هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعود الرئيس الاستثنائي في تاريخ الولايات المتحدة، دونالد ترامب،
لاتخاذ المزيد من القرارات ذات الأبعاد الاستراتيجية، التي تتعلق بالصراع
الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.
لا يصلح الرئيس ترامب، لأن يكون رئيس الوكالة
اليهودية، أو قائد الحركة الصهيونية، نظرا لأنه يتصف بالرعونة والتسرع، والانحياز
لفكر وبرامج الحركة الصهيونية، بدون النظر في أبعاد قراراته. فالحركة الصهيونية،
بما أنها حركة استعمارية أكثر ذكاء، وأكثر عمقا في التعامل مع مشروعها العنصري
التوسعي.
بعد قراره بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة
لإسرائيل، ومحاولات الإدارة الأمريكية تجفيف موارد «الأونروا»، تمهيدا لإلغاء
تفويضها، وإعادة تعريف اللاجئ، وبعد قراره بشأن السيادة الإسرائيلية على الجولان،
وتصريح وزير خارجيته بومبيو، بشأن عدم مخالفة الاستيطان للقانون الدولي، وقطع كل
المساعدات عن الشعب الفلسطيني، وإغلاق مكتب المنظمة، يقفز ترامب خطوة واسعة إلى
الأمام نحو مزيد من الانحياز ومزيد من التطرف الأعمى والمجنون.
يعلن ترامب، أنه سيعترف باليهودية كجنسية،
معتقدا أن ذلك سيكبح جماح الجمعيات التي تعمل على مقاطعة بضائع المستوطنات وفي
مقدمتها «بي. دي. أس»، التي تحقق المزيد من التوسع في إقناع المزيد من الفئات حتى
في أمريكا، إزاء خطورة المستوطنات ومخالفتها للقانون الدولي، ما يستوجب مقاطعة
البضائع التي تصدر عنها، وكذلك الشركات التي تعمل فيها.
توجه ترامب، عمليا يعني الاعتراف بالهوية
العنصرية التي أقرتها إسرائيل لنفسها عبر تشريع من الكنيست بعنوان قانون القومية.
إذا كانت الحركة الصهيونية، قد طابقت بين القومية واليهودية وحملت نفسها عبء اتخاذ
سياسات وإجراءات ضد الأقوام والديانات الأخرى، بما يؤدي إلى انحطاطها التدريجي نحو
العنصرية، وتقويض ادعاءات إسرائيل بالديمقراطية، فإن أفكار ترامب بهذا الخصوص، من
شأنها أن تضع الولايات المتحدة في ذات المربع العنصري.
هذا يعني تزايد الاتجاهات العنصرية في
الولايات المتحدة نفسها، وتشجيع الجماعات العنصرية والمتطرفة، على ارتكاب جرائم
بحق كل من يرفع صوته، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، وفي الوقت ذاته يوفر
لجماعات الضغط اليهودية الأمريكية أسلحة جديدة، وذات سند قانوني، للتغول على
المؤسسات والجماعات المعادية للعنصرية والصهيونية حتى في المؤسسة الأمريكية
الرسمية.
غير أن هذا التوجه لدى الرئيس الأمريكي، لن
يحول دون مواصلة الجماعات والمؤسسات العاملة في اطار مقاطعة الاستيطان وعزل إسرائيل،
من أن تواصل عملها، وتتوسع في إعادة بناء وعي فئات واسعة من المجتمع الأمريكي حول
حقائق وقضايا الصراع ودور الولايات المتحدة.
إن المؤسسات العاملة في اطار العمل على مقاطعة
البضائع الصادرة عن المستوطنات، وإظهار عدم شرعيتها استنادا إلى القانون الدولي،
ستجد في قرار ترامب سلاحا يساعدها على بيان المخاطر التي تترتب على الولايات
المتحدة، في ظل السياسة التي يتبناها ويمارسها الرئيس ترامب وإدارته غير الرشيدة.
على أن الأهم من كل ذلك، ما ينتظر أن يصدر من
مواقف عن الحزب الديمقراطي، وحتى من رجالات الحزب الجمهوري، الذين ينظرون إلى أبعاد
هذه السياسة على مكانة ودور الولايات المتحدة ومصالحها على المستوى الإقليمي في
الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي. قبل أيام كان الكونغرس الأمريكي قد اتخذ قرارا
بأغلبية واضحة، يخالف قرارات وسياسات ترامب بشأن عملية السلام ورؤية الدولتين،
والموقف من الاستيطان.
أعتقد أن إعلان ترامب بشأن الاعتراف باليهودية
كجنسية، وما يستتبع ذلك، من إجراءات، بالنسبة للجاليات اليهودية في أمريكا وفي العديد
من دول العالم، من شأنه أن يؤجج التناقضات داخل المؤسسات الرسمية الأمريكية، وربما
يؤدي إلى ارتفاع حدة النقض والتحريض على الرئيس.
في الواقع فإن الرئيس ترامب، لو كان بمستوى
الرؤساء الطبيعيين ما كان له، أن يوفر كل هذه الأسلحة، التي تعمل ضد مصلحة
الولايات المتحدة وحلفائها، فيما هي تواجه تحديا تاريخيا يتعلق بدورها الكوني،
وبالنظام العالمي في ظل المنافسة القوية التي تمثلها الصين، والتي يعتقد الدكتور
طلال أبو غزالة، الخبير الاقتصادي العالمي بأنها ستؤدي في العام القادم إلى نشوب
حرب عالمية بين الدولتين.
ترامب لا يزال يخضع لتحقيقات الكونغرس، تحت
عنوان العزل، وهو بما يقوم به، يراكم المزيد من الأوراق، التي تقع بين أيدي من
يراهنون على إزاحته قبل الوصول إلى الانتخابات في نهاية العام القادم. يجدر هنا أن
نراهن على ردود الفعل الدولية التي قد تشكل عاصفة جديدة في وجه هذه الإدارة
الحمقاء.
(الأيام الفلسطينية)