام بالنور بما أملك من قوة، فيلزم عدم الالتفات إلى هراوة السياسة، نعم إن الهراوة ضرورية لوقف تجاوز الكافر والمرتد عند حده، ولكننا لا نملك سوى يدين اثنتين، بل لو كانت لنا مائة من الأيدي فما كانت تكفي إلا للنور، لا يد لنا تمسك بهراوة السياسة".

 

سلك حراس الإسلام والإيمان الديني طريقا لا علاقة له بالسياسة، طريق المرابطة على ثغور القرآن، وإقامة الأدلة على صدق الإيمان بالله


لقد رسم بديع الزمان النورسي خطة التدرج في الإصلاح، وقرر الرباط على ثغور الحقائق القرآنية مدافعا عن الإيمان بالله وحارسا للدين، وكانت "رسائل النور" التي ينسخها تلاميذه ويوزعونها، والتي بدأ نسخها بآلة "الرونيو"، ثم حصلوا على حكم قضائي بطباعتها، لخلوها من كل آثار "السياسة"، كانت رسائل النور هذه هي الحرب والتنظيم والسياسة التي حفظت للشعب التركي إيمانه الديني، حتى تطورت الأمور – عبر عقود من السنين – فتحققت نبوءة النورسي وخطته، واستطاعت الجماهير المؤمنة في تركيا أن تصبح أغلبية، وعند ذلك حملت رجالات حزب "العدالة" إلى كراسي الحكم، ليمارسوا إصلاح ما أفسده الزنادقة والملحدون في وطن الخلافة الإسلامية!.

إن السياسة ليست كل الإسلام، كما أنها ليست مغايرة للإسلام، وهي من فروع الإسلام، وليست من أمهات الاعتقاد فيه، ويستحيل أن تكون لدينا "فروع" إذا لم تكن لدينا أصول وجذور لهذه الفروع.

تلك سنة من سنن الحياة، ومنهاج لا يجب أن يغفل عنه العقلاء المصلحون!.

4
التعليقات (4)
مكارم الأخلاق
الجمعة، 19-04-2019 01:40 م
قال أحدهم رحمه الله أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في بلدكم
mustapha le tunisien
الجمعة، 19-04-2019 12:51 م
إلي الأخ الله الهادي : في إعتقادي أن الإقتراض بفائدة من البنوك,ليس رباء ... لأن االرباء هو إقراض لشخص مع النية المبيتة لإستغلال أو إفلاس المقترض ..... أما القروض البنكية فهو عقد بين طرفين لهدف قضاء حاجة بشروط مدروسة حسب الحالة الإقتصادية للبلد ... إن عملية الإحتكار , مثلا, التي تدخل في باب التجارة , هي أخطر بكثير .. فالحرام هو كل من أضر بالغير مع نية مبية للإفساد والضرر.
الله الهادي
الخميس، 18-04-2019 10:49 م
رجب طيب أردغان يسلم بيديه على الإناث ويجلس هو وزوجته على مائدة طعام مع قيادات من دول أخرى، أن تعمل بالخمر لكن لا تشربه، أن تعمل بالبنوك لكن لا تقرض بشكل شخصي بفائدة، بهذه المفاهيم الجديدة أظهر نفسه حزب العدالة والتنمية بالسياسة والحكم. وهذا مناقض كل ما تم عرضه بالمقال. لحد الأن لا يوجد حزب ينادي بالإسلام دينا وأستطاع أن يحل مشكلة المشاركة السياسة دون أن يلطخ السياسي ذي الحزب الأسلامي نفسه بالحرام. صحيح أن من وراء أحزاب الأسلام السياسي ينتفع بها المسلمون بالقدرة على ممارسة الدين الإسلامي لكن المعضلة موجودة والله يهدينا أجمعين.
متفائل
الخميس، 18-04-2019 09:23 م
أستاذنا الدكتور محمد ، لم أفهم شيئا مما قلته ، لأن وصفة كالتي كتبت ، من المفروض أن تحتوي على الدواء المناسب لحالة المريض من بعد تشخيصه ، و لا ريب فان الطبيب الذي يساوره شك أو غموض ، يطلب من المريض اجراء كشف بواسطة الأشعة ، الحالة التي تعيشها شعوبنا العربية و الاسلامية ، و منها الشعب المصري الشقيق ، تداخلت فيها أكثر من سياسة ، فما قيمة الوصفة التي قدمتها لنا يا دكتور ؟