هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" مقابلة، أجرتها مراسلتها بيل ترو، مع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو أحد قادة السودان في المرحلة التي تلت سقوط عمر البشير، يتحدث فيها عن الإبادة والذهب والحروب الخارجية والشراكة المستقبلية مع بريطانيا.
وتشير ترو في مقابلتها، التي ترجمتها "عربي21"، إلى أن "حميدتي، وهو القائد الذي يخشاه السودانيون، دخل غرفة اللقاء مرتديا الثوب السوداني، وليس زيه العسكري الذي يظهر فيه دائما، وبدا حميدتي بثوبه وعمامته مثل تاجر جمال، وهي المهنة التي اشتغل فيها شابا، وليس الجنرال الذي قاد مليشيا متهمة باغتصاب وقتل المعتصمين أمام القيادة العامة في الخرطوم هذا الصيف، ومذابح أخرى في دارفور في بداية القرن الحالي، وهو مظهر جديد يختلف عن مظهره السابق وما تمسك به من زي بعد الإطاحة بعمر البشير في نيسان/ أبريل".
وتقول الكاتبة إن "زمن قبعة البيسبول والزي الخاكي قد ولى، وكذلك مكاتب قوات الدفع السريع، فقد تم إجراء هذا اللقاء في مقر إقامته، حيث بدا مرتاحا، وكان سريعا لحث بريطانيا على الشراكة مع قوات الدفع السريع لمحاربة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا".
وتنقل الصحيفة عن حميدتي، قوله: "أقسم بالله إن أولوياتي ليست الحكم، وأنظر لنفسي على أني سوداني ومواطن عادي، ورجل بسيط لا سلطة لديه.. نؤكد للشعب البريطاني أن هذا التغيير هو تغيير حقيقي، صحيح أن هناك مشكلات لكن تمت معالجتها"، وأضاف: "عليه نأمل أن تكون بريطانيا قريبة منا في شراكة حقيقية".
وتلفت ترو إلى أن حميدتي تحول في هذا العام من شخص مقرب من البشير إلى زعيم في النظام الأمني الذي أطاح بالزعيم السابق، فبعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير في نيسان/ أبريل، التي وضع في السجن بتهم الفساد، أصبح حميدتي (43 عاما) نائب رئيس المجلس السيادي في البلاد، مستدركة بأن الملياردير الذي لديه قواته ينظر إليه عادة على أنه القوة الحقيقية، ويريد تقديم نفسه بصفته حاميا للثورة، مع أن قوات الدعم السريع لديها تاريخ دموي في دارفور، ومتهمة بهجمات ضد المتظاهرين.
وتنوه الصحيفة إلى أنه من غير المعلوم عدد الذين سقطوا في مذابح دارفور في عام 2003، لكن التقديرات تتراوح من 300 ألف إلى مليون، فيما شردت المعارك أكثر من مليوني شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وتستدرك الكاتبة بأنه رغم الثورة إلا أن الهجمات لا تزال متواصلة على سكان جبال مرة، كما نقلت الصحيفة عن شيوخ قبائل في دارفور.
وتورد الصحيفة نقلا عن سليمان بارلو من مشروع كفاية، الذي يعمل على دراسة الإبادة، قوله: "أكبر هجمات على المدنيين ارتكبتها قوات الدعم السريع في عام 2014 و2016 و2017، وقالت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في المنطقة إن هذه الهجمات نفذت ضد السكان الذين بقوا في منطقة مرة.. لا تزال تحدث اليوم".
وتذكر ترو أن منظمة "أمنستي" أصدرت تقريرا شاجبا هذا الصيف، قدمت فيه أدلة على استمرار القتل وتدمير القرى والانتهاكات الجنسية، مشيرة إلى أن الصحافة المحلية قامت بإعداد قائمة من البيانات عن القتل والهجمات.
وعندما سألت ترو حميدتي عن هذه الجرائم، فإنه رفض هذه المزاعم، قائلا إنها "استهداف منظم من النظام السابق"، ووصف قوات الدعم السريع بأنهم "حماة دارفور وحماة الثورة"، وتساءل قائلا: "من يحمي دارفور؟ من يحمي النازحين؟ ومن يعوضهم؟ ومن يعيد الحقوق إليهم؟ نحن"، وأضاف: "أولويتنا الآن هي إنجاح الحكومة المدنية".
وبحسب الصحيفة، فإن حميدتي رفض الاتهامات لمليشياته بارتكاب جرائم في الخرطوم، لافتة إلى أن منظمة "هيومان رايتس ووتش" أصدرت في الشهر الماضي تحقيقا لامت فيه قوات الدعم السريع، وحملتها مسؤولية قتل المتظاهرين في 3 حزيران/ يونيو.
وتشير ترو إلى أن حميدتي اعترف بأن قواته "ليسوا ملائكة.. ربما ارتكبت جرائم"، لكنه أكد إجراء تحقيق داخلي، بما في ذلك الهجوم على المعتصمين، لافتة إلى أن حميدتي انحرف في أحاديثه السابقة عن أسباب الهجوم، التي قال فيها إن المعتصمين هم الذين استفزوا قوات الدعم ودفعوها للتحرك، فيما يقول اليوم إن الذين نفذوا الهجوم جماعات خارجية ارتدت زي قوات الدعم السريع، ويضيف: "كان فك الاعتصام في الحقيقة انقلابا" قامت به جماعة خارجة، وتم اعتقال 200 مهاجم انتحلوا هوية قواته، ويقول: "لقد وجدنا أن بعض الضباط المرتبطين بما بمن فيهم ألوية وجنرالات كبار من زمن النظام القديم هم المسؤولون".
وتفيد الصحيفة بأن حميدتي كان راغبا في الحديث عن ثروة الذهب، فقبل سقوط البشير بأيام زعم في خطاب متلفز أنه وضع مليار دولار في البنك المركزي السوداني، وهو موارد بيع الذهب، ومن الأموال التي دفعتها دول الخليج مقابل مشاركة السودان في اليمن، وأدى هذا إلى التحقيق في شركة عائلته "الجنيد"، التي تدير تجارة تتراوح من النقل إلى البناء وإلى إدارة المناجم في دارفور وجنوب كردفان، التي تحرسها قوات الدعم السريع.
وتلفت الكاتبة إلى أن تجارة الذهب ناجحة لدرجة أنهم يحملون طائرات كاملة منه إلى دبي، مشيرة إلى أن حميدتي قلل من أهمية علاقته بالتجارة، وصور نفسه على انه مواطن صالح يدفع الضريبة، وله "شراكات" و"أسهم" مختلفة عن عمل قوات الدعم السريع، وقال: "لا أملك مناجم، هناك منجم واحد في جبل عامر وشراكات في البعض الآخر"، وأضاف قائلا: "ندفع الضريبة والزكاة، وندفع الجمارك، وندفع أجور التصدير"، وأكد أن شركة "الجنيد" تعمل بطريقة شرعية، فيما لا تخلط قوات الدعم السريع السلطة بالتجارة.
وتستدرك الصحيفة بأن مصادر الحكومة والصناعة تقدم صورة أخرى، بالإضافة إلى حكايات في عاصمة دارفور الفاشر، عن الطائرات المحملة بالذهب، التي تقلع ليلا إلى الإمارات، مشيرة إلى قول مواطن: "لقد رأيت شاحنات محملة بألواح الذهب، وأغلقوا المطار كله".
وتنوه ترو تقرير لوكالة أنباء "رويترز" كشف فيه مسؤولون سابقون وحاليون عن "الحرية المطلقة" التي منحها البشير لحميدتي ليبيع الذهب من خلال شركة حميدتي في عام 2018، في وقت كان فيه السودان ينفجر غضبا، مقابل منح حميدتي جزءا من المبيعات للدولة لشتري الوقود والقمح، وبحسب الفواتير عن الرحلات الجوية، فإن شركة عائلة حميدتي أرسلت إلى دبي ألواح ذهب بقيمة 30 مليون دولار على مدى أربعة أسابيع في عام 2018، ونفى المتحدثين باسم "الجنيد" أي علاقة بحميدتي، لكن الأخير تحدث في المقابلة وكأن الشركة شركته.
وتقول الصحيفة إنه يعتقد أنه تربح شخصيا من الحرب في اليمن، حيث أرسل في السنوات الماضية آلافا من المقاتلين للقتال في الحرب التي شنتها السعودية والإمارات ضد المتمردين الحوثيين، وأخبر ضباط في قوات الدعم السريع وصحافيون استقصائيون سودانيون "إندبندنت" أن حميدتي حصل على مليارات الدولارات من السعودية والإمارات لنشره القوات في اليمن، التي تقود أحيانا هجمات ضد الحوثيين، لكنها تقوم في معظم الأحيان بتأمين المدن التي يتم استعادتها من الحوثيين، بالإضافة إلى أنهم عملوا حراسا للقوات الإماراتية في الميدان.
وتنقل الكاتبة عن ضابط، قوله: "إنه أمر مربح"، فيتم تحويل الدولار إلى الجنيه السوداني وبأسعار جيدة، من خلال صرفه في السوق السوداء، مشيرة إلى أن حميدتي نفى هذا كله، قائلا: "لقد كان اتفاقا يتعلق بشرعية اليمن.. الدولة هي التي اتخذت القرار وقمنا بتنفيذ الأوامر، ولم يكن اتفاقا شخصيا".
وتبين الصحيفة أنه مع خروج المقاتلين السودانيين من اليمن، فإن حميدتي حاول تصوير مستقبل قوات الدعم السريع بأنه سيكون مرتبطا بالهجرة ومحاربة الإرهاب، لافتة إلى أن الاتحاد الأوروبي ضخ ملايين الدولارات لوقف تدفق المهاجرين من السودان نحو شمال أفريقيا، ومن ثم أوروبا.
وتورد ترو نقلا عن بارلو الذي يبحث في الإبادة في دارفور، قوله إن معظم الأموال انتهت في جيوب قوات الدعم السريع.
وتشير الصحيفة إلى رحلة حميدتي، الذي يعود لقبيلة الرزيقات غرب السودان، ولم يكمل دراسته حيث عمل في تجارة المواشي التي كان يصدرها إلى ليبيا ومصر أيضا، مشيرة إلى أن مساره تغير عندما انضم لجماعات الجنجويد التي استخدمتها الحكومة السودانية في الحرب في دارفور، التي تتهم بممارسة القتل والقمع على سكان المنطقة، ما أدى إلى حالات تشرد واسعة، وقد أصدرت محكمة الجنايات الدولية في عام 2009 و2010 أمرا بالقبض على الرئيس السوداني عمر البشير، بتهمة الإبادة الجماعية.
وتفيد الكاتبة بأنه خلال هذه الفترة صعد حميدتي وصنع اسمه، وفي عام 2013 عينه البشير لقيادة قوات الدعم السريع التي خرجت من الجنجويد.
وتخلص "إندبندنت" إلى الإشارة إلى قول حميدتي، إن الأمور تغيرت اليوم، ففي الوقت الذي شوه فيه النظام السابق سمعة السودان في الخارج، فإن زمان ما بعد الثورة مختلف، "تقوم قوات الدعم السريع بأمور أكثر من هذا، لكن الجانب الجيد ليس واضحا، ويمكنني الحديث عنه لمدة شهر وبلا نهاية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)